أسبوع باريس.. بين الإبداعات والتغييرات

آن فاليري هاش تتمسك بأسلوبها و«ميزون مارتن مارجيلا» بجيناتها.. وسونيا ريكييل تلغي عرضها

TT

لا يزال أسبوع باريس في نصفه الأول يتحف بالعروض التي يحاول من خلالها كل مصمم أن يضع بصمته ويرسخ مكانته، لا سيما في وقت يتكلم فيه الكل عن الأزمة الاقتصادية وتداعياتها. فالسوق الصينية التي كان يعول عليها لحد الآن بدأت تشهد تراجعا في المبيعات، وغني عن القول إن تأثيرات هذا التراجع ستطال كثيرا منهم؛ إن عاجلا أم آجلا، إذا استمر الوضع على ما هو عليه. وعلى الرغم من أن التغييرات التي تشهدها بعض بيوت الأزياء فيما يخص تغيير مصمميها، ليست نتيجة مباشرة للأزمة، فإنها جزء منها من حيث الرغبة في التوسع في الأسواق الآسيوية، وتكلم لغتها. وليس أدل على هذا من التغييرات التي تشهدها دار «سونيا ريكييل» ودفعتها إلى إلغاء عرضها لهذا الموسم لأول مرة منذ أكثر من 40 عاما. ومع ذلك، فإنك في بعض هذه العروض تنسى أن هناك أزمة بالنظر إلى الألوان المنعشة والتصاميم التي تعمل كمضاد قوي لها.

عرض الفرنسية آن فاليري هاش كان واحدا من هذه العروض، إذ قدمت فيه تصاميم لا شك ستلمس وترا حساسا بداخل كل أنيقة. التشكيلة مكونة من 33 قطعة تفوح من جوانب كل قطعة منها لمسات فرنسية تجمع الأنوثة الناعمة بالعملية والحيوية. تلونت في البداية بدرجات ألوان البشرة تلتها مجموعة بنقوشات تبدو وكأنها لوحات مائية قبل أن تنتقل إلى الأسود لتقدم فساتين وقطعا منفصلة بلمسات المصممة التي لا تخطئها العين وتميل إليها النفس. المثير فيها هذه المرة أكتافها المبتكرة التي تجعل القطعة تنسدل بانسيابية أكبر، وتنورات مستقيمة بخصور عالية أضفت على الجسم طولا ورشاقة، إلى جانب فساتين بفتحات جانبية أو مقصوصة بطريقة مبتكرة أقرب إلى الهندسية من حيث تعرجاتها وأطوالها المتباينة. وطبعا حضرت البنطلونات ذات الطيات عند الخصر التي أصبحت مرتبطة بأسلوب آن فاليري هاش. بعد المجموعة الأولى التي تراقصت فيها الألوان المشعة، مثل المرجاني والوردي والذهبي والأخضر على أقمشة شفافة وأخرى تلمع، أحيانا على جلود تشبه الساتان بخفته ومرونته، أطلت علينا مجموعة بالأسود. كانت أكثر هدوءا وأكثر أناقة بالنسبة للمرأة التي تريد قطعا أقرب إلى الكلاسيكية لكن مطبوعة بالأسلوب الباريسي الذي يجمع الأنوثة الهادئة بالثقة.

من التغييرات التي تشهدها بيوت باريس، التحاق الكندي جيرالدو دا كونسيتشاو بدار «سونيا ريكييل» كمدير فني لها خلفا لأيبريل كريشتون التي لم يدم دورها في الدار أكثر من عام. وحسب العارفين بخبايا الأمور، فإن تغييرات كثيرة تجري وراء الكواليس منذ فترة، مما أثر على عرض هذه السنة، ودفع إلى إلغائه. في المقابل، اقتصرت الدار على تقديم عروض صغيرة وشخصية لوسائل الإعلام والمشترين عبر مواعيد خاصة. وهذا يعني أن أول تشكيلة للمصمم الكندي ستكون لخريف وشتاء 2013 المقبلين.

