إيلي صعب يدخل عهدا عصريا.. والمنافسة بين راف سيمونز وإيدي سليمان تنتهي لصالح الأول

موسم باريس لربيع وصيف 2013.. بين دراما الأزياء ودراما تضخم الأنا

TT

انتهى أسبوع باريس لربيع وصيف 2013، ولم تنته أصداؤه. فإلى جانب الأصداء الطيبة التي خلفتها بعض العروض مثل «شانيل»، «لوي فويتون»، «سيلين»، «كلوي» من شأنها تحديد إطلالتنا في الموسمين المقبلين، هناك أيضا الدراما التي خلفتها تشكيلتا كل من راف سيمونز لـ«ديور» وإيدي سليمان لـ«سان لوران»، أو بالأحرى تعامل هذا الأخير مع وسائل الإعلام. فعوض أن يخلق حول نفسه هالة من الغموض، كما أراد، نجح في أن يبني لنفسه برجا عاجيا باردا أثار ضده الأقلام والنفوس على حد سواء. غريمه راف سيمونز، في المقابل، كسب الكل من خلال تشكيلة مزج فيها إرث «ديور» بلمساته الخاصة لتكون الخلطة رومانسية عصرية تؤكد دخول «ديور» مرحلة جديدة وسعيدة من تاريخها. لكن لا يمكن التطرق إلى الرومانسية أو يكتمل الحديث عن أسبوع باريس عموما من دون الحديث عن إيلي صعب خصوصا. فعرضه في آخر أيام الأسبوع يخلف دائما صورا لذيذة في الذاكرة وأصداء ترطب الأجواء. والأهم من هذا تذكرنا دائما بالأسباب التي تجعلنا نعشق الموضة ونحلم بها.

لربيع وصيف 2013 قرر هو الآخر أن يخرج عن المعتاد، وأن يأخذ دار «إيلي صعب» إلى مرحلة جديدة تطبعها خطوط رشيقة وتطريزات أقل. أمر فاجأ الحضور، خصوصا في المجموعة الأولى الموجهة للنهار التي تميزت ببساطة متناهية، كان مردها اكتساب المصمم ثقة أكثر في مجال الأزياء الجاهزة. فهو لم يعد بحاجة إلى وصفته المألوفة والمضمونة التي تعتمد على البريق والتصاميم المنسدلة، ويريد الآن أن يقدم زبوناته إلى عهد جديد. عهد تقل فيه كمية الترتر والخرز والتطريز والترصيع، لكن لا تقل فيه الرومانسية والجمال. ثقته تجسدت أيضا في استعمال نقوشات غرافيكية على شكل ورود بشكل غير معهود من قبل. بيد أن هذا لا يعني أنه أدار ظهره تماما لماركته المسجلة، ففي المجموعة الموجهة للمساء والسهرة، قدم تصاميم رشيقة أسهب فيها في التطريز إلى جانب الدانتيل، مما أضفى على كل قطعة أنوثة مثيرة في رقيها وصارخة الجمال في هدوئها.

عنوان التشكيلة «هيريس» أو «الوريثة» لم يكن ليعطي التشكيلة، حقها، لولا أن المصمم أضاف شارحا أنها لفتاة شابة «قد تكون فنانة، مصورة فوتوغرافية، كاتبة مدونات أو مهتمة بالأعمال الاجتماعية والخيرية»، وهذا يعني أن حياتها غنية ومثيرة، وبالتالي تحتاج إلى أزياء تعكس هذا وتغطي كل المناسبات التي يمكن أن تحضرها.

من هذا المنطلق، استهل العرض بمجموعة باللون الأزرق الملكي مكونة من قطع منفصلة تشمل قمصانا وبنطلونات مستقيمة وجاكيتات محددة عند الخصر وشورتات، في صورة توحي بشخصية واثقة وعملية. تلته مجموعة صارخة بالألوان والنقوشات التي تضاربت فيها الخطوط الطولية مع الورود، بعضها منسدل وطويل، وبعضها الآخر محدد على الجسم ويلامس الركبة، يعكس الشخصية البوهيمية التي يمكن أن تتسم بها الفنانة بداخل فتاته. وربما تكون المجموعة المطبوعة باللونين البيج والأسود أجمل ما قدمه للنهار من حيث هدوئها وخطوطها الأنثوية التي تستحضر الخمسينات ولمسات المصمم التي ظهرت في أجزاء كثيرة منها.

لكن مهما غير المصمم من جلده ومهما نجح في معانقة الأساليب العصرية، فإنه يبقى دائما ملك فساتين السهرة والمساء المبهرة، التي لا تستغني عنها أي امرأة تريد أن تتألق وتكون نجمة أي حفل. وهذا ما أكدته مجموعة من الفساتين المحددة على الجسم تتلألأ بالترتر والخرز، وأخرى تخلو من أي بريق لكنها لا تخلو من الإثارة بفضل استعماله للدانتيل في تصاميم رشيقة تنحت الجسم، أحيانا باللون الأسود وأحيانا أخرى بالأزرق، لتؤكد أنه لا يزال يتحكم في مقاليد المدرسة الرومانسية التي لا يتقن لغتها أحد غيره. الفرق الوحيد أنها جاءت هذه المرة مقننة ومحسوبة أكثر بأسلوب حيوي وعصري يؤذن بدخول إيلي صعب مرحلة جديدة في مجال الأزياء الجاهزة.

