بنيامين كومار مدير قسم الجواهر في «شانيل» لـ «الشرق الأوسط» : «أؤمن بأن الإبداع يتطلب عقلا حرا حتى ينتعش ويتألق

TT

* أشعر أنه لم تمر سوى بضعة أشهر على مقابلتنا الأخيرة في شهر يوليو الماضي، حينها أذكر أنك قلت إن 80 قطعة بذلك الحجم والجمال تجعلك تفكر في التحدي الكبير الذي يتمثل في طرح مجموعة بنفس العدد والروعة وفي وقت قصير، وها نحن اليوم نطالع مجموعة لا تقل عددا وابتكارا.

- (مبتسما) هذا هو سحر «شانيل»، فهي تحاول دائما أن تجدد نفسها، وأعتقد أننا نستمد قوتنا أيضا من قوة قسم التصميم والأبحاث التي يقوم بجهد جبار. مما لا شك فيه أن الإرث الذي نتمتع به يتيح لنا أن نبتكر ونجدد، فمجموعة 1932 التي قدمناها في شهر يوليو الماضي كانت مثيرة على كل الأصعدة، كما كانت أول مجموعة تاريخية. هذه المجموعة، في المقابل، فنية من حيث إنها تمنحنا حرية وفرصة أكبر للابتكار. أي أنها تسمح لنا بإطلاق العنان للخيال واستعمال شتى أنواع الأحجار والألوان، فليست هناك قيود في ما يخص التصميم. آخر مجموعة استوحيناها من زهرة الكاميليا كانت في عام 2008، ولم نعد لها إلى الآن بما لا يقل عن 80 قطعة، نصفها انتقل إلى هونغ كونغ.

* كيف بدأت العملية، خصوصا وأنك قلت إنه لم تكن هناك فكرة مسبقة أو تخطيط لهذا العدد الهائل، ولا بد أن تكونوا في صراع مع الزمن لإنجازها في غضون أشهر فقط من التشكيلة التاريخية في شهر يوليو الماضي؟

- الفكرة المبدئية كانت طرح مجموعة أنيقة ومميزة ولم نخطط لهذا العدد، لكن ما إن بدأنا في العمل عليها، وبدأت تنهال علينا الرسومات والأشكال المقترحة، حتى اجتاحنا الحماس. كانت كل رسمة مثيرة إلى حد أننا لم نستطع الاستغناء عن أية واحدة. ومن هذا الحماس ولدت فكرة زهرة الكاميليا وأهمية أن تحضر في كل قطعة في المجموعة، مرة بالأسود ومرة بالأبيض أو مزيج منهما بالإضافة إلى ألوان أخرى. الشرط الوحيد والمهم أن تكون بأسلوب الدار. بالنسبة للمجموعة السابقة التي احتفلنا فيها بمرور 80 عاما على تقديم الآنسة شانيل أول مجموعة جواهر رفيعة في عام 1932، كانت الصورة أوضح وتتمثل في طرح عدد محدد هو 80 قطعة، أما هنا فكنا نفكر في 60 أو 70 قطعة على أكثر تقدير، إلى أن وجدنا أنفسنا نضيف 10 أخرى بسبب إعجابنا بتصاميمها.

* لكن هل لا يتعارض هذا مع التخطيط المسبق، وما يتطلبه من توفير المواد والخامات وما شابهها من اللوجيستيات؟

- حاولنا التقيد بفكرتنا الأولى لكن عندما يصب عليك الإلهام وترى أشياء جميلة تتبلور أمام أعينك، فإننا نضرب باللوجيستيات عرض الحائط ونترك الكلام للإبداع.

