أسبوع العرائس الباكستاني يستقبل الهنود بالأحضان

استغله المصممون كمنبر لعرض كل ما لديهم متناسين أحيانا أنه للعروس

من عرض الباكستاني إتش إس واي HSY («الشرق الأوسط»)
TT

أقيم مؤخرا أسبوع أزياء العروس لعام 2012 في باكستان، استعرضت فيه مجموعة متنوعة للعروس. ورغم أنه من المفترض أن يكون خاصا بكل مستلزمات العروس من فساتين زفاف وحتى وغيرها، فإن المصممين استغلوه لعرض كل ما لديهم من تصاميم للأيام العادية والسهرة وغير ذلك. وشارك في إطار العرض، الذي يعد مزيجا من عروض الأزياء والفقرات الترفيهية، 21 مصمما من باكستان والهند والإمارات العربية المتحدة. ولأن المصمم لا يعيش بمنأى عن الأحداث العالمية والمحلية التي تدور من حوله، فإنه كان لا بد من دقيقة صمت لتمني الشفاء لملالا يوسف زاي، الفتاة التي تبلغ من العمر 14 عاما، والتي كانت ضحية عمل إرهابي قبيل افتتاح أسبوع العرائس بأيام. تجدر الإشارة إلى أن هذا الأسبوع ليس عاديا، حيث بدأت الاستعدادات له منذ ما يزيد على عامين بهدف الترويج لأزياء العرائس في باكستان من جهة ولتوفير منبر يقدم من خلاله المصممون، الجدد والمخضرمون على حد سواء، أعمالهم في المنطقة، من جهة ثانية. لهذا، كان من الطبيعي أن يصبح هذا الأسبوع، الذي يمتد على مدى ثلاثة أيام، من أكثر الفعاليات التي ينتظرها العاملون في مجال الموضة وصناعة الأفراح، وفي كل مرة يفاجئ الجميع بجديد غير متوقع.

كانت المصممة الهندية تشارو باراشار أول من افتتح أسبوع العرائس في لاهور، من خلال عرض مجموعة متنوعة شملت أثواب «اللهنغا» والساري للعرائس، ركزت فيها على المهارة الحرفية الهندية وتقنيات الطبع القديمة من أجل إضفاء أكبر قدر من الفخامة عليها. وبدت الكثير من القطع كما لو أن المصممة تلعب فيها لعبة طفولية تعتمد على الأشكال الغريبة خلقت سحرا مستوحى من سحر عرائس الهند، علما بأن العروس الهندية تتشابه مع العروس الباكستانية في الكثير من النقاط، وإن احتفظت كل منهما بهويتها وخصوصيتها. فهناك ثقافة واحدة تجمعهما هي الحقبة المغولية، بالإضافة إلى الشعور بالانتماء إلى عرق واحد.

تصميمات تشارو التي تنضح بالروح الهندية مع لمسات باكستانية نالت الكثير من الإعجاب، فالأزياء المخملية الفخمة والتطريزات الغنية التي غطت الكثير من الأثواب عند الصدر والأكمام تليق بعروس مخملية. وشاركت في عرضها، المغنية ومؤلفة الأغاني الباكستانية والعارضة المعروفة، حديقة كياني، التي تهادت بثقة وهي ترتدي ثوب «لهنغا» أخضر. وصرحت لنا تشارو بعد عودتها إلى الهند من لاهور بأن زيارتها لباكستان كانت من أكثر اللحظات المميزة في حياتها. وأضافت أنها لم تكن تتصور أن القدر سيمنحها فرصة عرض مجموعتها خارج حدود بلادها، مشيرة إلى أن ما زاد في سعادتها أن ردود الفعل كانت إيجابية.

