باريس.. تنهي دورة الموضة لخريف وشتاء 2013

TT

باريس هذا الأسبوع أكدت مرة أخرى أنها سيدة الموضة بلا منازع. ولأنها لا تريدنا أن ننسى ذلك، فإنها لا تأخذ نفسها بجدية فحسب، بل تتعامل على أنها تقدم فنا قائما بذاته، سواء كان هذا الفن يستمد روحه وملامحه من الفن المعاصر أو «الباروك» وغيرها من الفنون التي أثرت حياتنا وأصبحت جزءا من خزاناتنا. على هذا الإيقاع، عاشت باريس، وعلى مدى ثمانية أيام عرسا أنهت به دورة الموضة العالمية لخريف وشتاء 2013 - 2014. فمثلا راف سيمونز، استقى أفكار تشكيلته الأخيرة من أعمال آندي وورهول أو رينيه ماغريت، الذي كانت تربطه بكريستيان ديور صداقة وطيدة، فيما عادت دار «بالمان» إلى فن الباروك، و«بالنسياغا» فتحت صفحة جديدة من تاريخها مع المصمم الأميركي ألكسندر وانغ، الذي أسكت العديد من المشككين في إمكانياته بأول تشكيلة يقدمها لدار لا تزال تعيش على مجد اسم مؤسسها؛ كريستوبال بالنسياغا. فما إن يذكر اسمه حتى تتبادر إلى الذهن الأشكال الهندسية والمنحوتات التي صاغها من أقمشة ولا تزال الدار تلعب عليها وتحاول أن تترجمها بلغة معاصرة.

* راف سيمونز أكثر جرأة.. أكثر ثقة.. أكثر إبداعا

* بعد عام يقدم أجمل تشكيلة له لدار «ديور»

*الاتفاق بين راف سيمونز وكل من راهن عليه منذ أكثر من عام تقريبا، كان واضحا: أن يتحفهم بتصاميم مفعمة بالأنوثة وفي الوقت ذاته تضج بالحداثة. الصفقة بينه وبين «ديور» أيضا كانت بسيطة؛ وهي أن يكتب لها فصلا جديدا يضمن لها النجاح التجاري والفني على حد سواء.

وفي كلتا الحالتين وفّق البلجيكي الشاب، وأوفى بالوعد، بدليل تشكيلته لخريف وشتاء 2013 -2014، التي أكد فيها أنه فك ألغاز «ديور» أخيرا وفهم شخصيتها بعد أن اعتقد البعض أنها استعصت عليه في البداية. فمما لا شك فيه أنها كانت أجمل تشكيلة يقدمها لها منذ أن التحق بها منذ نحو العام تقريبا. بدا فيها واثقا وأكثر جرأة في ترجمته لبعض رموزها القديمة، ومستعدا لأن يدخل عليها أسلوبه الخاص من دون رهبة أو تهيب من اسمها الكبير. فإلى جانب عنصر الرومانسية التي اتسمت به تصاميم المؤسس، السيد كريستيان ديور في الأربعينات والخمسينات، وألوانه المفضلة، مثل الرمادي، كانت هناك لفتة قوية لعشقه للفن المعاصر والسريالي. وهكذا خلال سنة واحدة، نجح راف سيمونز في أن يغوص في وجدان الدار ويغير ملامحها، بادئا بتفكيكها من المبالغة المسرحية التي التصقت بها لفترة وكانت تسحر الحضور أكثر مما كانت تبيع. الرئيس التنفيذي للدار، سيدني توليدانو، لم يخف رضاه عن مصمم الدار الجديد، قائلا إنه أضاف لها عمقا جديدا وأشعل فيها إحساسا بالفضول.. «نحن نكتشف أشياء جديدة معه.. هذا جميل، فأنا أشعر أني شاب مرة أخرى». وهذا تحديدا ما يلخص التشكيلة، تلك الروح الشابة التي اكتسبتها فجأة من خلال الخطوط البسيطة والواضحة حتى في أقصى حالاتها السريالية.