* نلاحظ عودة دائما إلى الأرشيف، وهذا أمر جيد، لكنّ هناك خوفا من الإغراق فيه، خصوصا أن هناك منافسة شديدة تتطلب التطور الدائم واستباق المستقبل أحيانا. ما الفرق بين أشكال الكاميليا التي تم طرحها في السابق والأشكال الحالية؟

- هذا صحيح، وأنا مطمئن بأن المجموعة الحالية أكثر قوة في تصميمها وأكثر عصرية. ما من شك أنه يجب احترام الإرث القديم لكن من المفترض تطعيمه بالجديد باستمرار، من دون الوقوع في مطب الحنين إلى الماضي إلى حد استنساخه أو استغلال نجاحه السابق. نحن لا ننظر إلى المجموعات السابقة، سواء الناجحة أو غير الناجحة، بل نعمل على تطويرها. أشكال الكاميليا في السابق، مثلا، كانت أكثر احتراما للماضي ولشكل الزهرة نفسها، على خلاف الأشكال الحالية التي أخذت منحى هندسيا أكثر وضوحا، وفي الوقت ذاته تستلهم خطوطها من صورة الزهرة.

* الملاحظ في معظم القطع المعروضة في الصالون تقنية الطيات المتعددة والمتراكبة بعضها فوق بعض أو بعضها على جوانب بعض، مما يعطي الزهرة سمكا وفخامة أكثر، هل هذا هو المقصود؟

- نعم، بالإضافة إلى أنها تفتح المجال للتأويل وإطلاق العنان لأفكارك. فأنا، مثلا، أرى الفخامة والكثافة يعبران عن الحاضر. إننا الآن في زمن الترف. وقطاع المنتجات المرفهة منتعش بدليل أن الكثير من الناس يريدون قطعا متميزة وفريدة وأكثر غلاء وثقلا، لأنهم يريدون أن يتعاملوا معها كاستثمار.

* هل تأخذ هذه العناصر الكثافة وعدد الأحجار وغيرها بعين الاعتبار أم أنها تأتي صدفة لأن التصميم يتطلبها؟

- نهتم بكل الجوانب، لكننا أولا وأخيرا نريد التميز، من حيث التنفيذ المحترف، اختيار أجود أنواع الأحجار، وأخيرا وليس آخرا جمال التصميم. فالتصميم هو الذي سيبقى عالقا في الذهن ويتذكره الناس لسنوات طويلة قادمة. فأنت لا تريد أن تتقيد بعناصر محددة عند التصميم والتنفيذ، بل تريد أن تبقى حرا.. أنا أومن بأن الإبداع يتطلب عقلا حرا حتى ينتعش ويتألق. الأشياء تزيد قيمتها مع الوقت إذا كانت مصممة بشكل احترافي ومبتكر.

* لكن مع ذلك تبقى جواهر «شانيل» مختلفة عن جواهر «هاري وينستون» مثلا المعروفة بأجود أنواع الأحجار والماس، بينما يمكن مقارنتكم بـ«فان كليف أند أربلز» من ناحية الاهتمام بالتصميم، هل توافقني في هذا الرأي؟

- ربما قبل 10 سنوات، لم تكن «شانيل» مثل هؤلاء في مجال الجواهر الرفيعة، لكنها تقدمت بسرعة هائلة، وأصبح لها الآن أسلوبها الخاص، مثلها مثل «كارتييه»، و«فان كليف اند أربلز». فالكل يعرف الآن زهرة الكاميليا ويربطها بالدار، ولهذا فإن الناس ستستثمر فيها.

* لأنها أصبحت كلاسيكية؟

- بالفعل، وهدفنا هو أن نجعل كل تصاميمنا من الكلاسيكيات التي تبقى للأبد. صحيح أننا الآن في نفس مرتبة «كارتييه» أو «فان كليف أند أربلز» من حيث الإبداع والتصميم، وأنا سعيد أن الناس باتت تلاحظ ذلك.

* هل لك أن تقول لي أي قطعة تفضلها من هذه الحديقة الغنية بأزهار الكاميليا؟

- إنها البروش الضخم، لأنه عصري ويعكس بتصميمه التقنيات الحديثة التي استعملت فيه، بدءا من أحجار الماس التي ترصع جوانبه، إلى العصافير الصغيرة والأشجار التي تتوسطه، عدا عن الألوان المتناغمة فيه وطياته التي تعكس الضوء من جهات مختلفة عند كل حركة.

