المنازل المنتجة للطاقة.. المشروع الصعب في ولاية تكساس

مساكن صغيرة تقدم حلولا بيئية واجتماعية كبيرة

TT

تستأجر ميني تشابا، البالغة من العمر 75 عاما، منزلا بتصميم بسيط يعتمد على عدد محدود من قطع الأثاث ويتكون من ثلاث غرف نوم، تقول إن أصدقاءها القاطنين بشارع هاسكيل، حيث قضت نحو خمسين عاما، يسألونها دوما «هل تعيشين هناك في تلك المنازل التي تشبه علب الكبريت؟». ورغم أن التشبيه قاس، فإنه دقيق، فالمنازل، حيث تعيش، صغيرة بحسب المقاييس الأميركية، تتراوح مساحتها بين 1030 و1816 قدما مربعا، فيما يعتمد طرازها المعماري على الخطوط المستقيمة، وما يشفع لها أسطحها المتطلعة نحو السماء والتي صممت بزاوية تسمح بتحويل أشعة الشمس إلى طاقة كهربائية ومياه الأمطار باتجاه براميل.

ويدخل هذا النمط من المنازل ضمن مشروع يعرف باسم «الحياة القائمة على الحلول»، في محاولة طموحة لتغيير التقاليد الأميركية لشكل الأحياء. وهو مشروع يتشارك فيه كل من كريس كراغر، المهندس المعماري البالغ من العمر 43 عاما وهو أيضا رئيس شركة «كيه آر دي بي»، وراسيل بيكر، المهندس المدني البالغ من العمر 47 عاما والمدير العام وصاحب شركة «بيك ريت آند سانز لميتيد» للإنشاءات. والفكرة من مشروعهما السكني هذا أن يكون من النوع المستدام من حيث التصميم والمواد، فهو يهدف إلى إنتاج الطاقة من خلال تجهيزه بألواح شمسية وآبار جيوحرارية، على أمل أن تسهم هذه المساكن الصغيرة في تقديم حلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية.

وينظر كراغر إلى جوزيف إيشلر، المبدع في مجال التنمية العقارية خلال فترة ما بعد الحرب في كاليفورنيا، باعتباره قدوة يحتذى بها، إضافة إلى الأحياء التي بناها المؤمنون بحركة «نيو أوربانيسم» أو «العمران الجديد» خلال فترة الثمانينات. لكن تبدو رؤيته المعمارية العصرية المنقحة مع اهتمامه بالقضايا الاجتماعية فريدة وتلائم عصرنا، ويبدو أنها لقيت قبولا لدى الشباب. ومع ذلك فإن مشروعه، الذي يدخل في إطار خطة للمدينة تعود لعام 1928، لم يحقق الهدف منه لحد الآن، رغم أن بناء طريق بين الشمال والجنوب في عام 1962 أدى إلى هجرة سكان الأحياء الجنوبية نحو الشرق، وارتفاع تعداد السكان لعام 2010 في المنطقة بنسبة 40 في المائة، أغلبهم كانوا من البيض. لكن منذ عشر سنوات دفعت زيادة الضرائب العقارية إلى مغادرة أصحاب المنازل المنطقة.

حينها أصبح كراغر، الحاصل على شهادة عليا في إدارة الأعمال من جامعة ولاية ميتشغان ويدير شركة رهن عقاري في شيكاغو، مهندسا معماريا، وبدأ يشتري الأراضي ذات المساحات الصغيرة ليشيد عليها منازل عصرية من تصميمه وبأسعار تناسب الشباب. البداية كانت في إيست أوستن، المنطقة التي تعيش فيها ميني تشابا، وهو ما يجعله جزءا من المشكلة التي تعرفها المنطقة. فقد دفع 15 ألف دولار مقابل أول قطعة أرض في إيست أوستن، ويصل سعر الأراضي في هذا الشارع حاليا إلى 150 ألف دولار. بعد ذلك بدأ يتطلع إلى أراض أبعد. وعندما وجد مزرعة شجر بلوط أدنى طريق مطار أوستن بيرغستورم الدولي، اشتراها هو وبيكر عام 2007 مقابل 700 ألف دولار وبدأ العمل في بناء 40 منزلا. يشرح كراغر «لقد اكتشفت حينها أننا نستطيع أن نصب كل اهتمامنا كشركة تصميم على مشروع نموذجي، نختبر فيه مدى قابلية القيام بهذا المشروع على نطاق أكبر لا يتضمن فقط بناء منازل صديقة للبيئة، بل يكون سعرها أيضا معقولا اقتصاديا واجتماعيا».

