منزل يسبح في بحر من الضوء والدفء

يختفي بين تلال اسكوتلندا ويراعي البيئة ويستغل طاقاتها الطبيعية

توجد بالطابق الأول منطقة مفتوحة تضم غرفتي المعيشة والطعام اللتين تطلان على حديقة مزروعة بالأزهار البرية إلى جانب مجموعة من الخضراوات وأشجار الفاكهة وملعب تنس
TT

المدهش عند زيارة منزل «سانيبانك»، هو أن مدخله تصعب رؤيته بالكاد، وهو شيء متعمد إلى حد كبير، كما يعترف جيم لوكاس صاحب المنزل.

يشرح لوكاس، البالغ من العمر 43 عاما، والذي يعيش في المنزل مع زوجته جنيفر مول (43 عاما)، وابنتيهما إيندي (8 أعوام) وتيلي (6 أعوام)، أنه كان يريد لواجهة المنزل الحجرية التي تطل على الشارع أن تضفي عنصر المفاجأة على بقية المنزل، موضحا «سيجد زائر المنزل بعد تجاوز المدخل الضيق نافذة زجاجية واسعة تطل على مشاهد الريف الساحر الموجودة خارجها، وكأنها لوحة طبيعية في إطار زجاجي».

ما يشد في المنزل الواقع في قرية كولدنغام، بالقرب من سواحل اسكوتلندا الجنوبية الشرقية الخلابة، أنه مستطيل الشكل يطل على منحدر أحد التلال وغارق في الضوء. ويتكون المبنى من طابقين، حيث يحتوي الطابق الثاني على أربع غرف نوم، بينما توجد بالطابق الأول منطقة مفتوحة تضم غرفتي المعيشة والطعام ومطبخا مستطيلا متسعا كمطبخ السفن، وكلا الطابقين يطل على حديقة مزروعة بالأزهار البرية إلى جانب مجموعة من الخضراوات وأشجار الفاكهة، وملعب تنس. ولا يعد هذا المنزل لافتا للنظر لشكله الدرامي فقط، ولكن أيضا لأنه مصمم لتلبية أقصى معايير كفاءة الأداء في استخدام الطاقة. بناؤه يجمع بين البناء المحكم الذي يراعي عدم تجاوز الحد الأدنى من استهلاك الطاقة، إذ ليست هناك حاجة إلى سخان أو مكيف هواء بداخله، نظرا لوجود نظام تهوية ميكانيكي طبيعي يعمل على استبدال الهواء الداخلي. يقول لوكاس، الذي يعمل كمدير إداري لفرع شركة «كريديتكس» للسمسرة المالية، والتي يقع مقرها في نيويورك «دعوني أوضح لكم مدى كفاءة المنزل، ففي عيد رأس السنة الماضي، عندما كانت درجة الحرارة 3 درجات مئوية فقط، اضطررنا لفتح الأبواب لتلطيف الجو، حيث كان الجو حارا جدا داخل المنزل، وهو ما جعلنا نكتشف أن المنزل أكثر كفاءة في استخدام الطاقة مما توقعنا، وهي مشكلة لطيفة في حقيقة الأمر».

ولم تكن فكرة بناء منزل من هذا النوع وبهذه المعايير قد دارت في خلد السيد والسيدة لوكاس، وهي ربة بيت، عندما شرعا في عام 2007 في البحث عن منزل في اسكوتلندا، مسقط رأسهما، قادمين من حي غرينتش بجنوب لندن. وقال لوكاس، الذي يعمل في لندن منذ ما يقرب من 20 عاما، والذي لا يزال يسافر إلى منزله في اسكوتلندا في عطلة نهاية الأسبوع «كنا حريصين على نقل مقر إقامتنا إلى اسكوتلندا، لأن أطفالنا قد أوشكوا على دخول المدرسة. في البداية فكرنا في شراء منزل ريفي تقليدي، لكننا قلنا لأنفسنا بعد تفكير طويل: لماذا نفكر في الانتقال إلى منزل كبير قديم سيكلفنا الكثير لتجديده وجعله صالحا للمعيشة؟ لماذا لا نقوم بدلا من ذلك ببناء منزل خاص بنا؟.. وكانت تلك لحظة تجل بالنسبة لنا».

وبالفعل عثر لوكاس على الموقع، الذي سيبني فيه منزل العائلة الجديد، مصادفة أثناء ممارسته لهوايته المعتادة، والتي تتمثل في شراء وتجديد وبيع المنازل في جميع أنحاء المملكة المتحدة، حيث قال «إن الموقع كان رائعا، حيث لم يكن به سوى منزل صغير محاط بنحو فدانين من الأرض وسط قرية جميلة. ويقع بجوار مدرسة الأطفال بالضبط، ولا يبعد سوى بضعة أميال عن منزل والدي جنيفر». اشترى الزوجان الموقع في عام 2007، وقاما بهدم المنشآت التي كانت موجودة على أرضه، لكنهما احتفظا باسمه كما هو: «سانيبانك». وتعاونا مع بعض على وضع تصميم للمنزل مع توني لوكاس، كبير المهندسين المعماريين والواعي بقضايا البيئة في شركة «فينر لوكاس أراشيتكتس» للتصميمات الهندسية، التي يقع مقرها في لندن. وهو الذي ساعد الزوجين على تجديد منزلهما في غرينتش من قبل. ويعتبر المهندس المعماري ملما باستخدام التقنيات الصديقة للبيئة التي وضعها معهد المنازل الخاملة في ألمانيا منذ أكثر من عشر سنوات. واستغرقت عملية بناء المنزل 16 شهرا، ولم تنتقل العائلة إليه إلا قبل حلول عيد رأس السنة لعام 2009 بفترة قليلة، فيما بلغت تكلفة بنائه 955858 دولارا.