كان كل ما في العرض، من إكسسوارات مسرحية وإضاءة بدءا من الكرات الضخمة ذات اللون المعدني الفضي التي تراصت على الممشى لتخلق تعرجاته، إلى الموسيقى الغريبة، يتوجه إلى المستقبل رغم أن التشكيلة كانت تلفت بحنين إلى رومانسية الخمسينات.

تجلت هذه الرومانسية الحالمة في الخطوط الناعمة التي تتضمن بين طياتها أنوثة صارخة مع لمسات هندسية هنا وهناك ظهرت على وجه الخصوص في بعض المعاطف والبنطلونات المعدودة والجاكيت «البار» الذي يعتبر جزءا من جينات الدار، بخصره المشدود. لكن في جرأة غير مسبوقة، تعرضت هذه القطعة الأيقونية إلى تغيير طفيف جعلها أكثر راحة عما كانت عليه من قبل؛ فقد أبعدها قليلا عن الخصر حتى لا تشده بقدر ما تبرز جمالياته فحسب، وهو ما لم يتجرأ عليه أحد من قبل، وهو أيضا ما يشير إلى ثقته المتزايدة في الدور المنوط به لكي يحمل الدار إلى المستقبل وأن لا يستكين للماضي وأمجاده فحسب. بعبارة أخرى عليه أن يحترم الرموز لا أن يتقيد بها ويستنسخها، وهذا ما قام به، خصوصا أنه لم يلغ أسلوبه الحداثي تماما، بل زاوجه برومانسية الدار واحتفالها بالأنوثة، لتكون النتيجة معاصرة في كل قطعة من الـ48 قطعة التي تهادت بها العارضات واستحضرت في كثير من جوانبها العصر الذهبي لـ«ديور».

كانت 20 دقيقة سريالية بكل المقاييس، ليس لأنها اعتمدت على الدراما والمبالغة أو الفانتازيا، بل لأنها جعلت كل الحاضرات يعشن الحلم، وهو إحساس غاب في الكثير من العروض هذه السنة عموما، ومن دار «ديور» لفترة. والفضل يعود للترجمة الرائعة التي قام بها راف سيمونز لأرشيف الدار وغوصه العميق في رموز مثيرة ركز فيها على السنوات العشر الأولى للمؤسس، مبررا ذلك بقوله: «أردت المقارنة بين سنواته العشر الأولى وسنواتي الأولى في الدار أيضا». وربما هذا ما يفسر أشكال الورود التي كان يعشقها السيد ديور وقلما غابت عن عروضه، وظهرت هنا في كثير من القطع، بما فيها فستان أسود من الجلد يبدو بسيطا من الأمام لكن تظهر من خلفه وردة ضخمة متفتحة، بالإضافة إلى أشكال ورود أخرى طرزت على فساتين من الموسلين والحرير. وطبعا كان هناك كلب الصيد الذي يعتبر أيضا من الرموز القديمة.

ضمت التشكيلة أيضا كورسيهات ناعمة ومطرزة وتنورات بطيات مبتكرة، أحيانا أدخلت عليها رشات خفيفة من الوردي لإنعاشها، كما كانت هناك فساتين من الجلد وأخرى من الكروشيه إلى جانب الفرو والموسلين والحرير وغيرها من الخامات المترفة التي زادتها التطريزات فخامة. وفي حين كان الأسود والرمادي والأزرق النيلي من ألوان الدار الكلاسيكية الحاضرة، فإن المصمم البلجيكي أدخل أيضا ألوانه المفضلة مثل الوردي بدرجات سكر بنات، على سبيل المثال، مما أضفى عليها حيوية أكبر. وهنا لا بد من التنويه بأنه المسؤول عن تسويق ألوان النيون لنا. فمنذ سنوات، أي منذ عهده في دار «جيل ساندر» وهو يطل علينا بها حتى تم تقبلها ومعانقتها في المواسم الأخيرة. في دار «ديور» كبح جماح حبه للألوان المتوهجة واكتفى بالدرجات الهادئة هذه المرة. وفي المقابل وجد في الإكسسوارات فرصته لإطلاق العنان لخياله، إذ رسم على العديد منها صورة حذاء لتستحضر للأذهان منذ النظرة الأولى الفنان آندي وورهول، خصوصا أنه تعاون فيها مع مؤسسة «آندي وورهول» في حقائب يد ستتوفر بعدد محدود.

