نضج مصمموها ونضجت لمساتهم وسهل قطافها

أسبوع لندن لخريف وشتاء 2012-2013.. بالأسود والذهبي والأحمر

TT

قد تختلف التصاميم والأساليب، لكن هناك شبه إجماع بين مصممي لندن على الألوان. فمعظمهم أرسلوا رسالة واضحة أن الأسود سيسود في موسم الخريف والشتاء المقبلين إلى جانب الألوان المعدنية مثل الذهبي والفضي مع نفحات من الأحمر. ورغم أن بوادر هذه الموضة ظهرت في نيويورك منذ أكثر من أسبوع، فإنها في لندن اكتسبت بعدا مختلفا بفضل الأشكال اللافتة التي تعتمد على الأحجام الكبيرة والمستديرة، في ما يتعلق بالأسود بشكل خاص. أحجام تخفي معالم الجسم من دون أن تخفي جماليات الإطلالة، وليس أدل على هذا من عرض جون روشا الذي غلبت عليه هذه التصاميم الهندسية. الأسود كان هو البطل إلى جانب هذه الأحجام بينما تنوعت التصاميم وأنواع الأقمشة. جون روشا الذي كان إلى الأمس القريب يخاطب ذائقة معينة، أغلبها إن صح القول آسيوية، أدخل بهارات جديدة جعلت هذه التشكيلة أكثر إبداعا وشبابية، بأشكالها المقببة حينا والمنحوتة حينا آخر. كان هناك الكثير من الدانتيل والجلود والحرير والصوف المحبوك بشتى التقنيات، وفي الكثير من الأحيان مزج أكثر من نوع في القطعة الواحدة، لتبدو وكأنها «باتشوورك».

حتى المصمم الشاب هنري هولاند، الذي يتحفنا في كل موسم بأزياء شبابية شقية وألوان متوهجة، مال هذا الموسم إلى ألوان قاتمة أو مطفية نوعا ما على غير عادته. نعم كانت هنا مجموعة بألوان الأحمر أو الأزرق أو الأصفر لكنها كانت الاستثناء وقليلة العدد. وتفسيره كما قال قبل بدء عرضه: «إننا ننضج.. إنها عملية نمر بها جميعا كفريق عمل وكأشخاص، وهو ما تجسد بوضوح في عملي.. لقد أصبح أرقى وأكثر ترفا». وبالنظر إلى الصفوف الأمامية، تشعر أنه محق في رأيه، وأنه قرأ الأوضاع جيدا، من خلال أسلوب زبوناته اللواتي اكتشفن أن للعمر أحكاما، شئن أم أبين. فبيكسي غيلدوف والعارضة أليكسا تشانغ من فتيات المجتمع ظهرتا أكثر نضجا وهما تنتظران عرضه، الأولى بشعرها المرفوع إلى أعلى على شكل «شينينون» والثانية باتت تأخذ دورها كسفيرة لأسبوع الموضة اللندني بجدية انعكست على أزيائها التي اكتسبت أناقة تجمع بين شقاوة الأسلوب اللندني وبين رزانة أيقونة. هذه الشريحة من الزبونات التي يتوجه لها وكن يقبلن على «تي-شيرتاته» التي تحمل رسائل مثيرة على الصدر بالبنط العريض وبألوان متوهجة، أصبحت تميل إلى أزياء مفصلة وأكثر رقيا، وهذا ما قدمه لهن رفيق دربهن. فأي واحدة منهن ستعشق معطفا باللون الأزرق مع تنورة بنفس اللون، أو فستانا بالأزرق النيلي ناعما مطرزا من الأمام وآخر بالأحمر من الجلد وهلم جرا. ومع ذلك فإن جنوحه للمثير لم يختف تماما، وتسلل من خلال لمسات خفيفة هنا وهناك، كما في بنطلونات ضيقة جدا تتسع من أسفل بشكل يستحضر حقبة السبعينات، ولن يجد طريقه بسهولة إلى خزانات الأنيقات.

في فندق الـ«سافوي» قدمت دار «أكواسكوتم».. الدار التي يملكها هارولد تيلمان، الرئيس التنفيذي لمنظمة الموضة اللندنية، قدمت المصممة جوانا سايكس اقتراحاتها لخريف وشتاء 2012-2013، ويا لها من اقتراحات أنيقة وعملية في الوقت ذاته. كان هناك العديد من النجوم في الصفوف الأمامية، لكن بمجرد أن بدأ العرض سرقت الأزياء الأضواء منها. فالدار التي تشهد تجديدات ومحاولات لضخ حيوية جديدة فيها، نجحت تماما في ذلك بفضل المصممة جوانا سايكس، التي كانت هذه رابع تشكيلة لها للدار.. فيها عادت إلى الستينات وأخذت منها أحذية عالية الرقبة (بوتات) من الجلد وفساتين ناعمة من دون أكمام نسقتها بقفازات تغطي الكوع. قدمت أيضا فساتين تبرز جماليات الجسم بتحديد الخصر، وأخرى تكشف جزءا من الظهر، ولم تنس أن تجدد المعطف المفصل، القطعة التي تعتبر ماركة الدار المسجلة، فأضافت إليه الجلد من الحواشي وأكتاف جريئة. ولم تكتف بتقديمه بلون واحد، بل جاء بالأزرق والرمادي والكريم والأخضر الزيتوني أيضا، كما لم تكتف فيه بتصميم واحد.

