المظهر أم الكفاءة أولا؟.. هذا هو السؤال

الشكل الحسن يعزز الثقة بالنفس ويساعد على تسلق السلم الوظيفي

TT

شتان بين المرأة العاملة اليوم والمرأة العاملة في الثمانينات، فثلاثة عقود كانت كافية لتكسبها ثقة أكبر في الحياة وفي ميادين العمل، وتوجهات الموضة والجمال خير دليل على هذا. فهي لم تعد تحتاج إلى التايور الصارم ذي الأكتاف البارزة، والبنطلون المستقيم، وقصات الشعر القصيرة، لكي تفرض نفسها في أماكن العمل التي كان يحتكرها الرجل، بل العكس، عانقت أنوثتها بحرارة، لأنها لم تعد ترى داعيا لكي تلغيها أو تخفيها لتحقيق ذاتها، بعد أن أصبحت الأنوثة ترادف القوة والثقة.

وهذا ما تبينه دراسات كثيرة أفادت مؤخرا بأن المرأة تحصل على احترام أكبر عندما تلبس تنورة أو فستانا مفصلا، مقارنة بما تحصل عليه عندما تلبس بنطلونا. نفس المبدأ ينطبق على الماكياج، الذي لا يزيد من جاذبيتها فحسب، بل يعزز أيضا من مصداقيتها، شريطة عدم البهرجة والمبالغة فيه. واحدة من هذه الدراسات مولتها شركة «بروكتر آند غامبل» لمستحضرات التجميل والعناية بالشعر، وتشير إلى أن الوجه المتناسق يشير إلى الجاذبية كما هو متعارف عليه، كما يوحي بالذكاء والقوة، وإن كانت هذه القوة تنبعث أحيانا من شعور المرأة بثقة عالية بنفسها عندما تتزين أو تلبس زيا جديدا.

وتشير نانسي إكتوف، وهي أستاذة مساعدة للطب النفسي بجامعة هارفارد ومؤلفة كتاب «البقاء للأجمل»، إلى أن السعي وراء الجمال مسألة بيولوجية، كما أنه ضرورة ثقافية واجتماعية. لكنها تعود وتقول إنه «من الممكن أن يحدث انخفاض في درجة الثقة بالنفس في مرحلة من مراحل الحياة، وإن الحل لتجاوز هذه الحالة أن تتبنى المرأة إطلالة مختلفة عن تلك التي تعودت عليها تنعشها وتجدد نظرتها إلى الحياة».

الدراسة التي قامت بها نانسي إكتوف، ومجموعة أخرى من الباحثين من جامعة بوسطن ومعهد «دانا فاربر» للسرطان، تابعت 25 من المشاركات، تتراوح أعمارهن بين 20 و50 عاما ينحدرن من جنسيات مختلفة. تم تصويرهن بثلاث إطلالات، كانت الأولى طبيعية من دون ماكياج، والثانية محترفة، والثالثة ساحرة.

وقام مائة وتسع وأربعون شخصا بالغا (من بينهم 61 رجلا) بالحكم على الصور المختلفة بالنظر إليها لثوان معدودات وإصدار حكم سريع، فيما مُنِح 119 شخصا بالغا آخر (من بينهم 30 رجلا) وقتا طويلا للتمعن في الوجوه نفسها. وفيما حصلت النساء اللاتي وضعن ماكياجا بدرجات متباينة تمزج الألوان الهادئة بالصارخة على ردود فعل إيجابية، لم تحصل النساء اللواتي لم يضعن أي ماكياج على أي نسبة تذكر، سواء من الفريق الذي ألقى نظرة سريعة عليها أو الفريق الذي تمعن فيها طويلا.

وعلى الرغم من هذه النتيجة، فإن البعض يرى أنها يجب ألا تكون المقياس الذي يمكن الاعتماد عليه. وتوضح ديبورا رهود، وهي أستاذة قانون بجامعة ستانفورد ومؤلفة كتاب «التحيز للجمال»، أن المظهر غير المنصف يؤثر على مسيرة بعض النساء العاملات، وأنه من المؤسف أنهن يتم تقييمهن على أساس لون أحمر الشفاه أو الماسكارا الذي يضعنه. وتضيف في كتابها «المرأة ليست (معرضا للجمال)، ومن الخطأ الانشغال بهذا الأمر، أو أن يؤدي الحكم على الجمال إلى الحكم على الكفاءة والأداء الوظيفي».

ولا توافق سارة فيكيري، مؤلفة أخرى للدراسة وعالمة في شركة «بروكتر آند غامبل»، ديبورا الرأي، كونها من مناصرات استعمال الماكياج. تقول «هناك أوقات تريد فيها المرأة أن تترك انطباعا قويا لدى الآخر، وهو أمر طبيعي ومن حقها، وكل ما عليها أن تختار الدرجات المناسبة، إذ يمكنها أن تضع أحمر شفاه على أن تزيد من قوته حسب المناسبة، وحتى في المواقف التي تفضل فيها أن تخلف انطباعا بأنها أكثر توازنا وتعاونا يمكنها أن توظف الماكياج لذلك، باختيار درجة هادئة تمنح الوجه الإشراق من دون أن تصرخ».

فمستحضرات التجميل، أو (بالأحرى الماكياج)، يمكن أن تخلف انطباعا بأنك تتمتعين بجاذبية أو لطف أو مصداقية والعكس. وهذا ما يجعل المناصرين لاستعمال الماكياج يرددون أنه يخدم المرأة، لأنها من خلاله تستطيع التحكم في الأمور على العكس من أشياء عديدة أخرى تكون خارج يدها، وإن كانت بوبي براون، صاحبة مستحضرات تجميل تحمل اسمها وتركز على الألوان الترابية والطبيعية، وترى أن التعبير عن النفس يجب أن يكون نابعا من شعور داخلي لا عن كيف يرانا الآخر. ومع ذلك، لا تنكر أن اختيار اللون الخاطئ أو الدرجة غير المناسبة في موقف معين قد يجعل البعض يرى المرأة «غير جديرة بالثقة»، كذلك الأمر بالنسبة للزي إذا كان مصنوعا من نسيج أو تصميم أو ألوان غير مناسبة.

وبعيدا عن الجدل حول ما إذا كان عادلا الحكم على المرأة حسب شكلها ومظهرها عوض الحكم على كفاءتها ومؤهلاتها، لا تختلف العديدات من بنات حواء أن الماكياج بالفعل يعزز الثقة بالنفس ويرفع المعنويات، وهي حقيقة تؤكدها أرقام المبيعات، فمبيعات أحمر الشفاه مثلا لا تتراجع في كل الأوقات، بل وحتى في أوقات الأزمات والحروب ترتفع. فبعد أحداث 9/11، مثلا، ارتفعت مبيعاته، وخلال حرب العالمية كان يطلب من شركات التجميل التبرع به للنساء للرفع من معنوياتهن.