ومما لا شك فيه أن هذه الرسومات أضفت على الحقائب، بما فيها حقيبة الـ«لايدي دي» الأيقونية، الكثير من الحداثة والحيوية، بالإضافة إلى الأحذية نفسها التي جاءت بكعوب هندسية فنية لا يمكن إلا أن تخاطب وترا حساسا بداخل كل امرأة تريد التميز. فالجميل فيها أن المصمم، وبحكم أنه ينتمي إلى المدرسة البلجيكية للتصميم من جهة، وبحكم أنه درس التصميم الصناعي، من جهة ثانية، حرص فيها على أن تكون مريحة وأن لا يتعارض الابتكار والفنية مع هذه الراحة، وبالتالي تشعر بأنه يمكن المشي عليها بسهولة، على العكس من كثير من الأحذية التي تطل علينا من عروض الأزياء عموما.

وحتى لا يُبعد زبونة «ديور» الكلاسيكية أو يشعرها بأنه أدار ظهره لها، فقد قدم لها مجموعة من القطع التي تخاطبها، مثل معطف مفصل وفساتين بتقنية الدرابيه فضلا عن الجاكيت المفصل عند الخصر، وإن كان غير مشدود بشكل كبير، والبنطلون المستقيم.

* ألبير إلبيز.. تنوع يخاطب امرأة بعدة وجوه

* كل شيء يزيد عن حده ينقلب إلى ضده إلا في «لانفان»

* يتمتع المصمم ألبير إلبيز بقدرة عجيبة على جعلك تشعر بالسعادة حتى قبل أن يبدأ العرض. فهو يحرص دائما على أن يجعل عروضه بمثابة حفل خاص تشعر فيها بنوع من التحرر والهروب من ضغوط يوم طويل، وتوزع فيه المشروبات وقطع الحلوى أو «البوب كورن» هذه المرة. هدفه أيضا أن لا يشعر الحضور بالملل وبوطأة الانتظار، وحتى يشعروا بنوع من الحميمية وهم يتجاذبون أطراف الحديث أيضا. لكن هذا الإحساس بالسعادة لا يقتصر فقط على المكان والأجواء، بل يمتد للأزياء أيضا، نظرا لقدرته على أن يشعر كل واحدة من الحاضرات بأن كل قطعة يقدمها تخاطبها هي شخصيا، أي وكأنه وضعها نصب عينيه عندما عكف على تصميمها. قدم نحو 52 قطعة أخذتنا في رحلة تقفت أساليب عدة من الثلاثينات والأربعينات والخمسينات إلى اليوم، كما عرج إلى عالم الكائنات البرية من نباتات وكائنات حية رسمها على الكثير من القطع.

لكن ربما كان أكثر ما يثير في هذا العدد ذلك التنوع الذي كان من الممكن أن يضيع فكرة ورؤية أي مصمم غير محنك، وهو ما لا ينطبق على إلبيز. فإلى جانب إمكاناته الإبداعية، يتمتع بقبول من قبل الكل، وهذا ما يجعل الكل يتعامل معه على أساس أنه عبقري لا يمكن أن يخطئ. ما يشفع له أيضا قوله إن هذا الكم من الأساليب كان نابعا من رغبته في تسهيل حياة المرأة ومنحها كل ما تحتاجه لكل المناسبات.