* للوهلة الأولى يبدو وكأنه دانتيل نظرا لخلفيته السوداء.

- أجل، وهذا ما تميزنا فيه بحسب اعتقادي، فعندما تستعمل «كارتييه» الأسود فهي غالبا ما تمزجه بالأبيض، بينما تعمدنا هنا أن نمزجه بالأصفر، وكانت النتيجة موفقة.. مزيج من الأسود والأصفر والأبيض. هناك قطعة أخرى أحبها، وهي «مولان» أو الطاحونة، نظرا لهندسيتها وطبقاتها المتعددة وجوانبها البيضاء بينما يظهر من بين ثناياها الأسود. وهي الأخرى عندما تتحرك تعطي لوحة بصرية متنوعة.. إنها تذكرني بدار أوبرا سيدني بهندسيتها.

* هل هذه أول مرة تستعمل فيها «شانيل» أشكالا هندسية؟

- نعم، فنحن استعملنا زهرة الكاميليا في مجموعات سابقة، لكنها كانت تحية لشكل الوردة نفسها، وهذه المرة ذهبنا إلى أبعد من ذلك وركزنا على الجانب الهندسي، وتحديد الزوايا وغيرها، لأخذها إلى مرحلة جديدة.

* هل هناك أي إيحاءات من عالم الأزياء في المجموعة؟

- ما من شك أن الكاميليا رمز من رموز الدار، وواحدة من جيناتها، لهذا لا بد أن تكون حاضرة في الـ«هوت كوتير»، لكن في الحقيقة نحن نستلهم من زهرة الكاميليا نفسها.

* قلت في بداية اللقاء إن نصف المجموعة انتقلت إلى هونغ كونغ، هل لا تزال السوق الآسيوية الأقوى في مجال الجواهر الرفيعة؟

- نعم، السوق الآسيوية لا تزال قوية بالنسبة لنا، لكن في الوقت ذاته نقدر أهمية السوق الخليجية، كما نقدر أسواق باريس وروسيا. لا نحاول أن نتوجه إلى سوق معينة أو زبون محدد، بل نحاول أن نكون متوازنين وأن نحرص على تقديم تصاميم تعكس الدار وتخاطب كل الأذواق بجمال تصاميمها. تصاميم يعرفها الناس ويتعرفون عليها من النظرة الأولى في كل أنحاء العالم.

* هل لاحظت أي تغيير في سوق الشرق الأوسط في ما يتعلق بأسلوب التسوق؟ في السابق كنا نسمع أن المرأة العربية تقتني الجواهر من باب الاستثمار لتورثها لبناتها وحفيداتها، لكن الآن نلاحظ أن الاستثمار يكون في اسم الدار المنتجة وتاريخها.

- أعرف جيدا أن مبيعاتنا زادت، ويمكنك القول إن النساء أصبحن يفكرن أكثر في قطع تعبر عنهن وتمنحهن السعادة أكثر من مجرد كونها استثمارا. وقد لاحظت بالفعل أن زبونة الشرق الأوسط تميل الآن أكثر إلى الجواهر المبتكرة، علما بأن هذا أمر لاحظناه أيضا لدى زبونات من جنسيات أخرى، أصبحن يقتنينها للحصول على ذلك الإحساس بالسعادة والثقة والتميز عوض اقتنائها لمجرد الاستثمار. فالجواهر لها علاقة بالعاطفة والأحاسيس، وهذا ما نحاول أن نعطيه لها، ما من شك أننا نحرص على استعمال أحجار بجودة عالية تحتفظ بقيمتها، لكن من أهدافنا أيضا الاستثمار في قوتنا.. قوة تكمن في خلق هذه القيمة من خلال التصميم وذلك الإحساس بالانتماء إلى الماركة.