ثلاثية «غيرلان».. باقة ورد وأخشاب وزعفران

«صحاري الشرق».. عطور دافئة له ولها تعبق بالقوة والرومانسية

TT

قوية، نفاذة، ساحرة ورومانسية، هذه هي الصفات التي تميز عطور الشرق. عنبر ومسك وعود وورد وبخور، خلاصات ارتبطت بهذه المنطقة وتتعالى نغماتها وتصدح في السوق العالمية بشكل لا يمكن تجاهله. فبعد أن فقدت العطور الخاصة خصوصيتها وأصبحت في متناول العامة، فقدت أيضا سحرها لدى العديدين، ممن أصبحوا يطالبون ويبحثون عن عطور جديدة لا تزال تعبق بالتفرد وتثير الإحساس بالتميز. وكان الحل في المكونات الشرقية التي دائما تنجح في ذلك، بدليل نجاح الكثير من العطور المستوحاة من المنطقة والتي استفادت من زيوتها، بخورها وعودها. في بعض الأحيان تكون هذه العطور جريئة في قوتها ومبتكرة في خلطاتها، لكنها لا يمكن إلا أن تخاطب وترا حساسا لدى شريحة معينة. فهي حتى إذا لم تجد صدى في الغرب، فإنها لا يمكن أن تدغدغ حواس الشرقيين. أمر تعرفه دار «غيرلان» منذ أكثر من قرن تقريبا، وتتوارثه جيلا عن جيل، والأهم من هذا أنها لا تزال تتقنه.

ففي عام 1925 ابتكر جاك غيرلان عطر «شاليمار»، الذي كان ثورة في عالم العطور وجسد حينها روح الشرق بامتياز. وكان العطر تعبيرا عن موجة في العشرينات من القرن الماضي ركبها العديد من المبدعين. فالمصمم بول بواريه، مثلا، جسد هذا الاهتمام من خلال الأزياء الغنية بالتطريزات والألوان الصارخة وأمتار سخية من الأقمشة المترفة. ومن جهته، عبر جاك غيرلان عن هذا الانبهار من خلال عطور محبوسة في قوارير مصنوعة من زجاج لاليك وتحبس الأنفاس في الوقت ذاته.

أنف «غيرلان» الحالي، تييري فاسر، يشاطر السيد جاك هذا العشق والاهتمام. ويمكن القول إنه واحد من بين أكثر الخبراء الموجودين في الساحة حاليا، ممن تسحرهم ثقافة المنطقة وتوغلوا في دهاليزها ومتناقضاتها المثيرة. عرف بحسه الفني والتجاري على حد سواء أن الخلاصات النادرة التي تجود بها المنطقة تشهد إقبالا ويمكن أن تكون أساسا لعطور خاصة جدا، للمرأة والرجل، سواء تعلق الأمر بالبخور أو اللبان، أو بورد الطائف، الذي يمكن أن يوازي في قوته وشهرته في صناعة العطر ورد منطقة غراس الفرنسية وياسمينها. وتجدر الإشارة إلى أن هذه كلها مكونات تعتبر، منذ زمن طويل، أساسية في صناعة أي عطر، وما كان يجعل البعض يعزف عنها أو يتخوف منها تلك الصورة التي كانت ترتبط بالعطور الشرقية عموما بأنها نفاذة وقوية جدا، مع أن الحقيقة التي يشير إليها الخبراء تقول العكس. فعطور الشرق يمكن أن تكون أيضا خفيفة ورومانسية على شرط أن تدخل فيها مكونات مترفة وغير رخيصة. ثم إنه كلما كان ثمينا ومترفا فهو لا يحتاج سوى إلى رشات خفيفة منه للحصول على تأثير قوي بمعنى الساحر وليس النفاذ. أكبر مثال على هذا ما أنتجته دار «غيرلان» وخبيرها تييري فاسر مؤخرا: ثلاثة عطور تخاطب الجنسين مستوحاة من الشرق شكلا ومضمونا، وتجمع القوة بالنعومة، والجرأة بالغموض والرومانسية. هذه المرة لم تكتف الدار الفرنسية العريقة بالخلاصات النادرة ومزج البهارات، بل أعطى فاسر العطور الجديدة اسما عربيا «صحاري الشرق» كتبه بالبنط العريض والأنيق على جانب من كل قارورة.