ألبير إلبيز، يكرر في كل لقاءاته أنه يفهم ضغوط الموضة وكيف تزيد ثقلا موسما بعد موسم ليس بالنسبة للمصمم فحسب؛ بل أيضا بالنسبة للمرأة المواكبة لمتغيراتها وتطوراتها. فهي قد تصاب بالحيرة ولا تعرف كيف تختار ما يناسبها، لهذا ارتأى أن يقدم لها الحل من خلال تشكيلة من المستحيل أن لا تجد فيها ما يروق لها أو تتطلبه حياتها سواء كان ذلك فستانا أو معطفا مفصلا أو تنورة منسدلة، أو بنطلونا وجاكيتات.. وهلم جرا. وفيما قد تجد بعض النساء التفاصيل الواضحة، مبالغا فيها في بعض الأحيان، إلا أنها دائما ما تتضمن جمالية قد تخفى عن العين للوهلة الأولى، لكنها سرعان ما تتضح وتصبح أكثر قبولا، بدءا من النقوشات التي تجسدت مثلا على شكل وردة ضخمة مرسومة على جانب فستان، أو فراشات غطت قميصا.. وهكذا. وكأن هذه النقوشات والتفاصيل لم تكن كافية، فقد نسق الكثير من القطع بإكسسوارات ضخمة كتب عليها رسائل متنوعة تعبر إما عن السعادة أو الحب وغيرها. ورغم أن الإحساس الأولي هو أن التشكيلة تخاطب عدة نساء وأساليب، فإنه ما إن تمر دقائق حتى تتبين أنه لا يخاطب سوى امرأة واحدة، لكنها بعدة وجوه ومسؤوليات ومناسبات. فهي قد تحتاج تايورا للنهار وأماكن العمل، ما إن تضيف إليه وشاحا من الفرو حتى يكتسب لمسة مترفة ومختلفة تجعله مناسبا لدعوة غداء أو عشاء. لكنها في كل الحالات قوية بدليل أن أحذية الـ«باليرينا» أو الكعوب العالية جدا حلت محلها أحذية من دون كعوب مستوحاة من «أكسفورد» الرجالية، غيرت من مشية العارضات وأكسبتهن ثقة وقوة وحرية.

* «نينا ريتشي» ورقصة البجع

* بيتر كوبينغ.. بريطاني في دار فرنسية

* منذ فترة ودار «نينا ريتشي» تداعب حواسنا بعروضها على كل المستويات، بما في ذلك الموسيقى والديكورات وغيرها من المؤثرات. في الموسم الماضي، تساقطت من السقف رقائق ورقية وكأنها تزف العارضات في أجمل عرس، وفي الأسبوع الماضي حولت القاعة المنصوبة في حدائق الـ«تويلريز» إلى مسرح مفروش بالسجاد الأحمر توسطه بيانو ضخم كان يعد الحضور بطبق دسم للحواس. وهذا ما كان، فقبل العرض بدقيقة تقريبا خرجت الأختان كاتيا ومارييل لوبيك، الموسيقيتان المعروفتان لتعزفا مقطوعة لفيليب غلاس تهادت على نغماتها العارضات. المصمم بيتر كوبينغ قال بعض العرض إن الملياردير إكرام غولدمان، صاحب المحلات الأميركية الشهيرة، هو الذي عرفه بالأختين وأعطاه فكرة الاستعانة بهما، خصوصا أن تشكيلته، في كثير من جوانبها، تعكس خفة الباليه، بنعومتها الأنثوية. وبالفعل؛ ففي أحيان كثيرة، تشعر بأنك تتابع نسخة جديدة من رقصة البجع تتراقص فيها العارضات بألوان متنوعة عوض الأبيض وحده. فقد كانت هناك ألوان الأسود والأحمر والأبيض بالطبع، لكن هذا الإحساس كان يزداد قوة كلما ظهرت العارضات بقطع من الدانتيل وأحذية مستوحاة من الـ«باليرينا». تفسير المصمم دائما عندما يسأل عن أقمشته، أنه يريد التركيز على «الجانب الناعم لـ(نينا ريتشي)» مضيفا أن «المرأة حاليا لا تبالي بالأقمشة الثقيلة والسميكة».

