«توجوري».. ماركة قطرية لا تستعجل النجاح

لمى المعتصم لـ «الشرق الأوسط» : لدينا في الشرق الأوسط ما يكفي من المصممين الذين يتعجلون للوصول إلى العالمية

TT

من النظرة الأولى تبدو كأي شابة تعشق الموضة بشعرها الذهبي المتطاير وأناقتها البسيطة، التي تتمثل في بنطلون جينز ضيق وجاكيت على شكل «توكسيدو» وحذاء «باليرينا»، لكن بعد لحظات قصيرة جدا من الحديث معها، تكتشف أن لمى المعتصم، مؤسسة ماركة «توجوري» ليست شابة عادية. فإلى جانب موهبتها الإبداعية تتمتع أيضا بخبرة تجارية وواقعية قلما يتمتع بها من هم في سنها. تعيد السبب إلى عملها في هذا المجال لأكثر من ثلاث سنوات مما علمها أن أي عمل يجب أن يرتكز على استراتيجية محسوبة ورؤية مستقبلية. تشير لمى أنها لا تتسرع النجاح من أجل أن يكون لها اسم رنان في السوق بل تريد أن تبني نفسها على أسس صحيحة وقوية حتى تكون لها استمرارية. تستشف من كلامها أيضا أنها تريد أن تكون سفيرة الشرق للغرب، فحسب قولها «هناك ما يكفي من المصممين الذي يستعجلون الوصول إلى العالمية ويتجاهلون أن هناك خطوات مهمة لا بد من اتباعها للنجاح. فالموهبة وحدها لا تكفي وصقلها بالدراسة ضروري إلى جانب دراسة السوق ومن تم مراعاة الجانب التسويقي والتجاري وغيرها من الأمور التي تجعل من المصمم ناجحا. وكلما استطردت في الحديث، كلما تشعر بأن (توجوري) تجربة مختلفة عن الباقي ويمكن أن تكون قدوة لكل من يسعى إلى تحقيق الحلم لكن يستصعب الخطوة الأولى».

مثل الكثير من أبناء جيلها كانت لمى تحلم بتأسيس دار أزياء خاصة بها، ولا تحبذ العمل تحت إمرة الغير، لكنها على العكس من الكثيرين أيضا، عملت على جعل الحلم واقعا. تقول: إن هذه الخطوة كانت أفضل ما قامت به لحد الآن، رغم أنها لم تخل من المخاوف والشكوك. فعندما دخلت مكتبها أول مرة، شعرت بالرهبة، لأنه أصبح لزاما عليها الآن تؤسس كل شيء من لا شيء، ولا يمكن أن تعتمد على الغير أو تلقي باللوم عليهم في حال لم تسر الأمور كما تشتهي. «كان المكتب هادئا، لم يخترق صمته رنين التليفون الذي تعودت عليه سابقا، وكان البريد الإلكتروني أيضا صفحة بيضاء خالية من أي طلبات، وهو ما لم أتعود عليه أيضا. فخلال عملي مع المصمم البريطاني، ماثيو ويليامسون، مثلا، لم يكن الهاتف يتوقف عن الرنين فضلا عن كثرة الحركة» كما تقول. ما عوض عن الصمت والهدوء في مكتبها، صخب الأفكار التي كانت تدور برأسها والأحلام الكبيرة التي كانت تحفزها وتقويها. في لقائها مع الـ«الشرق الأوسط» تقول: «شعرت بالرهبة لكن في الوقت ذاته كنت مستعدة للتحدي.. كنت أعرف أنه لا بد من نقطة بداية، وكنت على حق لأني أعيش الحلم الآن».

هذه البداية كانت في عام 2009 حين شاركت في معرض «فاندوم للمنتجات المترفة» بباريس، بأول مجموعة تصممها باسم «توجوري»، بعد ذلك قفزت بخطوات هائلة إلى الأمام، ليصبح الخوف والقلق في خبر كان. فسرعان ما وصلت تصاميمها إلى محلات «هارودز» بالإضافة إلى محلها الرئيسي بالدوحة الذي صممه لها المهندس العالمي المعروف بيتر مارينو. جدير بالذكر أن التعامل مع هذا المصمم بحد ذاته يعتبر سبقا وإنجازا، فهو معروف بكونه متطلبا لا يقبل أن يربط اسمه بأي شيء عادي.

