«بلغاري» الإيطالية تصوغ من الرخام خواتم تقطر نعومة

TT

من أهم الصفات التي يجب أن يتسم بها مصمم المجوهرات أن تكون له رؤية خاصة ومستقبلية تستبق الأمور وتتجاوز العادي. وبما أن المنافسة كبيرة والقدرات الإبداعية في تصميم المجوهرات لا تنبض، فإن البحث عن الجديد والخروج بتصاميم غير مألوفة أصبح أمرا ضروريا لكل بيوت المجوهرات إن هي أرادت التميز. دار «بلغاري» الإيطالية تعرف هذا جيدا، وتتقنه جيدا أيضا، إلى جد القول أن التجديد يجري في دمها وجزء من جيناتها. فمنذ تأسيسها وهي تعمل على التميز عن غيرها ونجحت إلى حد كبير، لأنها في كل موسم تفاجئنا بجديد «يشد الأنفاس». وربما تكون مجموعتها «بي.زيرو 1» B.zero1 التي صممها لها المهندس المعماري المعروف أنيش كابور خير دليل. فرغم أنه بيعت منه الملايين من النسخ في كل أنحاء العالم، لم تكتف بنجاحه، وطرحته بخامة جديدة وغريبة قد لا تخطر على بال أحد عندما يتعلق الأمر بالمجوهرات، ألا وهي الرخام.

خاتم B.Zero1 الذي أصبح تصميمه أيقونيا يصرخ باسم الدار وفخامتها، ابتكر أول مرة في بداية الألفيّة الجديدة، واستوحي من مجموعة مجوهرات «توبوغاس» Tubogas الشهيرة، إلا أن الفكرة منه كانت تصميما يجسد تلك العلاقة الحميمة بين الماضي والمستقبل، أو على الأصح، بين التقاليد والابتكار. ونظرا للنجاح الساحق الذي حققه، لم تتوقف الدار عن طرحه كل سنة بخامة أو تفاصيل جديدة، إذ أضيف إليه الألماس مثلا، والأحجار الملونة كالجمشت والياقوت الأصفر والزبرجد والسترين الأصفر. بيد أن النقلة كانت في عام 2010، حين احتفل الخاتم بعيده العاشر، وخضع على يد «أنيش كابور» إلى تطويرات غيرت مساره. فقد حصل الخاتم على شكل متموج، يبدو فيه النمط المستدير وكأنه منصهر داخل المعدن لابتكار سطح عاكس واحد.

وفي العام نفسه، أدى المزيج الجريء الأول للمواد في المجموعة، إلى طرحه بالذهب الزهري والسيراميك الأبيض أو الأسود مع رمز الماركة التقليدي الثنائي عند الأطراف. وأخيرا وليس آخرا، ها هي مادة الرخام تزين أصابع جميلات العالم، في بادرة غير مسبوقة. فمن كان يتصور أن تتحول هذه المادة التي ارتبطت في أذهان البعض بالمنحوتات الفنية وفي أذهان البعض الآخر بالمطابخ والأرضيات إلى مجوهرات أنيقة وناعمة؟. والأجمل في كل هذا أنه في نسخته الجديدة يأتي بألوان متوهجة مثل الـ«بوينايت» الأخضر، واللازورديّ الأزرق، والبني التبغي، مخاطبا امرأة أنيقة ومواكبة للموضة.

تبدأ القصة الألفية والمذهلة للرخام في القرن الخامس قبل الميلاد حيث كانت حجرة «مارمارون» marmaron التي تعني باللغة الإغريقيّة القديمة «الحجرة اللامعة»، تستعمل بشكل واسع في النحت والعمارة. فوفقا لمبدأ أرسطو، كان القسم الداخلي من الرخام مادة مثالية تنتظر أن تُقَولب لتجعل المنحوتات تنبض بالحياة.

الرومان القدامى بدورهم اعتبروا أن لحجر الرخام قيمة كبيرة، حيث استعمل لبناء معالم مهمة، ولتزيين القصور والبيوت الفخمة. غير أن القدرة الكاملة للرخام لم تظهر سوى في عصر النهضة وعلى يد أشهر الفنانين، وعلى رأسهم «ميكيلانجيلو بوناروتي»، الذي عمل ثلاث سنوات لتحويل كتلة هائلة من الرخام إلى تحفة «داوود» David التي يعتبرها عدد كبير من الخبراء أجمل منحوتة على الإطلاق.

وفي العصور التي تلت، استمر استعمال الرخام لليونته، وما بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أبدع «أنطونيو كانوفا» أعمالا تجسد فكرة الجمال والتناغم في التيار الكلاسيكي الجديد. ولا يزال الفن المعاصر يعيد اكتشاف الاستعمالات المتعددة للرخام وما يتيحه من إمكانيات هائلة للإبداع.