جورج شقرا يعود إلى الجذور.. ويعرض مجموعته لصيف 2012 في العاصمة التي شهدت بدايته

باريس تخسره هذا الموسم وبيروت تفوز به

TT

انطلق أسبوع باريس للأزياء الراقية لربيع وصيف 2012 اليوم، لكن من دون جورج شقرا. فالمصمم اللبناني الذي يعتبر من الوجوه المألوفة في هذا الموسم منذ عدة سنوات، قرر أن يحتفل بمرور 25 عاما على انطلاقته بالعودة إلى جذوره، أي بيروت. تحت عنوان «العودة إلى الجذور»، وفي حفل كبير أطلق في الأسبوع الماضي مجموعته الجديدة لصيف 2012، متوجا مسيرة طويلة مع الأناقة والجمال والنجاح الشهرة. كل هذا من قلب المدينة التي قدم فيها أول عروضه في عام 1987، والتي غادرها في عام 2002 متوجها لباريس، لأسباب كثيرة، منها طموحه لمعانقة العالمية حاملا معه خبرة لا يستهان بها في مجال التفصيل على المقاس، أي «الهوت كوتير»، قبل أن يوسع آفاقه ويتوجه إلى نيويورك، بعد أن قرر خوض مجال الأزياء الجاهزة.

وتشكل هذه العودة إلى الجذور مناسبة مهمة اجتمع فيها نخبة من أهل الفن والمجتمع ووسائل الإعلام المحلية والعالمية، وافتتحت بفيلم مصور يلقي الضوء على أبرز المحطات في مسيرة شقرا الإبداعية، تلاه عرض للمجموعة الجديدة التي تضم 45 قطعة، بينها فستان زفاف واحد، لكنه يختزل بين طياته وثناياه أسلوب المصمم وفنيته المشهود له بها.

بالنسبة لشقرا، فإن العودة إلى الجذور تعني له العودة إلى الوطن الأم الذي احتضنه كمصمم شاب يقدم أولى تجاربه؛ يقول: «في البداية، فكرت أن أنظم هذا الحدث في باريس ونيويورك في إطار عروض الأزياء السنوية التي أشارك فيها في شهري يناير (كانون الثاني) ويوليو (تموز) من كل عام، ولكنني عدت وقلت لماذا لا أنظم هذا الحدث في لبنان؟ فهو البلد الذي انطلقت منه، فضلا عن كوني لبناني، وهويتي اللبنانية رافقتني في كل مسيرتي في الخارج، بدليل أن الصحافة العالمية عندما تتحدث عني وعن أعمالي تقول (المصمم اللبناني جورج شقرا)، ولا تقول مثلا المصمم الفرنسي جورج شقرا. لذلك وتقديرا لهذه الهوية، كما لفريق العمل الذي تعب ورافقني طوال هذه السنوات، قررت أن يكون الحدث في بيروت، التي كانت قبل الحرب وبعدها مدينة الموضة والجمال والأناقة».

ويتحدث شقرا عن شعور مختلف تماما بين أول وآخر عروضه البيروتية، قائلا إنه في المرة الأولى «كنت سعيدا جدا، أما اليوم فأنا خائف جدا. قبل 25 عاما لم يكن لدي أي تجربة، والنجاح أو الفشل سيان عندي.. عرضي الأول كان مجرد تجربة، بينما اليوم وبعد كل الذي حققته فإن صورتي كمصمم مهمة جدا ويجب أن أحافظ على نقائها». ويضيف: «قبل 25 عاما لم تكن لدي خبرة بالعروض وبالعارضات، والخبرة التي اكتسبتها خلال هذه السنوات الطويلة، تفرض علي أن أوفر لعروضي متطلبات معينة، ومن دونها يمكن أن أسيء لسمعتي كمصمم، ولذلك استعنت بخبرات من الخارج، على أن يتم التنفيذ في لبنان». شقرا، الذي حقق الكثير من أحلامه خلال ربع قرن من الزمن، لا تزال تسكنه كثير من الأحلام الكبيرة بحسب قوله؛ «فقبل 25 عاما كانت أحلامي كبيرة، وهي لا تزال كذلك حتى اليوم، على الرغم من أنني حققت الكثير منها. فالمبدع لا يمكن أن يتوقف عند مرحلة ويكتفي بما حققه، بل هناك دائما حافز لإعطاء المزيد. مثلا كانت الشهرة حلما في البداية، وكذلك كان العرض في باريس ونيويورك وهوليوود، فهذه كلها محطات تمثل أحلاما تحققت لي، لكن الإنسان الذي لا يحلم لا يتطور ولا يصل إلى أي مكان. صحيح أن الأحلام تغيرت، لكن كذلك وضعي، إذ علي الآن أكثر من أي وقت سابق أن أجتهد لكي أحافظ على ما حققته خلال ربع قرن. فمثل الإبداع الأحلام لا تتوقف، وبداخلي دائما أحلام جديدة تحركني وتدفعني إلى الإمام».

