روبي الروبي: تجربتي في تصميم ملابس فيلم «نينا سيمون» أرهبتني

المصمم السوداني الأصل قال لـ«الشرق الأوسط» استلهمت كثيرا من الخطوط والألوان من أزياء أمي

TT

المصمم روبي الروبي السوداني الأصل، حقق كثيرا من النجاحات والإنجازات في لندن بفضل أسلوبه في التفصيل الرفيع. وعلى الرغم من أن اسمه غير متداول، بحكم أنه لا يشارك في أسابيع الموضة وغيرها من الفعاليات، فإنه معروف لدى النخبة من الأثرياء ورجال وسيدات الأعمال، بالإضافة إلى السياسيين، مثل مارغريت ثاتشر، على سبيل المثال لا الحصر. لكن التصميم للسياسيين ورجال وسيدات الأعمال شيء، والتصميم للنجوم، أو بالأحرى لفيلم سينمائي شيء آخر، فاسمه في هذه الحالة لا يمكن أن يبقى خفيا على الناس، وهذا ما حصل عندما وقع عليه الاختيار لتصميم أزياء فيلم «نينا سيمون»، مغنية الجاز ذات الأصول الأفريقية التي اشتهرت، ليس بصوتها الحزين فحسب، بل أيضا بنشاطها السياسي في أميركا للمطالبة بحقوق السود. لهذا عندما وقع عليه الاختيار لتصميم أزياء الممثلة زوي سالدانا، التي تقمصت دور سيمون في الفيلم، شعر بأن المسؤولية مثيرة للرهبة بقدر ما هي الفرصة التي يمكن أن تفتح له أبواب هوليوود على مصراعيها. وهذا ما كان، فهو الآن عضو في نقابة المصممين السينمائيين، ووجه مألوف في الحفلات الهوليوودية الخاصة جدا. وبالنظر إلى الضجة الإيجابية التي يثيرها فيلم «نينا» لن نستغرب إن كرر التجربة في أفلام أخرى، خصوصا أنه يعترف بأنه استمتع بكل دقيقة واستفاد من التجربة إلى أقصى حد، على الرغم من الجهد الذي تطلبته في البحث والغوص في شخصية امرأة كان لها تأثير كبير على الساحتين الفنية والسياسية على حد سواء. ولا شك أن دوره الجديد كمدير فني لشركة «هانتسمان» العريقة في شارع «سافيل رو»، التي يعود تاريخها إلى 1849، سيكون دافعا له لإعطاء المزيد في هذا المجال. فـ«هانتسمان» سبق لها التعامل مع نجوم هوليوود، مثل غريغوري بيك وكاثرين هيبورن وغيرهما في السابق، وكانت لها مشاركة مؤخرا في السلسلة التلفزيونية الناجحة «داونتون آبي».

«الشرق الأوسط» أجرت معه لقاء هاتفيا من هوليوود، التي كان موجودا فيها لحضور حفل توزيع جوائز الأوسكار وحفل إلتون جون الخيري:

* عندما بدأت تصميم ملابس فيلم «نينا سيمون» استلهمت كثيرا من الخطوط والألوان من أزياء والدتي. فقد كانت من جيل مغنية الجاز الشهيرة، وعانقت نفس الموضة طوال الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي. نينا سيمون أيقونة بكل المقاييس. وأزياؤها كانت تعكس الكاريزما التي كانت تتمتع بها وأيضا مشوارها النشط والحيوي في أميركا في تلك الفترة.

* لكي أفهم تلك الحقبة جيدا وأنجح في إعطائها للممثلة زوي سالدانا التي قامت بالدور، درست كل الأشرطة المتوفرة على مواقع الإنترنت، كما درست تاريخ الولايات المتحدة الأميركية في الفترة التي عاشت فيها. كان علي أن أفهم حركة تحرير السود، معاناتهم وصراعهم من أجل التحرر، حتى أفهم كل أحداث التي عاشتها ومرت بها، ومن تم أتمكن من أن أعكسها من خلال أسلوب الأزياء. طرحت على نفسي جملة أسئلة منها: لماذا كانوا يلبسون ما يلبسونه وكيف كانت أزياؤهم وإكسسواراتهم تعبر عن البيئة والثقافة التي كانوا يعيشونها وغيرها من الأسئلة. اكتشفت أن أزياء نينا سيمون كانت تعبيرا واضحا عما كانت تريد أن تعكسه للآخرين، كما كانت تعبيرا عما كان يعتمل بداخلها، لهذا كانت مهمتي أن أقدم تصاميم تعزز من قوة الدور الذي ستقوم به الممثلة زوي سالدانا ويساعدها على تقمصه بسهولة مقنعة.

* أنا مصمم أزياء في المقام الأول، وأنوي أن أستمر وأتطور في هذا المجال، لا سيما بعد أن أصبحت المصمم الفني لشركة «هانتسمان» بـ«سافيل رو» الشارع المعروف بالتفصيل الرجالي، ويمكن القول إن تجربتي في تصميم ملابس الأفلام هي امتداد لتصميم الأزياء. فهناك كثير من القواسم المشتركة بينهم. فالانتباه إلى أدق التفاصيل جيد ومهم في أي مجال، وهو عنصر أساسي سواء في تصميم أزياء الموضة أو السينما. هناك أيضا معرفة شخصية المرأة التي ستلبسها، لهذا يعتبر الغوص في الشخصية في التصميم السينمائي هو الأهم وليس شخصية المرأة التي ستقوم بالدور، كما لا يجب أن يطغى التصميم على الشخصية، بل يجب أن يعززها ويساعدها على تبليغ رسالتها وتسجيل حضورها. الخلاصة التي خرجت منها من التجربة أن تصميم ملابس الأفلام جانب من تصميم الأزياء عموما ولا يختلف عنه كثيرا.