صحيح أن المصمم بيتر كوبينغ، البريطاني الأصل، لم يتسلح بالكثير من الجرأة في هذا العرض، ولم يقدم جديدا بالمعنى الثوري بقدر ما راعى أن الدار فرنسية، أو بالأحرى باريسية ويجب أن تبقى كذلك، إلا أن ما يحسب له أنه كان يعرف ما يريد تقديمه، والمرأة التي يتوجه لها، لتكون الحصيلة قطعا مثيرة للحواس، لكن دائما بذوق رفيع بعيد كل البعد عن الابتذال، حتى عندما كانت الفساتين قصيرة جدا أو بصدر مفتوح أو دانتيل غير مبطن يكشف أكثر مما يخفي. كانت هناك أيضا لمسة «فينتاج» لا تخطؤها العين أخذتنا إلى بدايات «نينا ريتشي» والأسس التي بنيت عليها. لكن هذا لا يعني أن كل التشكيلة بُنيت على الدانتيل والموسلين والأقمشة الشفافة، فقد كانت هناك قطع من الصوف، سواء على شكل تنورات أو كنزات من الكشمير مع قطع محدودة استعان فيها بالفرو. الدراما الوحيدة في هذه التشكيلة تمثلت في تفاصيل زينت بعض القطع أغلبها من ريش النعام، مثل فستان جمع فيه الريش مع الدانتيل مع بليسيهات ناعمة حول العنق

* «كلوي» تكبر وتزداد قوة

* كلير وايت كيلر، مصممة أخرى تلمست طريقها في دار فرنسية وغاصت في أرشيفها لكي تفهم جيناتها، وأثمرت محاولاتها تشكيلة تجمع القوة بالنعومة والعملية بالأناقة.

يذكر أن «كلوي»، التي أسستها غابي أنيون في الخمسينات، كانت أول دار أزياء جاهزة بالمعنى الذي نعرفه الآن، لهذا لم يكن غريبا أن يكون كل ما في التشكيلة يؤكد هذا الواقع. فكل قطعة، يمكن ارتداؤها الآن، سواء كانت المناسبة نزهة ريفية أو سهرة، مؤكدة أن البريطانية التي التحقت بالدار منذ بضع سنوات فقط، خلصتها تماما من عقدة فيبي فيلو، مصممة «سيلين» الحالية، التي كانت أكثر من حقق لها النجاح التجاري والفني. مما لا شك فيه أن التحدي كان كبيرا، لكن كلير كانت بمستواه بدليل تشكيلتها هاته، التي يمكن القول إنها أجمل ما قدمته منذ التحاقها بها، وأقوى ما قدمته الدار منذ سنوات. المعاطف التي استهلت بها العرض تميزت بروح إنجليزية قوية، من ناحية تصميمها وتفصيلها وألوانها وكذلك جيوبها وقلنسواتها الضخمة التي تستحضر الأسلوب العسكري، تلتها بمجموعة من الفساتين المنسابة والمنطلقة، بعضها ببليسيهات، والبعض الآخر بتفاصيل مبتكرة عند الأكتاف أو الخصر أو بسحابات طويلة عند الظهر، بينما كان القاسم المشترك بينها هو طولها الذي يغطي الركبة. مثل ألبير إلبيز، لعبت كيلر على مفهوم القوة، لكن من نوع مختلف.. فهي هنا قوة تستمدها المرأة من صديقاتها وحالة التواطؤ التي يمكن أن تجمع بينها وبينهن. في الموسم الماضي، مثلا، كانت لا تزال فتاة صغيرة تريد أن تنطلق وتلعب، لكنها هناك استقوت ونضجت وتريد أن تثبت نفسها، الأمر الذي انعكس على التصاميم العملية التي افتقدت إلى الكشاكش مثلا.

