«مارلين مونرو» في معرض «سالفاتوري فيراغامو».. استكشاف لجمالها وتراجيديتها

علاقة النجمة بالدار الإيطالية بدأت بحذاء

مارلين في حذاء «ذي مارلين»
TT

50 عاما مرت على موتها، ولا تزال مارلين مونرو تثير الكثير من الجدل والاهتمام، ولا تزال صورها الأكثر جاذبية وإثارة في العالم. السبب أنها ليست مجرد صور مثيرة تجسدها في أوضاع مختلفة، بل هي لقطات تشهد على فصل معين من حياتها أو تعبر عن حالة مزاجية أو نفسية تمر بها، وهذا ما يحاول معرض «مارلين» في متحف «سالفاتوري فيراغامو» بفلورنسا أن يغوص فيه ويستكشفه.

صحيح أن الكثير من المعارض والاحتفالات أقيمت منذ بداية هذا العام احتفالا بحياتها وإرثها، بالإضافة إلى إعادة فتح ملف مصرعها الذي لا يزال ملفوفا بالغموض، إلا أن معرض «سالفاتوري فيراغامو» الذي افتتح في شهر يونيو (حزيران) الماضي وسيمتد إلى شهر يناير (كانون الثاني) المقبل، تبقى له خصوصية، لأنه يسلط الضوء على جوانب كثيرة من حياتها ويحاول الغوص في شخصيتها بالصور، إلى جانب تسليطه الضوء على علاقتها بالدار. علاقة يجسدها حذاء بتصميم واحد وألوان متعددة يظهر في معظم صورها تقريبا، يحمل اسمها «ذي مارلين» لأنه صمم خصيصا لها. تصميم بسيط صاحبها في كل مناسباتها، إذ ظهرت به حين غنت للجنود الأميركيين في كوريا في عام 1954، وحين غنت للرئيس الراحل جون كيندي في عيد ميلاده أغنيتها الشهيرة «عيد ميلاد سعيد سيدي الرئيس» في عام 1962، العام الذي لقيت فيه حتفها، فضلا عن الكثير من الأفلام والمناسبات. تخرج من المعرض وأنت متأكد من أنها عرفت أهمية الأحذية قبل «كاري برادشو»، الشخصية التي أدت دورها سارة جيسيكا باركر في السلسلة الشهيرة «سكس آند ذي سيتي» والتي أججت أهمية الأحذية العالية وجعلتها موضة تتحدى الألم. المرأة اللعوب، التي تمثل جانبا من جوانب شخصية مارلين مونرو الكثيرة والمعقدة، كما يصورها المعرض، أدركت أهمية الحذاء في إضفاء الأنوثة والإثارة على مشيتها، ويقال إنها كانت تقطع نصف إنش من فردة حذائها حتى تبالغ في هذا التمايل. نعم قد لا تكون أول من عرفت قيمة الحذاء وقدرت دوره وجمالياته، لكنها أول من انتبه إلى قوته كسلاح أنثوي في عصرنا، بدليل أنها صاحبة مقولات مأثورة في هذا الشأن مثل: «أعط الفتاة حذاء مناسبا وسترى أنها يمكن أن تقهر العالم»، و«لا أعرف من ابتكر الكعب العالي، لكن المرأة تدين له بالكثير».

بيد أنه إذا كانت شهرة مانولو بلانيك وكريستيان لوبوتان وجيمي شو، العالمية بدأت مع سارة جيسيكا باركر، أو بالأحرى «كاري برادشو» في السلسلة التلفزيونية الشهيرة، فإن شهرة سلفاتوري فيراغامو لم تبدأ مع ملكة الإغراء، بل قبلها بسنوات. كان ذلك حين قرر دراسة علم تشريح الأقدام وكله آمال أن يتوصل إلى تلك الوصفة السحرية التي تجمع بين الأناقة والراحة في آن واحد. أمر نجح فيه وأكسبه رضا كل نجمات هوليوود ليصبح مصممهم المفضل. مارلين مونرو لم تكن سوى واحدة من بين اللاتي وقعن في غرام تصاميمه على الرغم من أنها لم تقابله شخصيا، إلا أنها كانت الأكثر تأثيرا، منذ أن طلبت منه تصميم حذاء كلاسيكي شبه مثلث من الأمام وبكعب رفيع يصل طوله إلى 4 إنشات، يعرف الآن بـ«ذي مارلين». تصميم بسيط ومثير في آن واحد، شعرت فيه النجمة بأنه يكمل أنوثتها والصورة التي تريد أن تعكسها، فما كان منها إلا أن طلبته بعدة ألوان ليصبح لصيقا بها إلى يومنا هذا.