التشكيلة الموجهة للربيع والصيف المقبلين من تصميم أيبريل كريشتون، أي أنها آخر تشكيلة لها، وربما هذا ما أعطاها الضوء الأخضر لكي تبتعد عن جينات «سونيا ريكييل» وتصوب أنظارها نحو الشرق، وتحديدا اليابان. كانت هناك كثير من الإيحاءات المستقاة من الكيمونو، كما كانت هناك أنواع جديدة من الأقمشة لم تقتصر على الصوف. صحيح أنه لم يغب تماما، بحكم أنه جزء من شخصية الدار وبالتالي لا يمكن أن تدير له ظهرها بالكامل، لكن أقوى القطع كانت من الأقمشة الحديثة والقطن المبطن الذي استعمل في كنزات وفساتين قصيرة. تأثير الكيمونو لم يظهر في الفساتين فحسب بل أيضا في البنطلونات القصيرة المربوطة إلى الجانب.

لم تكن أقوى تشكيلة تقدمها الدار، لكنها كانت مختلفة، وهنا يكمن جمالها، لأنها أعطت ترجمة منعشة لما تعودنا عليه في السابق. ولعل سفرها بعيدا إلى اليابان أبعدها عن أرشيف المؤسسة سونيا، الذي اعتمد طويلا على الصوف والأسلوب الباريسي الذي لا يتغير لما له من شعبية في كثير من الأوساط. لكنه على الرغم من شعبيته هذه، كان يحتاج إلى تطوير ومن ثم توسيع رقعته باتجاه أسواق جديدة. المصممة أيبريل لن تكون المسؤولة عن هذا التوسع، لكنها حتما وضعت حجر الأساس الذي يمكن أن يبني عليه خليفتها، وهذا ما يُعول عليه جون مارك لوبييه، الرئيس التنفيذي في «سونيا ريكييل» حاليا ورئيس مجموعة «فونغ براندز». فقد أعرب عن سعادته بالتحاق المصمم الجديد بالدار الفرنسية، قائلا إنه متأكد أنه قادر على كتابة فصل جديد في تاريخها. تجدر الإشارة إلى أن «سونيا ركييل» أطلقت ماركتها منذ أكثر من 40 عاما، إلى أن تقاعدت بشكل رسمي منذ عام ونصف العام تقريبا، بحكم السن، وبسبب مرض الباركينسون. حينها سلمت المشعل لابنتها ناتالي، التي عينت أيبريل كريشتون، لكن في شهر فبراير (شباط) الماضي بيعت الدار لشركة «فونغ براندز» الاستثمارية في هونغ كونغ فيما احتفظت ريكييل وعائلتها بـ20 في المائة فقط من الأسهم، الأمر الذي يعطيها حقا كبيرا في اتخاذ القرارات المهمة. بيد أن تعيين جيرالدو دا كونسيتشاو يؤكد أن الشركة مهتمة بالدار الفرنسية وجادة في أن تأخذها إلى العالمية بتوسيعها وجعلها أكثر ألقا. فالمصمم الذي كان يعمل حتى الأمس القريب كمدير تصميم الجانب النسائي في «لوي فويتون» سبق له أن عمل في بيوت أزياء مهمة مثل «ميو ميو» و«إيف سان لوران» مما يعد بتشكيلة مثيرة في الموسم المقبل.

