أهلا بالعيد والجديد

عالم الصغار.. صناعة قابلة للاستثمار

TT

«التصميم للصغار متعة بلا حدود.. لقد عشنا تجربة إبداعية مثيرة حققنا فيها حلما ومشروعا في الوقت ذاته»، هذا ما قاله ستيفانو غابانا، أحد مؤسسي «دولتشي آند غابانا»، عن خط الأطفال الذي أطلقته الدار حديثا.

وينفي غابانا أن تكون الفكرة الغرض منها تقليد أزياء الكبار من دون وضع لمسات تناسب الصغار وتأخذ بعين الاعتبار الراحة وحرية الحركة. لكنه يشير إلى أن فكرة منح الصغار فرصة اللعب بالأزياء وكأنهم كبار كانت بنفس الأهمية بالنسبة له ولشريكه دومينيكو دولتشي «فهي لعبة يعشقونها ويلعبونها دائما.. تصورنا فيها مجموعة أطفال وهم يجربون أزياء آبائهم وأمهاتهم، ولسعادتهم يكتشفون أنها على مقاسهم.. فقد حرصنا على أن تكون مقاييسها مناسبة، وأسلوبها متماشيا مع خطوط الموضة العصرية». وأضاف «لقد وضعنا في ذلك كل جهدنا وكل الجينات الوراثية التي يعرفها زبائننا الكبار من دانتيل وبروكار وكشمير ونقوشات النمر اللصيقة بالدار منذ تأسيسها، لأننا أردناها أن تكون أنيقة وتخاطب أطفالا يريدون أن يتشبهوا بآبائهم وأمهاتهم».

الجدير بالذكر أن إطلاق هذا الخط جاء بعد أن قدم الثنائي الإيطالي في العام الماضي آخر تشكيلة من خطهما الأرخص «دي آند جي» على الرغم من نجاحه التجاري والفني. وكان تبرير المصممان حينها أنهما لا يريدان تشتيت جهدهما الذي أراداه أن يصب بالكامل في خطهما المترف «دولتشي آند غابانا» وخط الأطفال الجديد.

ما لم يقله المصممان أن الخطوة محسوبة، من الناحية التجارية والتسويقية، لأن سوق أزياء الصغار أصبحت تنافس قطاع أزياء الكبار، وتتفوق عليه في بعض الأحيان. ما انتبهت له دار «دولتشي آند غابانا» وغيرها من بيوت الأزياء أن أسرع وأضمن طريق إلى جيوب الآباء هو أطفالهم. فهم مكمن ضعفهم وقوتهم، وقد يقتصدون في بعض التفاصيل والأشياء، لكن عندما يتعلق الأمر بهم، فإنهم لا يقبلون المساومة، ولا شيء يغلى عليهم. بالإضافة إلى هذا فإنهم طريقة جيدة للحفاظ على زبائنهم واستقطاب زبائن جدد. كل هذا أصبح المصممون يعرفونه جيدا ويستغلونه بطريقة ذكية وفنية خصوصا أن أرقام المبيعات تؤكد يوما عن يوم أن أرباح صناعة أزياء الصغار مضمونة أكثر من أزياء الرجال والنساء. لهذا كان من البديهي أن يصبح لمعظم بيوت الأزياء الكبيرة، إن لم نقل كلها، خط خاص بالصغار. قد يقول البعض إن الأمر ليس جديدا، وإن دار «ديور» قدمت خطا أطلقت عليه «بيبي ديور»، في عام 1967. وقبل ذلك التاريخ كانت تصمم أزياء حسب الطلب للمشاهير الذين كانوا يريدون لأطفالهم أزياء مميزة أقرب إلى ما يلبسونه وتعكس مكانتهم وذوقهم، مثل الراحلة إليزابيث تايلور، التي طلبت من «ديور» بدلات مصنوعة من قماش التويد لها ولابنتها الصغيرة ليزا. والجواب على هؤلاء أن هذه العملية كانت حكرا على فئة معينة من الناس، أي كانت نخبوية، بينما هي الآن أكثر ديمقراطية، وتخاطب الكل ما داموا قادرين على دفع أسعارها. ثم إن التصاميم كانت مختلفة تماما عما هي عليه الآن. ففي السابق كانت تبالغ في اللعب على مفهوم الطفولة من خلال الشرائط والدانتيل والتطريزات وألوان الوردي والأزرق السماوي، أما اليوم فهي نسخ مصغرة عن أزياء الكبار حيث تأتي بألوان متنوعة ونقوشات جريئة. وتكللت العملية بالنجاح وبزيادة في الأرباح، لأنها لم تعد تمس وترا حساسا لدى الأمهات فحسب بل تخاطب أيضا الأطفال الذي يريدون أن يتشبهوا بالكبار.