تكمن قوة باكستان في الطابع العملي للملابس، حيث يمكن ارتداء الملابس الباكستانية في مختلف المناسبات مقارنة بالأزياء الهندية، بالإضافة إلى كونها متوافرة بمقاسات مختلفة. لهذا، كانت ملابس العروس الباكستانية التقليدية مثل «الشارارا»، الذي يتكون من سروال ضيق عند الفخذ يتسع كلما اقترب من القدم، و«اللهنغا» التي تتكون من قمصان هندية طويلة، هي الغالبة لأنها من الأزياء التي تتماشى مع كل المناسبات. والجميل فيها أنها هنا اكتسبت طابعا عصريا اتضح في القصات والتطريزات على حد سواء. وكان من الواضح أن المصممين ركزوا كثيرا على القصات احتفالا منهم بجمال المرأة وأنوثتها، إلى جانب الابتكار والتجديد. ففضلا عن التصاميم الأنثوية، ظهرت في بعض تصاميم العروس ألوان داكنة مثل الأسود وأخرى طبيعية مثل الأبيض والكريمي، في تناقض مثير مع الألوان الزاهية التي تقدمها الهند.

إلى جانب التأثيرات الهندية، كانت الثقافة العثمانية أيضا مؤثرة وواضحة، خصوصا على أزياء بتطريزات بديعة كانت ترتديها عارضات غطين رؤوسهن بحلي من مجموعة عمار شهيد للعروس، مزج فيها المهارة بين استخدام اللؤلؤ وصياغة الذهب والمعدن.

من جهة أخرى، شكلت مجموعة كوسين كاظمي ذات الطابع التركي المغولي نموذجا لقدرة اليد البشرية على صياغة أزياء من أقمشة وخيوط. عبرت المجموعة عن فكرة أن الملابس امتداد للفكر الإنساني، لهذا اتسمت بالعالمية دون أن تفقد الروح الباكستانية في تنوع مثير بين أزياء المناسبات الكبيرة والمناسبات شبه الرسمية. واصطبغت أزياء العروس فيها باللون الأصفر الليموني، مما أضفى جوا حيويا على التشكيلة، خاصة أنها كانت مطعمة بالكثير من الرومانسية.

بدورها، جذبت دار «أماتو كوتور»، ومقرها دبي، الكثير من الاهتمام، خصوصا أنها معروفة بزبائنها العالميات من أمثال كايتي بيري، جنيفر لوبيز، وشاكيرا، وغيرهن. تضم المجموعة قطعا من وحي قصص رومانسية من أعمال شكسبير والبطاقات السياحية القديمة وكذلك من المدن الحديثة. ومثلت الفساتين التي تنتهي بذيل السمكة، وكانت مطرزة بقطع كريستال «شواروفسكي»، مزيجا فاتنا من الأقمشة والمواد الفاخرة، مع التركيز على تفاصيل وتطريزات تشي بالدقة والأناقة.

تهادت العارضات هنا في أزياء بكل درجات والألوان وأنواع التطريز التي غطت أقمشة ناعمة وخفيفة مثل الموسلين والحرير والقطن، نذكر منها فستان سهرة مطعم بأحجار لامعة تشبه الألماس وأحجار شبه كريمة زادت من بريقه. وتضمنت مجموعة المصممة هجرا حياة أزياء بقصات فريدة متميزة وتفاصيل تنم عن مهارة وحرفية. فقد كانت التطريزات فيها دقيقة في الجزء العلوي من الساري إلى حد خطف الأنفاس، بينما تجلى التجريب من خلال الجمع بين البرتقالي والبني والأسود في قطعة واحدة. والجدير بالذكر أن هجرا اختفت من بؤرة الضوء لبعض الوقت، لكنها عادت بقوة خلال أسبوع أزياء العروس هذا لتستعرض أفضل ما لديها من مهارات، سواء من ناحية التطريز أو مزج الألوان. استخدامها للون الأحمر والذهبي مثلا أجج حماسة الجميع لرؤية المزيد منها. خرج معظم الحضور من عرضها وهم يشعرون بأنها فازت بالليلة، خصوصا عندما ظهرت العارضة المعروفة زينب قيوم في عرضها إلى جانب القفاطين الصفراء التي تناسب فصل الشتاء، وفساتين «جهولا» (الأرجوحة) وبناطيل «الدهاكا» (بنغلاديش) المصطبغة بألوان الجواهر، فضلا عن القطع الحريرية الحمراء ذات الرسوم المزركشة من الأمام والخلف، خاصة تلك التي كانت ترتديها زينب.