«ميزون مارتن مارجيلا» تسبح دائما ضد التيار، وهذا ما يعطيها تميزها ومصداقيتها. فحتى في الأوقات التي كانت فيها بيوت الأزياء تصنع من مصمميها نجوما، تحولوا فيما بعد إلى «فرانكشتانات»، كان لا بد من قص أجنحتهم وتحجيمهم بعض الشيء، لم يرَ أحد إلى الآن ولو صورة واحدة لمؤسس الدار البلجيكي الأصل. البعض يلقبه بالمصمم الشبح، ويرد السبب إلى خجله وعدم رغبته في الأضواء، لكن الطريف أن هذه السياسة سلطت عليه الأضواء أكثر، أو بالأحرى على إبداعاته لقراءة شخصيته ورسم ملامحه من خلالها. طبعا غادر المصمم داره وبقيت أسطورته. الآن يقال إن هناك فريق عمل كاملا هو المسؤول عن تصميم وتوقيع كل ما يخرج من معامل الدار، الأقرب إلى المختبرات، والمؤكد أنه فريق يحترم بصماته ولا يعمل على تغييرها، على الأقل من حيث العوم ضد التيار والبحث الدائم عن الجديد. في هذه التشكيلة برهن هذا الفريق مرة أخرى على أنه يفهم الروح والمبادئ التي تأسس عليها الدار من خيال مستقبلي يستبق المواسم أحيانا، وقصات تجريبية في كثير من الأحيان، مع تلاعب محسوب بالأحجام والأقمشة والأشكال. ودائما بطريقة خفيفة ترفع شعار المدرسة البلجيكية المعروف: «القليل كثير». على الرغم من هندسية التصاميم وعبقها المستقبلي، فإن عنصر الأنوثة لم يغب عنها هذه المرة أكثر من أي وقت مضى، وإن كانت أنوثة تتسم بكثير من القوة، تجلت، مثلا، في التصاميم التي تتبع تقاطيع الجسم وتضاريسه من دون أن تشده، وفي استعمال أقمشة شفافة فوق أقمشة سميكة. وعلى الرغم من أن الدار تشتهر بأسلوبها الحداثي والتجريبي أكثر من إكسسواراتها، فإن حقيبة تحمل باليد مقوسة من الجانب القريب من الجسم ومغلفة بمرآة، سرقت الأضواء بشكلها الجديد والمبتكر وألوانها الفاتحة التي تحاكي لون القطعة التي تلبسها العارضة. مما لا شك فيه أن التشكيلة، باحترامها بصمات المؤسس وعدم رغبتها في تغيير جلدها تماشيا مع تغيرات أحوال السوق وتذبذباتها، أكسبها ثقة أكبر. ونجاحها في الأسواق الآسيوية فضلا عن أوساط المرأة المثقفة والواثقة في أوروبا وغيرها من أماكن العالم، لا شك يشجعها على الحفاظ على ميزاتها والعمل فقط على جعلها أكثر عملية حتى لا تبقى بعيدة عن الواقع. وهذا ما تحقق في هذه التشكيلة، سواء في بنطلونات بقصات تجعل الجسم يبدو أطول وأكثر رشاقة أو المعاطف من دون أكمام تنساب من أكتاف محددة إلى تحت الركبة أو الكاحل، مرورا بفساتين طويلة تخاطب امرأة لا تريد أي تفاصيل أو تطريزات، كما لا تريد التركيز على أنوثتها على الإطلاق. فهي خالية من أي إضافات أو زخرفات، مركزة فقط على التفصيل والقصات والطيات المبتكرة، لتتميز.

الثنائي فكتور أند رولف سيحتفلان قريبا بمرور 20 عاما على بدايتهما، الأمر الذي يفسر لماذا قررا أن يتأملا في ماضيهما ويراجعا أرشيفهما. استعمالهما المرايا في المخرج الذي تطل علينا منه العارضات وفي بعض القطع أيضا ربما يكون وسيلة مجازية للنظر إلى الماضي والذات على حد سواء. والنتيجة الطبيعية لعودتهما إلى الأرشيف ظهور الإحجام الكبيرة مرة أخرى، في بعض الأحيان جاءت مفصلة على الجسم ومثقلة بزخرفات من قطع مرايا، وأحيانا منسابة بفضل استعمالهما السخي للبليسيهات. لكن الأحجام الكبيرة لم تكن وحدها الغالبة في هذه التشكيلة، إذا أرسل المصممان مجموعة منسدلة من التول والموسلين بألوان هادئة مثل الأبيض والرمادي والليلكي والبيج المائل إلى الوردي. لم تكن أقوى تشكيلة يقدمانها، لكنها كانت مقدمة لما هو آت في الموسم المقبل، وحتما انتزعت شهقات إعجاب من بعض الحاضرات.