«لانفان» تحتفل بـمضي عقد على إنجازات مصممها ألبير ألبيز

الفارس الذي أيقظها من سباتها وحقق لها الأرباح بعد عقود من الركود

المصمم ألبير ألبيز يغني في نهاية عرضه يوم الجمعة الماضي (أ.ب)
TT

«المستقبل ليس ملكنا لكي نراه.. ما سيكون سيكون».. أغنية كلاسيكية شهيرة اكتسبت عذوبة أكبر عندما غناها المصمم ألبير ألبيز في نهاية عرضه يوم الجمعة الماضي. الأغنية كانت تحية لنحو 1000 شخص أتوا ليحتفلوا معه بمرور عشر سنوات على تسلمه مقاليد دار «لانفان» والإنجازات التي تحققت في تلك الفترة. لم يكن صوته رخيما أو حتى واعدا، لكن المفاجأة وطريقته البسيطة في الأداء أذابت القلوب، خصوصا وأن هذه القلوب كانت مستعدة لأن تقع في حبه من جديد، بعد تشكيلة متنوعة وراقية لخص فيها مسيرته في الدار طوال هذه السنوات.

قبل بداية الحفل الكبير كان الحماس على أشده لرؤية كيف سيختزل عشر سنوات من شخصية «لانفان» في عرض واحد ووقت وجيز. كان من المفترض أن يبدأ العرض على الساعة الثامنة والنصف مساء، لكنه لم يبدأ إلا بعد الساعة التاسعة والنصف، ومع ذلك لم يتذمر أحد من الحضور أو من المصورين الذين يبدأون في العادة بالصراخ أو التصفير بعد أي نصف ساعة من التأخير. والسبب أنه عرض «لانفان» من جهة، ومن جهة ثانية ألهي الجميع بتناول قطع ساندويتشات و«فوا غرا» وعصائر بألوان مختلفة إلى جانب التقاط صور المشاهير في الصفوف الأمامية. وبدأ العرض بتقديم المصمم قطع حلويات من نوع لا يصيب بالتخمة، بل العكس، يجعل الجوارح تطلب المزيد. كل قطعة كانت تعطي المرأة قوة وثقة حتى عندما تركز على تضاريس الجسم ولا تحاول إخفاءها أو التمويه عنها، ليؤكد ألبير ألبيز كيف تمر عشر سنوات بسرعة البرق عندما تكون الحياة لذيذة.

لم يعد إلى الأرشيف ليعيد صياغته بطريقة كلاسيكية، بل ركز فقط على مكامن القوة في بعض الكلاسيكيات واستقى منها ما يكفي لبناء تشكيلة عصرية. ولأن قوته هذه تكمن في رسم الخطوط التي تتبع تقاطيع الجسم، فإن اللوحة كانت مفعمة بالأنوثة. افتتح العرض بمجموعة تعانق الجسم، بأقمشة تشبه تلك المستعملة في ملابس الغواصين، أضفت عليه امتلاء ملحوظا، بينما منحته التفاصيل الأخرى بعدا جذابا، مثل الياقات ذات الكشاكش أو المصنوعة من القطن أحيانا والتي تحيط بالعنق لتتدلى من فوق الظهر، مرة بنفس لون الفستان ومرة بلون مختلف. تلتها مجموعات أخرى بعضها من القماش المقصب، البروكار، وبعضها الآخر مرصع بسخاء بأحجار شواروفسكي، إلى جانب مجموعة بنقوش تم تنسيقها مع قفازات بألوان متوهجة. كانت هناك أيضا فساتين باللون الأسود صديق المرأة، ومن الجلد الذي يعتبر خامة ساخنة في الموسمين المقبلين. الإكسسوارات هي الأخرى جاءت لافتة وتليق بأي مناسبة مهمة، بدءا من القلادات الضخمة إلى حقائب اليد الشهية مرورا بالأحذية ذات الكعوب المرصعة بالأحجار. ولأن المصمم صرح في السابق بأنه يفضل فترة ما بعد الحفل على الحفل نفسه، فإنه سرع من إيقاع العرض بأن جعل العارضات يتمايلن بسرعة وهن مزهوات بأنفسهن وبأناقتهن حتى ينتقل بنا إلى ما بعد الحفل. كانت هناك ثقة واعتداد في مشيتهن، استمددنها من الأزياء التي يمكن أن تمنح أية امرأة جرعات عالية من الثقة لجمالها، ألوانا وتصاميم. ألبير على ما يبدو يعرف أن أسهل ما في وظيفته أن يأتي بفكرة جديدة، لكن أصعب ما فيها أن يترجمها بطريقة واقعية تلمس القلب والعقل وتناسب النهار والمساء على حد سواء، لهذا اعتبر هذه الصعوبة بمثابة تحدٍّ لا بد من التغلب عليه، ونجح. لا سيما وأنه يؤمن بأنه من حق المرأة «أن تحلم في الساعة التاسعة صباحا، أو في الساعة العاشرة مساء، مما يحتم أن تكون التصاميم منطقية، عملية وأنيقة»، حسب قوله.

ألبير الذي يعتبر من أهم المصممين حاليا، لم يخرج من أنامله ومعامله إلى الآن تصميم تعرض لانتقادات شديدة، بل العكس تماما، فكل ما يقترحه تهلل له أوساط الموضة وتلتقطه الأنيقات في كل أنحاء العالم بسعادة. مع الوقت أصبح هو و«لانفان» وجهين لعملة واحدة. فالكل يعرف أنه إذا كانت «لانفان» أميرة متوجة في الوقت الحالي فإن الفضل في هذا يعود إليه، فهو الفارس الذي أيقظها من سباتها الطويل.