المصممة البرازيلية الأصل دانييلا هيلايل، صاحبة «إيسا»، الدار التي أصبحت على لسان الكل بعد ظهور كيت ميدلتون بفستان أزرق من تصميمها في يوم خطبتها للأمير ويليام، أكدت أنها يمكن أن تقدم أكثر من فساتين من الجيرسيه لكل الأوقات والمناسبات. وكأنها أرادت أن تتنصل من ارتباطها بذلك الفستان الأزرق، كان أغلب ما قدمته عبارة عن فساتين مثيرة لن تجدها دوقة كامبردج مناسبة في دورها الحالي، مثل فستان أحمر طويل بياقة عالية من الأمام وظهر مفتوح. لكن المصممة قدمت أيضا ما تتقنه جيدا مثل فساتين الجيرسيه التي تعانق الجسم وتلفه بعدد قليل، إلى جانب الكثير من القطع المنفصلة التي يمكن تنسيقها بسهولة. أعطت تشكيلتها عنوان رحلة إلى موسكو وبكين، حيث الأشكال والألوان والنقوشات التي تستحضر الدمى الروسية، فضلا عن التطريزات التي تمثل التنين وقفاطين وإيشاربات استعملتها كأغطية رأس. في عرضها أيضا تشعر بإيحاءات من السبعينات، مثل البنطلونات المطرزة، وإن زارت العشرينات أيضا من خلال الأقمشة المقصبة وتفاصيل الآرت ديكو. كان هذا التنوع مثيرا وجعل العرض يمر سريعا، لكنه أيضا أكد أن دانييلا أقوى في تصميم الفساتين سواء كانت بنقوشات أو بلون واحد، من الجيرسيه أو من الحرير، منسدلة أو على شكل كيمونو.

أليس تامبرلي مصممة أخرى لبست لها دوقة كامبردج وأختها بيبا أكثر من مرة، وفي مناسبات مهمة، وهي الأخرى اختارت أن تغوص في التاريخ لكن بأسلوب مختلف تماما عن «إيسا»؟!.. فقد اختارت ألا تذهب بعيدا وأن تغوص في التاريخ البريطاني القديم بزيارة إلى عهد التيودور، بكل جمالياته، وأخذت منه الكثير من الألوان الغنية والنقوشات. ومن هنا رأينا الكثير من الموتيفات التي زينت فساتين بأقمشة مترفة، مثل موتيف على شكل وردة تم تطريزه على مجموعة فساتين من التول، بينما صنعت مجموعة من التنورات والبنطلونات من القماش المقصب بالذهبي وأخرى من المخمل. ولا شك أن تامبرلي استمتعت بتصميم مجموعة من فساتين السهرة المطرزة والمرصعة بالأحجار، جاءت خفيفة من الحرير، مثل فستان أزرق نيلي بدون أكمام وبياقة مبتكرة تبدو مثنية، وآخر باللون الأسود وبطانة بلون ذهبي بفتحات حتى يظهر التبطين ويخلق حركة يتماوج فيها اللونان مع بعض. كانت هناك أيضا معاطف بإيحاءات عسكرية وأزرار ذهبية كبيرة، كلها تخاطب وتتودد لكيت ميدلتون، أو دوقة كامبردج كما أصبحت تعرف حاليا. المصممة ذهبت إلى أبعد من ذلك وأطلقت على فستانين من الدانتيل اسم «كاثرين»، وليس من المستبعد أن نراها بهما في إحدى المناسبات.

المصمم تود لين من جهته، قال إنه لم يستكن لما تعود عليه، وأراد أن يحدث خضة لأسلوبه حتى يرى إلى أي مدى يمكن أن يبدع. قبل عرضه قال: «لقد قدمت بعض الأشياء الجديدة، مثلا أدخلت ألوانا أكثر واستعملت أنواعا جديدة من الأقمشة والتقنيات، وأنا جد قلق من ردود الأفعال، لكني أعتقد أنه إذا لم نجازف فإننا نبقى واقفين مكاننا». بعد متابعة العرض، لا يمكن لأحد أن يتهمه بأنه واقف مكانه لم يتقدم. نعم لا يزال مصرا على استعراض قدراته على التفصيل والإبداع، وهذا من حقه، وكشفت الأزياء عن قدراته كمصمم بارع في نحت التايورات، وعلى مزج الأقمشة المختلفة في الإطلالة الواحدة وبشكل متناغم. كانت هناك الكثير من القطع المنفصلة، بدءا من الجاكيتات والتنورات إلى البنطلونات والأوشحة المصنوعة من الفرو والتي أضفت الكثير من الأناقة المترفة على تشكيلته. دخوله تقنية «الدرابيه» لأول مرة تقريبا تجلت في تنورات واسعة وبعض الفساتين التي أكدت أنه يمكن أن يتحفنا بالكثير من فساتين السهرة لو قرر ذلك، لكنه إلى الآن لا يزال أقوى في مجال التفصيل المحدد. إذا كان هناك مأخذ على العرض فهو الماكياج وتسريحات الشعر.. مرة أخرى اختار تسريحات بكميات كبيرة من الجيل جعلته يبدو بلا حياة، وماكياج باهت جدا. قد تكون الفكرة من وراء ذلك أن نركز على الأزياء، لكن أليست الفكرة أن يبيع لنا الحلم أيضا؟!