وقال لوكاس، الذي لا توجد صلة قرابة بينه وبين المهندس «لم أكن مصدقا في البداية أننا لن نحتاج إلى تدفئة المنزل، لكن كانت فكرة أن تكلفة إدارة المنزل ستكون رخيصة، فكرة جذابة بالنسبة لي. وأعتقد أن هذا سيكون هو الاتجاه الجديد في بناء المنازل».

ويكاد منزل «سانيبانك» يكون مخفيا عن الأعين، حيث إنه يقع بعيدا عن الشارع قابعا وراء بوابة كبيرة. ويقع المنزل في نهاية درب حجري ضيق من الطريق الخاص المؤدي إليه، وقد بنيت واجهته الخارجية بالحجارة الداكنة اللون التي تم الحصول عليها من مزرعة أسرة الزوجة. ويغمر الضوء المنزل من الداخل كأنه لوحة ضوئية، خاصة مع وجود كوة تسمح بدخول الضوء، ممتدة على طول المبنى المستطيل. وهناك دهليز طويل ضيق يلي الباب الأمامي للمنزل، حيث يمتد هذا الدهليز أيضا بطول الجزء الأمامي من المنزل. وتقع غرف نوم العائلة والحمامات الرئيسية قبالة هذا الدهليز ذي الجدران الصارخة البياض، والمعلق عليها صور العائلة. ويصل ممر زجاجي قصير موجود في الجزء الخلفي من هذا المنزل هذا الدهليز بدهليز آخر مواز خاص بغرف النوم. وهناك درج خشبي يلي الباب الأمامي مباشرة، يهبط إلى قلب منطقة المعيشة المفتوحة، حيث يقع المطبخ وغرفة الطعام إلى اليمين، بينما تحتل غرفة المعيشة وغرفة الأطفال بقية المساحة. وتقع جميع الغرف الرئيسية في المنزل في الجزء الجنوبي للاستفادة من الإضاءة الطبيعية من خلال الجدران والأبواب الزجاجية المنزلقة التي تطل على الحديقة والمساحات الريفية التي تليها. وقد حاول الزوجان التوفيق بين رؤيتهما الجمالية المتضاربة عند قيامهما بوضع التصميم الداخلي للمنزل، حيث قال لوكاس «أنا أحب خطوط التصميم الحديثة النظيفة الأنيقة، بينما يتسم ذوق جنيفر ببعض الفوضى. وقد حاول توني، المهندس المعماري، تصميم شيء يناسب ذوقينا المختلفين».

ويشير لوكاس إلى أن المثال العملي على ذلك هو غرفة النوم الرئيسية «لم أكن أرغب في غرفة نوم تتسم بالفوضى، لكنني كنت أعلم أن جنيفر لن تكون منظمة ومرتبة، وهكذا اضطر توني لإنشاء غرفة بها مساحة تكفي بالكاد لوضع سرير بها، ثم قام بعد ذلك بإنشاء غرفة خاصة بالملابس متفرعة منها، يمكن لجنيفر أن تستخدمها في وضع أشيائها فيها، وكانت تلك وسيلة جيدة لإخفاء الفوضى».

ويقف مفهوم إخفاء الفوضى وراء العديد من التصميمات الخاصة بمنزل «سانيبانك»، والتي تشمل أماكن التخزين المضمنة، وغرفة مرافق في الطابق السفلي، تتصل من خلال قناة رأسية لملابس الغسيل بحمام الأسرة ذي اللون الأخضر الفاتح في الدور العلوي.

وقال الزوجان إن ابنتيهما متيمتان باللمسات الغريبة الموجودة داخل المنزل، مثل المعبر الزجاجي والسلم الخشبي، وتستمتعان بالتزحلق على أحد جانبيه. وأضاف لوكاس قائلا «عندما يأتي أصدقاء الأطفال لزيارتهم، فإنهم يبدأون على الفور في اللهو في أنحاء المنزل، لشعورهم بأنهم في منزلهم. وقد حرصنا على وضع الكثير من الأشياء المعمرة والقوية، مثل الأرضيات الخشبية الصلبة، والبلاط، حتى يمكننا استخدام المنزل كما نريد، وإساءة استخدامه كما نريد، لو جاز لنا التعبير. كما أن المنزل مريح للغاية، وذو طابع عائلي جدا، على الرغم من كونه منزلا حديثا، يفترض فيه أن يعطي إحساس بالجمود والتجريدية».

وقال لوكاس، بأسلوبه البديهي، ووعيه بقضايا البيئة، إنه وزوجته بذلا جهدا كبيرا لأسابيع عديدة لتحديد الاحتياجات اللازمة لمنزلهما الجديد، حتى يلبي أيضا كل احتياجاتهما في نهاية المطاف، وينسجم تماما مع الطريقة التي يعيشان بها.

* خدمة «نيويورك تايمز»