عودة إلى الأغنية التي غناها في حفله «ما سيكون سيكون»، فمما لا شك أنها لم تكن عفوية أو اعتباطية، بل كانت تعبيرا صادقا عن مشاعره وإشارة إلى مسيرته الفنية التي لم تكن دائما معبدة بالورود. فالتحاقه بدار «لانفان» جاء في وقت صعب من حياته، أغلقت فيه الكثير من الأبواب في وجهه، وكان بمثابة ضربة حظ بكل المقاييس. قبلها عمل مع المصمم الأميركي جيفري بين في نيويورك، الذي تعلم منه تقنية الدرابيه، التي يتقنها وتظهر في معظم عروضه. بعد ذلك عمل مع دار «غي لاروش» في عام 1996 قبل أن يتولى منصب مصمم فني في «إيف سان لوران» في عام 1998. كان الأمر حلما بالنسبة له، لكنه للأسف لم يدُم طويلا، إذ ما إن اشترت مجموعة «غوتشي» الدار في عام 2001 حتى استغنت عنه؛ كون توم فورد مصمم «غوتشي» حينها أراد أن يتولى هو مهمة تصميم الجانب النسائي لـ«إيف سان لوران». انتقل بعد ذلك إلى إيطاليا للعمل مع دار «كريتزيا» الإيطالية، لكنه هنا أيضا لم يستمر أكثر من ثلاثة أشهر بسبب عدم تفاهمه مع مؤسسة الدار، ماريوتشيا مانديلي. في نفس العام، 2001، تغير مستقبله تماما، فهو نفسه لم يكن يتصور، ربما في تلك الفترة، أنه بعد عشر سنوات سيتحول إلى نجم يمكن أن تفتح له كل بيوت الأزياء العالمية أبوابها بإشارة واحدة منه. سر نجاحه هو خليط من فلسفة يتبعها دائما وتتلخص في قوله إنه لا يصمم «لإرضاء محرري الموضة»، بل يصمم «لإرضاء المرأة»، ومن شخصيته القريبة من القلب وموهبته ونظرته الواقعية للأمور، وكلها أمور قد يكون ورثها من والدته التي كانت رسامة. فمنها تعلم الرسم وفهم لغة الألوان ومنها أيضا تعلم كيف يكون واقعيا ومتواضعا في تعامله مع الكل. يوم الجمعة الماضي، مثلا، لم يخصّ البعض فقط بالدعوة لمشاركته حفله، بل جعلها مفتوحة لكل الحضور. أدخلهم عالم «لانفان» في قاعة ضخمة مجاورة لقاعة العرض توسطتها فرقة موسيقية حية وزينت أسقفها ثريات ضخمة أضاءت المكان وانعكست أنوارها على الجدران التي غطيت بالكامل بصور تمثل تصاميمه، بعضها عبارة عن رسومات وبعضها الآخر عبارة عن عارضات وسيدات مجتمع يلبسن تصاميمه في مناسبات مختلفة.

الدار فرنسية والملكية صينية

* تعتبر من أقدم بيوت الأزياء الفرنسية، وتأسست على يد جين لانفان في عام 1915، أما الآن فتمتلكها امرأة صينية اسمها شو لان وانغ، لا تبحث عن الأضواء. وما بين المرأتين، المؤسسة والمالكة الحالية، عقود من المطبات والتغييرات مرت بها الدار قبل أن تنتقل الملكية من فرنسا إلى الصين. بعد وفاة جين وابنتها مارغريت باع أحد أقاربها أسهما من الشركة لبنك ميدلاند، الذي باعها بدوره لشركة تابعة لمجموعة «إل في آم آش». بعد سنوات تم بيعها لشركة «لوريال»، ففي كل هذه الفترات كانت عبئا أكثر منها ربحا. أما كيف وصلت إلى السيدة وانغ في عام 2001، أو بالأحرى كيف فكرت في شرائها، فتشرحه بمنطق بسيط في لقاء نادر لصحيفة «الفايننشيال تايمز»، فتشرحه بقولها إنها كانت تعرف صديقا يحب «لانفان» ويشتري منها كل أزيائه لأكثر من 30 عاما، لهذا فكرت في أنه حتما سيعجب بها لو اشترتها. وهذا ما كان، وضرب الحظ معها عندما اتصل بها ألبير ألبيز، طالبا منها أن تسمح له بأن يلعب دور الفارس الذي يوقظ الأميرة النائمة من سباتها. وبالفعل استيقظت الأميرة وأصبحت من أجمل وأهم بيوت الأزياء العالمية، وفي عهده حققت الدار لأول مرة أرباحا على المستويين الفني والتجاري.

فمبيعاتها ارتفعت في العام الماضي بنسبة 24%، بفضل أسواق الصين وآسيا، لهذا ليس غريبا أن تنتقل الاحتفالية بعشر سنوات على تسلمه مقاليد الدار من باريس إلى بجين في شهر أبريل (نيسان) المقبل. لكن هل تلبس السيدة وانغ تصاميم «لانفان»؟ جوابها كان بالنفي: «لا، فأنا صينية ولا ألبس سوى الأزياء الصينية لكنها بأسلوب (لانفان)».