لمى أيضا كانت تريد محلا متميزا وغير عادي، لهذا كان مهما بالنسبة لها أن يقوم هو بهذه المهمة. تشرح: «أعجبت بأسلوبه والأعمال التي قام بها في محلات (لوي فويتون) و(شانيل) و(ديور) و(سيلين).. لم يكن الوصول إليه سهلا، بقيت أتصل به على مدى عام وهو يتمنع، قبل أن أتمكن من مقابلته وجها لوجه في نيويورك ومن ثم إقناعه». تطلبت عملية إقناعه عرض كامل التشكيلة أمامه، قطعة قطعة مع شرحها قبل أن تفوز بموافقته. صمم المحل وأنهى ديكوراته، وأكد مرة أخرى أن اسمه له مفعول السحر، لأنه قدم لها دعاية إعلامية عالمية مهمة كما قدم لها ديكورا لافتا مقارنة بالمحلات المجاورة.

لكن إذا كان عام 2009 هو تاريخ انطلاقتها الفعلية، فإن البداية تعود إلى أبعد من ذلك، حين كانت لمى طفلة وخلال إجازة كانت تقضيها مع عائلتها في الأردن. هناك شدت انتباهها التطريزات التي تزخرف الأثواب التقليدية التي كانت تبيعها الفلسطينيات اللاجئات في الأسواق. لم تكتف بالإعجاب بها أو اقتنائها، بل أرادت أن تتعلم أصولها، فطلبت من إحدى الفلسطينيات أن تعطيها دروسا طوال هذه الإجازة. وعندما عادت إلى الدوحة، مسقط رأسها، طبقت ما تعلمته على نفسها وملابسها. تتذكر ضاحكة كيف أنها عندما كانت تحضر دروس الباليه كانت دائما الوحيدة بين قريناتها التي تتناثر من فساتينها الأشرطة والزخارف: «كنت دائما الفتاة التي تلبس الكثير من البريق والريش والخرز».

في سن الصبا، وبسبب عمل والدها اضطرت العائلة أن تنتقل من قطر إلى لندن، وهناك انخرطت في معهد «سانترال سانت مارتنز» ثم معهد الموضة بلندن. ورغم أن الدراسة في لندن، وربما حتى الإقامة فيها لسنوات، أمر يرحب به أي مصمم صاعد، إلا أن لمى ظلت دائما تحن إلى قطر وتشعر أنها المكان الذي تشعر فيه بالسعادة، لأنه يمثل العائلة بالنسبة لها. تعلق: «الشرق الأوسط هو المكان الذي يحن له قلبي دائما، رغم أن تجربتي في لندن كانت غنية وأثرت علي بشكل إيجابي كبير. ففيها فتحت عيوني على ثقافة أخرى جعلتني أقدر الأشياء أكثر. ما من أحد ينكر أن لندن عاصمة غنية بثقافتها، وتقدم دائما شيئا جديدا، والأهم أنها لا تصيب بالملل لما تتوفر عليه من متاحف وقاعات عرض يمكن للواحد أن يقضي فيها أوقاتا ممتعة ويستلهم منها الكثير من الأفكار».

كان من البديهي أن تترجم حبها للثقافة الشرقية وما تعلمته من الغرب في «توجوري»، التي يمكن القول: إنها مزيج بين الاثنين. فغالبا ما تضم مجموعاتها قفاطين أو فساتين مستوحاة من العباءات أو الجلابيات، إلى جانب فساتين كوكتيل وفساتين فخمة دائما تطبعها تطريزات غنية ومتميزة.

«توجوري» ومعناها صندوق المجوهرات في الثقافة القطرية الشعبية، قد تكون ترجمة وافية لما تريد المصممة أن تقدمه: «فساتين وقفاطين تعتز بها المرأة الأنيقة وتتعامل معها وكأنها مجوهرات ثمينة». وتستطرد لمى: «أعتقد أن من أساسيات (توجوري) أنها تعكس جذوري الشرقية وثقافتي بالإضافة إلى ما تعلمته في الخارج. أجد أنه من المهم جدا أن أعبر عن ثقافتي من خلال تصاميمي، لأنه للأسف ما نحصل عليه من بعض مصممي منطقتنا هو ترجمة لما سيعجب الغرب أو ما يعتقدون بأنه منتظر منهم، لتكون النتيجة مفتعلة وغير مطابقة لواقعنا. وبالتالي لا أعتقد أن هناك أحدا منهم توصل إلى حد الآن أن يوصل هذه الروح الشرقية إلى الغرب، وهذا ما أحاول من خلال (توجوري) أن أقوم به بطريقة عصرية».