* لم أشعر بالرهبة من التجربة على الرغم من أنها الأولى من نوعها بالنسبة لي في مجال السينما، لأنه كان لدي الوقت الكافي، نحو عام، لدراستها والغوص فيها. وهذا وقت كافٍ لكي أفهمها جيدا، فضلا عن ثقتي المطلقة بأن الحرفيين الذي يعملون معي قادرون على تقديم المطلوب، وجعل كل قطعة تصرخ بشخصية نينا سيمون. كان من الطبيعي من القيام بتحضيرات وبروفات كثيرة لإنجاح المشروع، كما كان ضروريا أن أقابل الممثلة زوي سالدانا منذ بداية المشروع، لتجربة بعض القطع وأخذ المقاسات والتأكد من كل صغيرة وكبيرة، الأمر الذي ساعدنا كثيرا. فبينما كان على زوي سالدانا القيام بدور نينا سيمون، وهو ما قامت به على أحسن وجه، بعد ساعات طويلة يوميا في غرفة الماكياج، كانت مسؤوليتي أن أصمم أزياء نينا وليس زوي سالدانا.

* خرجت من التجربة وأنا أشعر بأنها أعطتني وعلمتني الكثير. فمنذ أن كنت طفلا صغيرا، وأنا أعشق متابعة الأفلام. كلما توفر لدي الوقت، كنت أذهب إلى صالات السينما لأتفرج على كل الإصدارات. وأدين لتجربة تصميم ملابس «نينا سيمون» بإدخالي هذا العالم من باب آخر أكثر متعة، بالإضافة إلى فرصة الوجود في هوليوود والعمل مع أشخاص لم أكن احلم يوما بمقابلتهم وجها لوجه. إنه إحساس رائع أن أكون حاضرا في هوليوود خلال حفل توزيع جوائز الأوسكار تحديدا. فقد حضرت معظم الحفلات الجانبية قبل وبعد الأوسكار، والتقيت نجوما كنت أراهم على شاشات السينما، ولم يخطر ببالي أنه سيأتي اليوم الذي سأتبادل معهم أطراف الحديث في جو حميمي، أو أسهر معهم إلى الصباح.

* هوليوود، حسبما عشت هذا الأسبوع، هي مدينة السهر والعيش الرغيد، أو هذا ما تهيأ لي طوال هذه المدة. فقد أثبتت لي أن صناعة الحفلات فيها مزدهرة. وأجمل ما في هذه الحفلات، أنه لا يسمح لوسائل الإعلام بدخولها، مما يجعل الكل مرتاحا يتصرف على سجيته وطبيعته. في العام الماضي، مثلا، حين قابلت ميريل ستريب في الليلة التي سبقت فوزها بجائزة الأوسكار عن فيلم «مارغريت ثاتشر» تحدثنا طويلا عن مارغريت ثاتشر، والتصميم الذي طلبته مني لحضور جنازة الرئيس الأميركي السابق، رونالد ريغان. كان الحديث معها متعة لا يمكن وصفها خصوصا أن والدتها كانت خياطة، الأمر الذي لم أكن أعرفه من قبل، وجعلها تفتح لي قلبها لنتحدث عن بعض تفاصيل المهنة. فهذه الأحاديث الجانبية واللقاءات يمكن أن تحصل عندما يكون الكل مرتاحا وغير قلق من التقاط أحد الباباراتزي له صورا في لقطة لم يحسب لها أي حساب.

* أشعر بنوع من النشوة أو القناعة بما قدمته من أزياء أيقونية ومعبّرة في فيلم «نينا سيمون». فالأزياء التي تسجل حقبتي الخمسينات والستينات من القرن الماضي كانت مبهرة في قصاتها وتفاصيلها، وأيضا في تعبيرها عن حالة الاستقلال، أو الاستقلالية. فتصميم الأزياء مهم جدا في أي فيلم، لأنه يجعل الشخصية تبرز أكثر من ناحية أنه يعطيها نوعا من الحركة والحياة، كما تساعد الممثل على تقمص الشخصية بشكل أكثر إقناعا.

* كوني من أصول أفريقية ونينا سيمون أيقونة من جذور أفريقية، أشعرتني بأن المهمة التي أنيطت بي وسام شرف سيبقى معي مدى الحياة. فنينا ليست أيقونة غناء فحسب، بل ناشطة سياسية مؤثرة في حركة المطالبة بحقوق السود في الستينات. وهذا يعني أنه كان لزاما عليّ أن أصمم كل قطعة بشكل يعكس كل وجوه شخصيتها وتوجهاتها والحقبة التي كانت تعيشها. لا أنكر أن المهمة كانت تحديا كبيرا، لكنها أيضا كانت تجربة ممتعة للغاية لا أمانع في تكرارها، وهو ما لا أستبعده بعد التحاقي كعضو في نقابة تصميم أزياء السينما بهوليوود، مؤخرا. فهذه العضوية تفتح أمامي فرص المشاركة في أفلام أخرى في المستقبل.

* الفضل في حصولي على هذا الشرف أو المهمة يعود إلى أصدقائي ومعارفي من العاملين في مجال السينما. كنت أحرم أن ادخل هذا المجال، لأنه كان بمثابة خطوة طبيعية لأن أثبت أقدامي في عالم السينما. فهو مجال إبداعي جديد سيضاف إلى تاريخي ومسيرتي كمصمم أزياء.