في هذه الثلاثية العطرية قام خبير وأنف الدار تييري فاسر برحلة إلى الشرق غرف فيها من ألوان صحاريه الذهبية وأساطيره المثيرة من دون أن ينسى أن يغذي حواسه بتوابله الدافئة. بالنسبة لهذا الخبير الشاب فإن بداية العطور العالمية كانت من الشرق «ولا وجود للعطور الرائعة من دون الشرق». ومما عزز اهتمامه وعشقه لهذا الجزء من العالم أنه بالتحاقه بالدار الفرنسية العريقة كان لا بد أن يسير على نفس خط السيد جاك غيرلان، عاشق الشرق بلا منازع، وبالتالي كان جزءا من مهمته أن يسير على خطاه ويعيد ترجمة رؤيته باستعمال الأدوات نفسها تقريبا، أو على الأصح المكونات، بدءا من البخور والتوابل والورود، لكن بطريقة عصرية. ومن هنا ولدت مجموعة «صحاري الشرق»، المكونة من ثلاثة عطور تتمتع بنفس الروح لكن لكل واحد شخصية تختلف باختلاف الخلاصات ونسبة البهارات.

وهي عطور أشبه بالحكايات «تتأرجح بين الخيال والواقع، انطلاقا من الصحراء التي تُخضع الناس لقوتها غير المحدودة وجمالها اللامتناهي والمتمرد، إلى الواحات الريفية التي يمكن اعتبارها واحات راحة»، حسب ما شرحته الدار.

الأول هو عطر «روز ناكري دو ديزير» (Rose Nacree Du Desert)، ويغلب عليه شذى وردة فارسية قوية وساحرة، دعمها تييري بخشب العود والزعفران مع رشات من توابل دافئة أخرى لتكون النتيجة مزيجا من الزهر والخشب يخاطب الجنسين.

العطر الثاني هو «إنسانس ميثيك دوريان» (Encens Mythique D’Orient) وقوامه هو عنبر نيوزيلندا تم مزجه هو الآخر بالزعفران والمسك وزهر شجرة البرتقال للتخفيف منه وخلق لمسة انتعاش. وزاد من نسبة الانتعاش لمسة خفيفة من الباتشولي تنبعث من بين ثناياه.

العطر الثالث في هذه السيمفونية الشرقية هو عطر «سونغ دان بوا ديتيه» (Songe D’un Bois D’Ete) ويتكون من خلاصات قوية تجمع ما بين الباتشولي وخشب الأرز والمر وباقة من التوابل والأخشاب الثمينة، فضلا عن مواد صمغية وجلود أضفت عليه قوة تجعله يميل إلى الرجولي أكثر.

حقائق عن العطور والشرق

* في عام 2006 أشارت التوقعات إلى أن الشرق الأوسط وبلدان أفريقيا ستصبح من أكبر أسواق العطور في العالم. وفي هذا العام، 2012، تأكدت هذه التوقعات بحيث يقول الخبراء إن سوق العطور في العام تقدر بـ33 مليار دولار أميركي، وتمثل منطقة الشرق الأوسط زبونا مهما فيها.

* في الوقت الذي تفضل فيه الأسواق الآسيوية العطور الزهرية الخفيفة، يفضل المشارقة العطور القوية التي تتكون من زيوت ثمينة مثل العود والعنبر وخشب الصندل، لكن يبدو أن العدوى انتقلت إلى الغرب بدليل كم العطور الشرقية التي يزيد الإقبال عليها في السنوات الأخيرة.