لكل هذا كان تخصيص معرض يتتبع حياتها الشخصية من خلال الصور والتسجيلات السينمائية والأزياء والإكسسوارات، خطوة طبيعية لـ«سالفاتوري فيراغامو»، للاحتفال بها كأيقونة موضة من جهة، ولتسليط الضوء على حذاء أصبح بدوره أيقونيا. يضم المعرض 80 قطعة أزياء وإكسسوارات، 30 حذاء و50 زيا، كلها قطع يتمنى المقتنون الحصول عليها وبيعت في المزادات بأسعار عالية جدا. نذكر منها الفستان الوردي الشهير الذي ظهرت به في فيلمها الشهير «الرجال يفضلون الشقراوات»، والفستان الأبيض الذي ظهرت به في فيلم «ذي سيفن يير إيتش». بل حتى ذلك الفستان الذي ظهرت به أمام الرئيس جون كيندي وهي تغني متمنية له عيد ميلاد سعيدا، يعرض إلى جانب مجموعة من الفساتين التي تؤكد أنها كانت أيقونة موضة من الوزن الثقيل. ومع ذلك فإن القول إن المعرض يتمحور حول الموضة فحسب، خاطئ، فالزائر إليه سيصاب بالدهشة والانبهار، لأنه أكثر من ذلك بكثير. فهو يعانق كل جوانب شخصية مارلين، من جمالها إلى ذكائها وأنوثتها مرورا بتراجيديتها، من خلال صور فوتوغرافية ولقطات أرشيفية للقاءات صحافية أو مسجلة التقطت لها في مناسبات وأوضاع مختلفة. ولعل ما كتبته منظمة المتحف كريستينا كومانشيني يلخص هذه الفكرة التي ترمي إلى تسليط الضوء على «موهبتها، ثقتها بنفسها، إلى جانب لحظات مفاجئة من اليأس والضعف وعدم الثقة بالنفس والخوف.. وكذلك تسليط الضوء على إنسانة رائعة تعرف قدراتها ومدى قوتها، وفي الوقت ذاته فتاة صغيرة أسيء إليها منذ زمن بعيد».

وبالفعل فإن المعرض يأخذنا في جولة استكشاف لكل هذه الجوانب، فهي مرة فينوس، ومرة أخرى الفتاة الشقية أو الضائعة ومرة المرأة المحنكة والذكية، فيما خصصت قاعتان متجاورتان لأزيائها وإكسسواراتها، ما إن تدخلهما حتى ينتابك شعور بأنها لا تزال حية، وأنه بإمكانك أن تشم رائحتها فيهما. فمعظم الأحذية مستهلكة بشكل كبير يشير إلى أن مارلين استعملتها عدة مرات، وكل قطعة أزياء تذكر بلقطة من فيلم أو بمناسبة حضرتها. أما القاسم المشترك بينها فكونها لا تترك أدنى شك بأنها بالفعل أيقونة موضة تعرف ما يناسب مقاييس جسدها، كما تتميز بالإخلاص بالنظر إلى تصميم الحذاء الذي لا يتغير في أساسياته باستثناء بعض تفاصيله مثل الألوان.

اللافت هنا أيضا ربطها بالفن الإيطالي الكلاسيكي، بتصويرها كفينوس من القرن العشرين. وهذا جانب مثير التقطه أمينا المتحف، ستيفانيا ريتشي وسيرجيو ريزاليتي، ونسجاه من مقولة نطقت بها الراحلة بصوتها العذب الذي يقارب الهمس، في مرة من المرات: «أريد أن أكون فنانة وليس مجرد فتاة إعلانات.. لا أريد أن أباع للناس مثل شريط سينمائي مثير للشهوة». وهذا ما يفسر مجاورة صورها شبه العارية التي تكشف جسدا أنثويا صارخا، لمنحوتات ولوحات فنية لبوتشيلي ودافنشي. من هذه الصور، هناك صورة التقطها لها بيرت ستيرن، قبل مصرعها بأيام، تبدو فيها نصف عارية وضعت بالقرب من لوحة من القرن الثامن عشر تمثل امرأة عارية بنفس تقاطيع الجسم للرسام فرانسوا بوشيه، في دلالة واضحة على أن المعرض يريد أن يخلد صورتها كجمال كلاسيكي أبدي.

وبهذا نجح في أن يقدم ما هو أكثر من مجرد صور في أوضاع مختلفة للنجمة، أو لقطات من أفلام تمثلها في أزياء مثيرة وأحذية تثير اللعاب، بتركيزه على الجانب الإنساني من شخصيتها، وهو جانب لا يخلو من الذكاء وإن كان الغرض منه استجداء إعجاب وحب الآخر. فقد كانت تعرف كيف تبيع صورها للناس بطريقة محسوبة حتى عندما تلعب دور الطفلة الضائعة.

تجدر الإشارة إلى أن المعرض كان ثمرة دراسة وأبحاث طويلة شملت وثائق وصورا وأفلاما ولقطات خاصة من حياة النجمة، من أجل فهمها، ولو قليلا. لكن إذا كنت ستخرج من المعرض وأنت لا تزال تشعر بأن الغموض لا يزال يلف الكثير من جوانب حياتها ومماتها، فإنك حتما ستخرج وأنت مبهور بأناقتها ومتأكد من أنها أيقونة موضة كلاسيكية من الصعب أن يجود الزمن بمثلها مرة أخرى. وهذا ما يجعل المعرض يستحق الزيارة لمحبي هذه النجمة كما لعشاق الموضة. سيمتد إلى يناير 2013 في متحف سالفاتوري فيراغامو Marilyn at the Museo Salvatore Ferragamo, 5 Piazza Santa Trinita, Florence

* «مقاس قدميك يقول لي الكثير عن شخصيتك.. لقد قسمت النساء اللواتي أتعامل معهن إلى ثلاثة أنواع: سندريلا، فينوس والأرستقراطية. فينوس تكون في العادة حسناء، مبهرة ولافتة، لكن تحت بريقها الصادم تكمن شخصية بيتوتية تحب الأشياء البسيطة، ولأن هاتين الصفتين متناقضتان، فإنه دائما ما يساء فهمها ويتم اتهامها بحبها الزائد للترف المادي والسطحية». هذا ما كتبه سالفاتوري فيراغامو في سيرته الذاتية واصفا المرأة التي تتمتع بمقاس حذاء 6. وهو مقاس مارلين مونرو، التي كانت من زبوناته الوفيات على الرغم من أنه لم يقابلها في حياته.