مع الوقت، تبين لهما أن الأمر أصعب مما توقعا، فقد قضى الاثنان ستة أشهر في تحديد سعر النوافذ الحرارية الفاعلة والعزل بطبقات الفوم والأجهزة التي تنتج ضمن مشروع «إينرجي ستار» ومضخات الحرارة الاقتصادية التي تستخدم لأغراض التسخين والتبريد، كذلك استخدام أنواع طلاء لا تلوث الجو وخزانات لا تنبعث منها مادة الفورمالدهايد.

ووصل كل منزل إلى المستوى الأمثل للحفاظ على البيئة، وجاءت التصميمات مطابقة لشروط وزارة الطاقة الفيدرالية ومنها خفض الطاقة المستهلكة بنسبة 55 في المائة عن المنازل التقليدية. لكن تزامن كل هذا مع الأزمة الاقتصادية عام 2008 أدى إلى توقف التمويل، وبات من المستحيل حفر آبار جيوحرارية لكل منزل.

كان يتمنى كراغر أن يدخل تقنية تحويل أشعة الشمس إلى طاقة كهربائية، لكنه اكتشف عدم قدرة المشترين أو رغبتهم في تحمل هذه التكلفة التي تبلغ 24 ألف دولار. ولم يعد كراغر، الذي كان يكلفه المشروع مبلغا يتراوح بين 8 و9 ملايين دولار، في موقف يسمح له بالمجادلة، وبالتالي لم تعد الطاقة الشمسية إجبارية بالنسبة إلى منازل هذا المشروع، التي بيع منها 11 منزلا بعد الحصول على تخفيض ضريبي عليها من الحكومة الفيدرالية، بينما لم ينته بناء 13.

ورغم أن هذه المنازل لا تصل إلى مستوى المنازل التي تنتج الطاقة التي تستهلكها، فإن هذه الرؤية المثالية سليمة إلى حد بعيد، حيث خصص نحو نصف تلك المنازل للمستأجرين والمشترين محدودي الدخل. وقبل انفجار فقاعة العقارات، وضع كراغر خطة مع مارك رودجرز، المدير التنفيذي لمؤسسة «غوادلوب نيبورهود ديفيلوبمنت كوربوريشن» لبيع 16 منزلا من 40 إلى المؤسسة.

في المقابل، باعت المجموعة 8 منازل بسعر مدعم للمشترين محدودي الدخل، الذين يستطيعون شراء منزل قيمته تزيد على 200 ألف دولار بنصف السعر، وتم تأجير المنازل الثمانية الأخرى لأشخاص مثل تشابا مقابل 600 دولار شهريا.

وأكد كراغر أن الهدف من ذلك هو الاستدامة الاقتصادية، لكن كونه باع أكثر من ثلث الوحدات أقنع المصرف الذي يتعامل معه بجدوى مشروعه رغم أزمة الإسكان. وتمكن كراغر من إدخال نظام الطاقة الشمسية في كل المنازل بفضل الـ16 منزلا المدعمة، حيث كان يوجد في كل منها نظام لتحويل أشعة الشمس إلى طاقة كهربائية رغم أن ميزانية «غوادلوب» لم تكن تسمح بإنتاج كمية من الطاقة تكفي. كانت قطع الأراضي صغيرة مما جعل الاستفادة من كل جزء من المساحة أمرا ضروريا، وهو ما يطلق عليه كراغر «المساحة الخارجية الجيدة» والتي تتشكل من منازل تتخذ شكل حرف «U» وأخرى تتخذ شكل حرف «H» إزاء باحات خضراء، حيث يضع السكان الشوايات والمناضد والأراجيح الشبكية. وعلى عكس التجمعات السكنية في «كروس رود» التي تتمتع بمرأب يتسع لسيارتين وواجهات ملونة، فإن المنازل هنا يغلب عليها اللون البيج المائل إلى الرمادي وتبدو مثل مدينة مستقبلية بفضل الإضاءة. ولا تزال توجد بالتجمع منازل تعود إلى فترة الثلاثينات، تولى طلبة من جامعة تكساس تجديدها. ورغم أن كراغر لم ينجح تماما في بناء تجمع مكتف ذاتيا من الطاقة، فإنه أخرج إلى حيز الوجود نوعا جديدا من الضواحي. من أوضح الملامح فيها شكل وموضع النوافذ المستطيلة وسط الجدار، مما يسمح بالاستفادة من ضوء الشمس بشكل جيد، والحد في الوقت ذاته من الحرارة الناتجة عنها إلى أدنى مستوى ممكن.