مبيعات دار «بربيري» البريطانية من الملابس الخاصة بالأطفال وحدها سجلت زيادة تقدر بـ23 في المائة عن العام الماضي، علما بأن معظم متاجر الأطفال الـ12 القائمة بذاتها التابعة لشركة «بربيري» توجد في آسيا والشرق الأوسط. كما سجلت مبيعات«لانفان»، و«غوتشي»، و«ستيلا ماكرتني» و«أوسكار دي لا رونتا»، و«جون بول غوتييه»، و«مارك جاكوبس»، و«روبرتو كافالي»، و«ميسوني» و«جيورجيو أرماني»، وغيرها من الأسماء التي اقتحمت هذه المجال، ارتفاعا شجع آخرين على دخوله. ولأن افتتاح محلات خاصة بالأطفال والإعلانات في المجلات المتخصصة ليس كافيا لكي تصبح صناعة قائمة بذاتها، كان لا بد من تنظيم عروض أزياء مهمة، لعل أبرزها عرض «بيتي بيمبو» المقام سنويا في مدينة فلورنسا. فهو من المعارض التي يتابعها صناع الموضة منذ عقود باهتمام، لا سيما المتاجر الكبيرة، لأنهم يستلهمون منها توجهات الموضة للمواسم القادمة، فيما يعمد البعض منهم إلى تقليدها واستنساخها بهدف طرحها لمن ليست لهم الإمكانيات العالية. في الغالب يكون التقليد جيدا في ما يخص الألوان والنقوشات والتصميم، فيما تكون نوعية الأقمشة هي الاستثناء والحلقة الأضعف في العملية، لأنها تكون أقل جودة. «بيتي بيمبو» أيضا المسرح الذي تستعرض فيها الشركات المتخصصة في هذا المجال مثل «سيمونيتا» جديدها إلى جانب بيوت أزياء معروفة مثل «بلومارين» و«فندي» و«كالفن كلاين» وغيرها ممن يحرصون على التودد إلى الصغار للوصول إلى قلوب الكبار.

الثنائي الإيطالي «دولتشي آند غابانا» مثلا، قدما نحو 1.300 قطعة متنوعة تخاطب كل احتياجات رضيع حديث الولادة أو طفل في العاشرة من العمر، في رغبة واضحة لسد الأبواب على الآخرين. وبالنظر إلى ما جادت به قريحتهما ومقصاتهما، فإن التشكيلة تحمل كل بصماتهما المثيرة، وترجمتهما لجينات الدار الوراثية في أزياء تخاطب الطفولة أكدت أنهما يفهمان سوقهما، أو ربما فقط أطلقا العنان للأبوة الموؤودة بداخلهما. يقول دومينكو دولتشي إنه وستيفانو غابانا استلهما كل ما في هذه القطع من خطهما الخاص بالكبار لربيع وصيف 2012 «ففي هذا الأخير عدنا إلى جذورنا وإلى جيناتنا الإيطالية المتوسطية. وعندما قررنا إغلاق خط (دي آند جي) ومزجه مع (دولتشي آند غابانا)، قررنا أيضا طرح خط للصغار لأول مرة. التشكيلة تستلهم الكثير من أزياء الكبار من حيث التصميم والدقة وحتى استعمال نفس الأقمشة التي نستعملها للكبار. للإناث استعملنا مثلا الكثير من الحرير والبروكار والموسلين والكشمير، والدانتيل والتويد، وبالنسبة للتبطين استعملنا حرير الكريب. ولم ننس النقوشات التي ارتبطت بالدار أو الإكسسوارات، فهناك حقيبة مثلا للصغيرات تحاكي حقيبة (سيسيلي) الأيقونية. وبالنسبة للذكور، فهناك الكثير من المخمل والخطوط المقلمة والتويد والدينم والصوف والبروكار». ومع ذلك فإن الخط ليس بعيدا عن عالم الصغار، لأنه وبحسب ما قاله ستيفانو غابانا، مستلهم من الأطفال وهم يلعبون في الشوارع، ومن طفولته في جزيرة صقلية، كذلك من أطفال الأهل والأقرباء «فأنا، مثلا، أقضي أوقاتا كثيرة مع أطفال العائلة، ولأني أحبهم كنت أتصورهم دائما بأزياء من تصميمنا».