* «بالنسياغا».. تدخل عهدا جديدا مع ألكسندر وانغ

* لم يبالغ الراحل كريستيان ديور عندما وصف المصمم الإسباني كريستوبال بالنسياغا قائلا: «إنه المايسترو وكلنا، نحن المصممين، مجرد موسيقيين». فرغم أن اسمي «شانيل» و«ديور» لا يزالان في العرف الفرنسي أهم مؤسستين ثقافيتين تدعوان للاعتزاز، فإن اسم بالنسياغا لا يزال يثير الكثير من الاحترام لدى كل المصممين والفنانين ومواكبي الموضة. لهذا كله لم يكن غريبا أن يكون عرض الدار في الأسبوع الماضي من العروض التي تم انتظارها بفارغ الصبر. السبب ليس تاريخها أو اسمها الذي أصبحت له رنة الذهب فحسب، بل لأننا كنا على موعد مع ما سيقدمه له الشاب ألكسندر وانغ. فهذه كانت أول تشكيلة له لها، بعد أن تسلم المشعل من المصمم السابق نيكولا غيسكيير. صحيح أن وانغ مصمم يفهم نبض الشارع ويتقن الأسلوب الـ«سبور» الأميركي، بل وربما يكون خير من يمثله من المصممين الشباب، لكن هذا لم يمنع أن يستغرب البعض أن يقع عليه اختيار دار عرفت بأسلوب هندسي وفني يجعل كل قطعة بمثابة تحفة فنية. هذا بالإضافة إلى أن نيكولا غيسكيير الذي تولى قيادتها لنحو 15 عاما حقق عدة نجاحات بعد أن أخذها إلى منحى جديد قد يكون أكثر بريقا، لكنه حافظ طوال فترته على فنية التفصيل، محترما بصمات المؤسس. وهذا يعني أنه أبقاها تخاطب النخبة وامرأة تريد التميز والتفرد أكثر من مخاطبته شرائح أكبر، وربما هذا هو سبب عدم رضا مجموعة «بي بي آر» عليه الذي نتج عنه استغناؤها عنه. في لقاء له مع محطة «سي بي إس» قال فرنسوا هنري بينو، المالك للمجموعة إن وانغ شاب صغير يعانق ثقافات عديدة، فهو أميركي من أصول صينية، حيث تعيش عائلته في شانغهاي، كما أنه يتكلم لغة المندرين ويتمتع بشعبية كبيرة في الصين، بدليل أنه افتتح محلا كبيرا في بيجين. وهذا ما يفسر اختيار «بي بي آر» له في هذه الفترة تحديدا، حيث العيون كلها موجهة لأسواق آسيا والصين خصوصا، ثم إن «بالنسياغا» لها استراتيجية واضحة أعلنت عنها منذ فترة، تتمحور حول التوسع في هذه السوق وافتتاح محلات جديدة فيها.

كان العرض مثيرا، ما إن انتهى حتى خرج الحضور بنتيجة واحدة وهي أنه إذا كان هدف مجموعة «بي بي آر» المالكة للدار من توظيفه هو مخاطبة شرائح جديدة وجعل الدار تتكلم لغة التسويق السهل بسلاسة أكبر، فإنها كانت تعرف تماما ماذا تريده من المصمم كما تعرف إمكاناته وقدراته، فقد أنجز المهمة على أحسن وجه.

من جهته، أعرب ألكسندر وانغ، البالغ من العمر 29 عاما، عن أن عرضه الأول هو «الفصل الأول» من قصة جديدة، مضيفا أن الراحل بالنسياغا نفسه كان سابقا لعصره وجعل كل شيء «يتكلم لغة عصره». والمقصود هنا أن المصمم الشاب سيتطلع لإرضاء «بي بي آر» بتحقيق النجاح التجاري وذلك بالتركيز على مخاطبة شرائح أكبر وأسواق أوسع، عوض جعل أزيائه نخبوية أولا وأخيرا. ومع ذلك، فهو لم يتنصل تماما من جينات المؤسس ورموز الدار كما أرساها، فقد كانت هناك الكثير من القطع المفصلة بشكل بعيد عن الجسم، وهو الأسلوب الذي تبناه الراحل كريستوبال حتى يختلف عن كريستيان ديور الذي كان يميل إلى تحديد الخصر ليظهر نحافته واستدارة الجسم. وانغ قدم أيضا الكثير من القطع المفصلة التي تحدد الخصر من الأمام، لكن جعلها تتسع وتنتفخ من الخلف، بينما جعل الأكتاف أكثر استدارة، تماما كما تصورها كريستوبال من قبله، من دون أن ينسى أن يضيف عليها شقاوته من خلال زخرفات أو تفاصيل من الفرو، مثلا. لكن رغم نجاح وانغ في أول محاولة له للدار، فإنه يطغى عليك الإحساس أحيانا بأنه قد يكون خلط بين أسلوب مؤسس الدار كريستوبال بالنسياغا، وأسلوب غريمه في تلك الفترة كريستيان ديور، بالنظر إلى بعض القطع التي اعتمد فيها على الطيات ومعانقة الخصر والكورسيهات.