ما يحسب لها أيضا أنها لا تعكس ثقافتها الشرقية بطريقة فولكلورية تلعب على الكليشيهات القديمة بقدر ما تقدم نظرة منعشة وعصرية لمفهوم هذه الأناقة، مما يجعل تصاميمها تتمتع بميزة عملية وسلسة. فاستعمالها للبريق يأتي دائما بجرعات محسوبة تخاطب كل الأذواق، واستعمالها الحرير والموسلين والتول وغيرها من الأقمشة الناعمة والمترفة، مرورا بالألوان، يمنح كل قطعة حيوية وروحا شابة. والمقصود هنا ليس الألوان الدافئة أو المتوهجة أو المزج بين الكثير من الألوان في القطعة الواحدة، فلمى تستعمل تقنيات جديدة أصبحت لصيقة بأسلوبها تدخل فيها نحو خمس درجات تتدرج بشكل ساحر في القطعة الواحدة. وهو ما تقول: إنه يستغرق الكثير من الوقت والجهد، لأنه يتطلب 5 مراحل مختلفة في الصباغة لخلق هذه التدرجات. بالنسبة للتطريزات، فتنفذها في الهند، نظرا لباعها الطويل في هذا المجال من جهة، ولعلاقتها القوية وتأثيراتها الكثيرة في الشرق الأوسط من جهة ثانية. وتبدو لمى متحمسة وهي تتحدث عن هذه العملية وعن دور الهند فيها، قائلة: «لا يمكن إنكار قدرة الهنود على التطريز وخبرتهم الطويلة في هذا المجال. فالكثير من المصممين وبيوت الأزياء ينفذون تصاميمهم فيها، لكنهم للأسف لا يعترفون بذلك، ويتلاعبون على الأمر بإنهاء تفاصيل بسيطة من القطعة مثل الحواشي أو إضافة الأزرار في بلد أوروبي لكي يقولوا إنه صنع في إيطاليا أو فرنسا مثلا... لا أعتقد أن هذا عادلا بالنسبة للحرفيين في الهند، وأجد أنه من الناحية الأخلاقية، لا بد من الاعتراف بدورهم».

تجدر الإشارة إلى أن لمى قضت ما يقرب العام في الهند لتباشر العمل فيها عن قرب، وحتى تتأكد من أن من تتعامل معهم يفهمون ما تريد وما تنتظره منه من جودة ودقة. كان مهما بالنسبة لها أن يدركوا اهتمامها بأدق التفاصيل، وأن أي خلل، مهما كانت بساطته، غير مقبول ويمكن أن يشوه صورة الفستان واسم الماركة على حد سواء: «يمكن بسهولة للعين العارفة أن تتعرف على مدى الحرفية التي أنجزت بها القطعة، وأنا أقدر بأنه إذا كانت المرأة ستدفع مبلغا محترما لقاء أي قطعة، فعلى الأقل يجب أن نوفر لها ما يبرر هذا السعر ويجعلها سعيدة بها على المدى البعيد كما على المدى القريب».

لحد الآن لا تزال «توجوري» في عز الصبا، لم تكبر بعد لكي تشارك في عروض أزياء موسمية، أربع مرات أو أكثر، لأنها أقرب إلى الـ«هوت كوتير». فكل قطعة فيها تنفذ باليد الأمر الذي يجعل من الصعب أن توفر كميات كبيرة للسوق، لكنها توفر خط «ريزورت» أكثر انطلاقا وأقل تطريزا بالمقارنة لكنه لا يفتقد للأناقة على الإطلاق تعرضه في باريس وتوفره في «هارودز» ومحل «توجوري» بالدوحة. وهو خط يخاطب المخمليات والمرأة التي تسافر كثيرا وتريد أزياء تليق بها في منتجعات مثل الريفييرا الفرنسية أو جزر الكاريبي وغيرها. كما لها تعاونات مع كارمن هايد، مؤسسة موقع الفينتاج المعروف «أتولييه ماير» AtelierMayer.com بين الفينة والأخرى لتقديم قطع خاصة جدا.