تقول سلطانة صديقي، رئيس «هام نيتورك لميتيد»، التي تتولى تنظيم الفعالية: «إنه من الجيد دائما دعوة مصممين من الهند إلى الأسبوع، لأنهم دائما ينجحون في إضافة وجهة نظر مختلفة تناسب البيئة الباكستانية. وقد شارك في الماضي جي جي فالايا وميرا وموزافار علي وغاوتام راكها، وحاليا تشارو باراشار. وأشارت أيضا إلى أن الهدف من هذه المشاركة هو تعزيز العلاقة بين البلدين. «فالباكستانيون يحبون تصاميم الهنود، ونأمل أن يشارك المزيد منهم في المستقبل» حسب ما قالت.

الألوان المبهجة والتصاميم الحيوية لم تقتصرا على الهنود، فقد قدم المصممان الباكستانيان آصيفة ونبيل مجموعة للعرائس تستقبل خريف وشتاء هذا العام بالكثير من الزخارف. وتم اختتام الأسبوع بمجموعة المصمم مهدي التي حملت عنوان «جواهر مهدي»، مما فسر تركيزه على ألوان الجواهر. قدم مهدي قطعا زهرية أنيقة مع تايورات أنيقة، بينما اكتسبت الفساتين المخملية أناقة مميزة حتى عندما نسقها مع القمصان القصيرة المصنوعة من قماش الجورجيت والبلوزات ذات اللون الأخضر والقماش الثقيل ذي اللون البرتقالي. أما في ما يتعلق بأزياء الرجل والعريس، فحافظت على بساطتها وهدوئها بالمقارنة. يجدر التنويه بأن مهدي هو نجم العرض الختامي الكبير، إذ أبهرت الأقمشة التي استخدمها الحضور. فهو لم يركز على ملمس الأقمشة فقط، بل اهتم أيضا بالجودة والفخامة، الأمر الذي يحسب له. أما المصمم صدف أرشد من ماركة «جوجارانوالا» فكانت مجموعته مفاجئة بألوانها التي لعبت على اللونين الذهبي والأحمر، بينما كانت قصات القمصان البونشو دقيقة التطريزات محسوبة بعناية جعلتها أكثر توازنا. وعرضت تاباسوم موغال، التي تشارك لأول مرة في أسبوع أزياء العروس، مجموعتها الملكية المستوحاة من العصر الفيكتوري والمغولي. وكانت المجموعة بما تضمنته من قطع بتطريز ذهبي ثرية، من الصعب على العروس أن تتجاهلها، خصوصا أنها حافظت على أسسها التقليدية المتماشية مع متطلبات المجتمع. جاءت الفساتين الذهبية طويلة يتداخل فيها قماش الشيفون مع الجورجيت. لكن من الخطأ القول إنها كانت تقليدية بالمعنى القديم، فعنصر التجريب لم يغب عنها، وتجسد في ذلك التوازن بين نقوشات الورود والثريات التي طبعت الكثير من القطع.

أما المصمم إروم خان، فلعب على النغمة المضمونة التي تجمع سحر الشرق بأناقة الغرب العصرية، ونجح إلى حد كبير لأنه تجنب المبالغة والتكلف أو الإغراق في الكليشيهات. لكن، ربما تكون الرسومات التي طبعت الكثير من القطع في تشكيلته هي التي أثارت الانتباه وبقيت عالقة في الذهن، لأنها مختلفة ومتميزة، وليس أدل على هذا من تلك التي استوحاها من ريش الطاووس، وجمع فيها بين درجتين من الألوان.