لا ينكر شقرا أنه قبل أن يتوجه إلى الخارج كان لديه أسلوبه وخطه الخاص، ولكن عمله في الخارج أكسبه خبرة جديدة وثقافة مختلفة أثرت على شخصيته كما على أسلوبه كمصمم، يشرح: «الثقافة اللبنانية تختلف عن ثقافة كل الدول العربية، لأنها مطعمة بشيء من الثقافة الغربية، ومن خلال وجودي في الخارج اكتسبت ثقافة من نوع آخر امتزجت مع ثقافتي الأساسية، ليكونا معا ثقافة جيدة، كما أن مشاهداتي وتجاربي في الخارج أثرت علي بطريقة أو بأخرى، حيث إن هناك ميلا أكثر نحو البساطة، ولذلك يمكنني القول إنني أعطيت الغرب من ثقافتي وخبرتي، كما أنني أخذت منه من ثقافته وخبرته». وربما هذا التشبع بالشرق والغرب هو الذي جذب إليه أنظار هوليوود، أو بالأحرى نجمات هوليوود، اللواتي ظهرن في الكثير من المناسبات الكبيرة في أزياء من توقيعه، من مثيلات بيونسي، جنيفر لوبيز، كوين لطيفة، هيلين ميريل، كايتي بيري، شيريل كول وغيرهن. وتبقى النجمة المتألقة والمخضرمة صوفيا لورين الفنانة التي يحلم شقرا بأن ترتدي أحد تصاميمه.. «أعرف جيدا أن صوفيا لورين تقدمت في السن، وحلمي قد لا يتحقق، ولكنها والراحلة إليزابيت تايلور وسواهما من الممثلات اللواتي ينتمين إلى هذا الجيل الفني، يمثلن (أيقونات) السينما العالمية. فقد كبرت على فنهن، لكن هذا لا يعني أن هناك نجمات أخريات لا أحلم بأن يرتدين أزيائي، فأنا أيضا معجب بكل جوليا روبرتس، ميشال بفايرفر، ميريل ستريب، وأتمنى أن أراهن في يوم ما في فستان من توقيعي، لأنهن نجمات كبيرات ويتمتعن بقيمة فنية عالية جدا، كما أنهن بالنسبة لي أيقونات. أما بالنسبة للفنانات العربيات فهناك المطربة ماجدة الرومي والممثلة يسرا اللتان ترتديان تصاميمي».

ومن الطبيعي أن تعكس مجموعة صيف 2012 ذوق وأسلوب شقرا الخاص كمصمم، هو الذي يعرف كيف يجمع بين الصخب والهدوء في آن معا. صخب يعكس شخصيته المجنونة، وهدوء يعكس شخصية المرأة التي يتوجه إليها، وفي هذا الإطار يشرح شقرا أن «عمل المصمم يرتكز على الخلق والإبداع، وعند التحضير لأي مجموعة جديدة لا أستمع سوى لنفسي، وعندما يقترح علي المستشارون والمساعدون أفكارا لما ستكون عليه الموضة في الموسم المقبل على مستوى الألوان والقصات، فإنني لا أصغي إليهم، لأنني أشعر أنها سوف تقيدني وتحدّ من أبداعي. كذلك أعمل على تصاميمي الجديدة وفق ما تمليه علي مخيلتي، منطلقا من فكرة معينة موجودة في رأسي، ألعب بها وأجربها، وإن كنت لا أعرف إلى أين يمكن أن أصل بها في النهاية».

وربما يعود الأمر إلى شخصيته المستقلة، فحتى عندما قرر الاتجاه نحو تصميم الأزياء ولم يتقبل أهله فكرة عمله في هذا المجال، سافر إلى كندا ودرس أصول هذا الفن، دون علمهم، لينفذ رغبته. أما هو فيعيد هذه الثقة والاستقلالية لحبه لفن الرسم: «حبي للرسم ساعدني على النجاح في هذا المجال، فعند التحضير لأي مجموعة جديدة، أنطلق من فكرة لها علاقة بفن الرسم أو بفن الهندسة المعمارية. فقد شكلت أعمال الرسام العالمي (كلود مونيه) مثلا نواة مجموعتي لصيف 2012، فالفساتين تبدو وكأنها لوحات مطبعة بالورود بألوان الباستيل المختلفة كالبرتقالي، الزهري، الأبيض، الأزرق والأخضر الفستقي. كما يبدو الأصفر حاضرا بقوة في هذه المجموعة كما في كل مجموعاتي السابقة، لأنه لون الضوء والشمس بالنسبة إلي. وهذه التصاميم لا ترتكز على حقبة زمنية معينة بل هي من حقب زمنية مختلفة، ويجمع بينها الألوان والرومانسية، أما القصات فهي مستقيمة، مع التركيز على قصّات الظهر التي تميزني عن سائر المصممين».