وإذا كانت العملية تجارية مربحة للمصممين وتغذي رغبة الآباء والأمهات في أن تكون الصورة العائلية متكاملة وجذابة، فإن هناك عنصرا مهما لا يمكن تجاهله، وهو أهمية الأزياء عموما في منح صاحبها الثقة بالنفس. أمر ينطبق على الكبار كما على الصغار. فارتداء ملابس على الموضة يخلق ما يشبه «طبقة واقية» حول الطفل، خصوصا عندما يحاول فرض نفسه على بيئة جديدة والانتماء إليها. شعوره بالثقة والراحة في ما يلبسه، يساعده على المواجهة، كما يجعل تقبل الآخر له واحتضانه ضمن الشلة أسهل.

وتذهب إيرما زاندل، وهي خبيرة أزياء ومديرة مؤسسة متخصصة في تحليل اتجاهات الموضة بمانهاتن، إلى أكثر من ذلك، حيث تقول إنه «في الوقت الذي لا يحتاج فيه الأطفال الذي يتمتعون بالوسامة والرشاقة والشخصية الجريئة إلى ماركات عالمية، فإن الأطفال الذين لم تنعم عليهم الطبيعة بهذه المواصفات يحتاجون أكثر من غيرهم إلى أزياء على الموضة لتعزيز ثقتهم بأنفسهم».

* صناعة أزياء الصغار تشهد في هذا الوقت من كل سنة انتعاشا كبيرا. فالاحتفالات بالعيد الذي تشهده العديد من البلدان الإسلامية من جهة، وقرب الدخول المدرسي من جهة ثانية، من المناسبات التي يعتبر فيها شراء هدايا للصغار وملابس جديدة لهم من الطقوس التي لا بد منها. ولحسن الحظ أن الخيارات كثيرة تلبي كل الأذواق والأساليب، وليس أدل على هذا من الاقتراحات التي جاد بها المصممون خلال معرض «بيتي بيمبو» لصيف 2012.. فقد أطلت منه عدة توجهات تؤكد أن التنوع لا يزال عملة سارية، ومنها:

* كانت هناك «شورتات» تغطي الركبة أو تلامسها لكن بتصميم مستقيم، الأمر الذي يجعلها أكثر مرونة من الـ«شورتات» العادية القصيرة أو الفضفاضة. فالتصاميم الجديدة يمكن ارتداؤها مع «تيشيرت» للنزهات والبحر أو مع سترة مفصلة لمظهر مرتب أكثر في الأيام التي ترتفع فيها درجات الحرارة ويصبح فيها البنطلون عبئا يخنق مسام الجلد.

* قماش الدينم ظهر مرة أخرى في قمصان وبنطلونات، لكن أجمل ما فيه أنه من الوزن الخفيف وبألوان متنوعة.

* جاكيتات على شكل قمصان وقمصان مفتوحة على شكل جاكيتات، مظهر منطلق يمكن أن يعوض عن الـ«بلايزر» في المناسبات التي تحتاج إلى بعض الانطلاق.

* سترة الـ«بلايزر» الضيقة والقصيرة ظهرت في عرض «كالفن كلاين» مثلا، وتم اقتراحها بأشكال كثيرة مرة مع بنطلون جينز وقميص ومرة مع «شورت» و«تيشيرت» ومرة مع بنطلون مستقيم.

* أسلوب البحارة بألوانه التي تستحضر مياه البحر وصفاء السماء، تيمة تتكرر في كل المواسم، لكنها في كل مرة تخضع لتجديدات وتدخل عليها تفاصيل أنيقة. هذه المرة تميزت بخطوط بسيطة وتفصيل دقيق يجعلها من الكلاسيكيات.

* إذا كان هدوء ألوان الباستيل مثل البيج والرمادي والكريم لا يحرك فيك ساكنا، فقد اقترح العديد من المصممين نذكر منهم «سيمونيتا» و«سيلفيان هيتش» و«لانفان»، ألوانا متوهجة ونقوشات متضاربة.