والحقيقة أن باريس هذا الموسم دخلت مرحلة جديدة من خلال ظهور توجهات صيفية كثيرة، بدءا من الألوان والتلاعب على السميك والشفاف والأشكال الهندسية التي تحاكي المكعبات بألوان متنوعة في القطعة الواحدة، فضلا عن التفصيل الرجالي في جاكيتات «توكسيدو» وبنطلونات مستقيمة وأخرى ضيقة. لكن كل هذا في كفة والدراما التي أثارها دخول كل من البلجيكي راف سيمونز دار «ديور»، وإيدي سليمان دار «سان لوران»، اثنين من أهم بيوت الموضة الفرنسية في كفة ثانية. فعندما صرح قيصر الموضة كارل لاغرفيلد بأنها «مرحلة مثيرة للغاية»، لم يبالغ على الإطلاق. فهي تذكر بالمرحلة التي دخل فيها هو دار «بالمان» في الخمسينات، وغريمه الراحل إيف سان لوران دار «ديور» وما نتج عن ذلك من منافسات أثمرت إبداعات مميزة لا يزال المصممون الشباب يستقون منها. لكن شتان بين الماضي والحاضر، فحينها كان المصمم غير مدعوم بمجموعات كبيرة، وكان سلاحه الوحيد هو الإبداع، أما الآن فعلى المصمم أن يجتهد أيضا في خلق صورة معينة لنفسه، أحيانا تثير الاستحسان والقبول، كما هو الحال بالنسبة لجون غاليانو عندما كان في عزه، وقبل أن يسقط من عليائه في العام الماضي، أو تثير ضده الأقلام كما حصل مع إيدي سليمان في الأسبوع الماضي. فبعد أن تحمس الكل لما سيقدمه هو وراف سيمونز في أول تشكيلتين جاهزتين لهما، خصوصا أنهما أثبتا قدرتيهما في السابق. الأول في دار «ديور» التي عمل فيها كمصمم للقسم الرجالي، وكان هو الذي روج للأزياء الضيقة للغاية، التي جعلت كارل لاغرفيلد يعترف بأنه نحف جسمه حتى يتمكن من ارتدائها. والثاني، راف سيمونز، أثبت نفسه في دار «جيل ساندر» وفي مجال الأزياء الرجالية، التي يعتبر من أهم المصممين في مجالها، كما أثبت نفسه في دار «ديور» في الأسبوع الماضي. تشكيلته كانت تصرخ بالرومانسية العصرية، وأكسبته القلوب والأقلام التي لم تتوقف عن التهليل له. فقد احترم فيها إرث الدار وجيناتها الأساسية، من دون أن ينسى أن يطبعها بأسلوبه الخاص. وجاءت النتيجة عبارة عن تشكيلة تتضمن كل ما يمكن أن تحلم به امرأة عصرية أنيقة من تايورات مفصلة على الجسم وجاكيتات تحدد الخصر من دون أن تشده، وفساتين ناعمة منسدلة إلى جانب تنورات مستديرة طويلة للمساء أو مناسبات الكوكتيل نسقها مع كنزات من الكشمير الخفيف جدا لتبدو من بعيد كما لو كانت فستانا.

إيدي سليمان، في المقابل، لم يحقق نصف هذا النجاح. فبعد أن حصل على فرصة العمر لتحقيق حلمه في تصميم أزياء نسائية، لم يلعب أوراقه جيدا وغطت ردود الفعل التي أثارتها تصريحاته تجاه كاثي هورين، محررة الأزياء في «نيويورك تايمز» على ما قدمه. القصة التي لا تزال أصداؤها تتردد في كل الأوساط الصحافية، أنه بعد أن منعها من حضور عرضه بسبب مقال كتبته منذ سنوات، قارنت فيه بينه وبين راف سيمونز بشكل لم يكن في صالحه، كتبت رأيها في تشكيلته الأخيرة بعد أن تابعتها على الإنترنت، قائلة ما معناه إنه لم يقدم جديدا، وإنه اجتر ما أبدعه الراحل إيف سان لوران. ويبدو أن ردها استفزه، لأنه رد عليها بشكل يفتقر إلى الموضوعية، وبدا شخصيا أكثر، مما ألب عليه الأقلام والانتقادات، التي اتهمته بمحاولة قمع الصحافة وصورته كمصمم لا يتقبل النقد إذا لم يكن في صالحه.

في أول محاولة له لدار «سان لوران» وأول تشكيلة نسائية يقدمها في حياته، كان من الممكن أن يثير الاستحسان، خصوصا أن الكل كان ينتظر ما سيقدمه على أحر من الجمر متفائلا بتصاميم مثيرة. وبالفعل فقد استحضر عرضه روح الراحل إيف سان لوران، وظهرت فيه كثير من الرموز التي ترتبط به من أسلوب بوهيمي وتوكسيدو وألوان وغيرها، إلا أنها فقدت الكثير من ألقها بسبب ردة فعله وتعامله مع وسائل الإعلام. وهكذا عوض التركيز على الإيجابيات، تم التركيز على السلبيات وعلى ما افتقدته من ابتكار وجديد. وربما تكون ليزا أرمسترونغ، محررة أزياء «تلغراف» البريطانية أحسن من لخصت الأمر بقولها: «لم تكن الأزياء سيئة، لكنها لم تكن جديدة، فهي نفس الأزياء التي ظهرت بها كايت موس، رايتشل زو، وستيفي نيكس في السابق». بعبارة أخرى، فهي تفتقد عنصر الإبداع الذي كان الراحل إيف سان لوران يتمتع به، وعلى الرغم من عبقريته لم يبن لنفسه برجا عاليا.