وجد باري وماكنون، اللذان انتقلا للسكن هنا في أبريل (نيسان) عام 2010، هذا التجمع السكني مصادفة. يقول ماكنون «لقد وقعنا في غرامه بمجرد رؤيتنا للتصميم». ورغم أن المساحات الخضراء المحيطة تعد عامل جذب، فإن الزوجين لم يدخلا الألواح الشمسية إلى منزلهما إلا العام الماضي. وقالت باري «لقد تمت إعادة جزء من المبالغ التي دفعت لشراء منازل في المدينة الصيف الحالي، وكانت فاتورة الكهرباء الشهرية خلال العام الحالي بقيمة 13 دولارا، لأنه حتى هذه اللحظة هناك منزل واحد فقط ينتج الطاقة التي يستهلكها بالكامل».

هذا المنزل يملكه كل من بيت بروبيكر وزوجته إيرين سواني، فهما الوحيدان اللذان دفعا المبلغ اللازم لتركيب بئر جيوحرارية ونظام متطور لمراقبة وتحليل استهلاك للطاقة، وكانت التكلفة 10 آلاف دولار. وأوضح بروبيكر أن المنازل في هذا التجمع السكني لن تصل إلى مستوى إنتاج الطاقة التي تستهلكها إذا ما ظل الأمر اختياريا.

استكشف كراغر وبيكر فرص التنمية العقارية في مدينتي ألبوكيركي وفورت وورث، لكن تبدو أوستن مكانا طبيعيا لتدشين رؤيتهما، بفضل الأهداف البيئية للمدينة، ومنها شرط أن تصل كل المنازل الجديدة في المنطقة إلى مستوى إنتاج ما تستهلكه من طاقة بالكامل بحلول عام 2015، أو أن تكون أكثر فاعلية من حيث الطاقة بنسبة تزيد على المنازل التي بنيت منذ عام 2006 بنحو 65 في المائة. كذلك أقر المجلس المحلي للمدينة خططا لزيادة الكثافة السكانية في وسط المدينة تتضمن فرض رسوم على شركات التنمية العقارية التي تشيد أبراجا سكنية تتجاوز الارتفاع المسموح به. ومن المقرر أن يتم استخدام هذه الرسوم في بناء منازل تكون أسعارها معقولة على أطراف المدينة. وأشار لوشا أثينز، مسؤول الاستدامة في المدينة، إلى تبني نموذج ضاحية صديقة للبيئة نظرا لانتشار السيارات في ولاية تكساس وعدم رغبة الجميع في الإقامة بوسط المدينة. وأكد أن هذا النموذج لن ينشر بالقوة وسيبدو مألوفا. على أي حال، لم يتبق لكراغر وبيكر سوى منزل واحد، بعيدا عن حقيقة أن عليهم تسديد قرض لمصرف قيمته 1.2 مليون دولار دفع لتأسيس البنية التحتية، مثل الصرف الصحي والمياه، مما يعني أنهم تعدوا المرحلة الصعبة وفي انتظار جني الأرباح. والآن تزداد رغبة المقرضين في مساعدتهم في بناء منازل مميزة لا تعرض للبيع قبل الانتهاء من تشييدها. ويعتقد كراغر أن بيع تلك المنازل سيكون أسرع من بيع المنازل التي يُعرض تصور لها على أجهزة الكومبيوتر، مما يجعل من المرجح إتمام مشروع «الحياة القائمة على الحلول» في نهاية العام المقبل. وربما يصل التجمع السكني إلى مستوى إنتاج الطاقة التي يستهلكها بعد صدور قانون خاص بتوليد الطاقة محليا، لكن حتى هذه اللحظة أبلى مبتكرو المشروع حسنا، فهم على الأقل تمكنوا من الصمود.

* خدمة «نيويورك تايمز»