النميمة.. بين الإيجابية والسلبية

دراسة هولندية تقول إنها نافعة وإيجابية في أماكن العمل والتجارب تقول العكس

TT

تعتبر الأحاديث التي تدور في أروقة مكاتب العمل بين الموظفين عادة حاول الكثير من أرباب العمل الحد منها في المؤسسات والشركات التي يديرونها. فهي برأيهم مضيعة للوقت وتؤدي إلى التقصير في مهامهم، كما أنها تولد أجواء متوترة في الكثير من الأحيان مما يؤثر على سير العمل وإنتاجيته. لكن هذا الاعتقاد خاطئ بدليل دراسة قام بها فريق من الباحثين في علم النفس في هولندا أفادت أن هذا النوع من النميمة يحسن من أداء الموظفين ويجعلهم أكثر اندماجا، مما ينعكس إيجابا على أجواء العمل.

وكشف الدراسة أن 9 من أصل 10 من المحادثات بين الموظفين تدور بغالبيتها حول القيل والقال ولكنها لا تكون ضارة إلى حد خلق نوع من الغضب والعصبية بقدر ما تجعلهم أكثر تحديا وتحفزا.

وقال عدد من علماء النفس بجامعة «أمستردام» إن «هذه النميمة الإيجابية، يلجأ لها بعض الموظفين لتحذير زملاء العمل من البعض الآخر لتكاسلهم وعدم انضباطهم، الأمر الذي يكون بمثابة مؤشر كافٍ لنبذ الكسل وعدم الانضباط».

وأوضحت الدراسة، التي نشرت في مجلة علم النفس الاجتماعي التطبيقي، أن المؤسسات يمكنها الاستفادة من القيل والقال الذي يحفز على المنافسة الصحية وزيادة الإنتاج، على عكس المحادثات الخبيثة التي تدور بين البعض ويكون الهدف منها التجريح أو الدخول في خصوصيات لا علاقة لها بالعمل.

ويأتي انتقاد العامل غير المنضبط وطريقة أدائه البطيئة إضافة إلى تصرّفاته غير اللطيفة من خلال تذمّره الدائم أكثر المواضيع المتناولة بين الموظفين، لا سيما الذين يشعرون بأن أعمال المكتب في غالبيتها تقوم على شخصهم فقط. كما تأتي أناقة الموظف وترتيب هندامه ونظافته في المرتبة الثالثة من سلّم الانتقادات وطبيعة أحاديث القيل والقال السائدة بين زملائه.

وما يجري في مكاتب العمل في هولندا لا يختلف كثيرا عما يجري في بلدان أخرى أجنبية وعربية. يقول مروان شديد صاحب مؤسسة تجارية في بيروت إنه حاول في بداية مشواره المهني أن يفرض نظام عمل جدّيا بين موظفيه ينبذ النميمة تماما، إلا أنه ما لبث أن لاحظ تململهم من هذا الأسلوب. فقد ترك بعضهم المؤسسة مبررين ذلك بانزعاجهم من الجو العام في مكتب العمل والذي يذكّرهم، كما قالوا، بأجواء الدراسة في الصفوف الابتدائية. لهذا اضطر أن يغير أسلوبه وأن يصبح أكثر مرونة وأقل عصبية معهم فسمح لهم بالتحدث في أمور حياتية ويومية بعد أن كان ذلك ممنوعا منعا باتا لاعتقاده أنه يلهيهم عن أداء واجباتهم. ويتابع: «لا شك أن هذه الدراسة فيها الكثير من الصحّة ولكن لا يمكن أن أفتح باب القيل والقال على مصراعيه، فمنه ما قد يؤذي الموظّف المستهدف ويجعله ينعزل عن الآخرين فتفلت زمام الأمور من بين يدي، لذلك حاولت قدر الإمكان التوفيق بين مركزي كمدير وبين موقفي الإنساني كصديق فأصبح الجو العام مقبولا وأنا راض عن طبيعة النميمة السائدة في مؤسستي».

من جهتها تعترف ناديا داغر، وهي موظفة في مصرف، أن أجواء النميمة في العمل تدفعها أحيانا للتغيّب عن دوامها لأنها تشعرها بالاشمئزاز والتوتر وهي لا توافق على ما جاء في الدراسة وتؤمن بالمثل القائل «لسانك حصانك أن صنته صانك». فهذا «هو الأجدر بنا اتباعه في مكاتب العمل».

من جهتها ترى الاختصاصية الاجتماعية د. دولت خنافر، أن النميمة بحدّ ذاتها صفة سلبية لمن ينتهجها، لذلك تستبعد أن تنعكس إيجابا في أي مكان تمارس فيه، وتقول: النميمة في معناها الصحيح هي التحدث عن الشخص الآخر في غيابه، وتناوله بأمور قد لا تكون صحيحة. وأنا شخصيا اعتبرها غير أخلاقية في المطلق وفي اعتقادي أن من يمارسها هو شخص غير ناضج. وتضيف: «فكما نعلم أن المنافسة تلعب دورا في النجاح الوظيفي والبعض يلجأ إلى الكلام المسيء لزميل أمام رؤسائه لإيصال صورة سلبية عنه وليعزز مكانته لديهم. وفي أكثر الأحيان يكون كلامه مختلقا وغير صحيح يمارسه للاستئثار برضا وثقة رؤسائه».

وتختم الاختصاصية الاجتماعية بالقول إن هذا السلوك قد يكون له إيجابيته في حالة واحدة، وهي إذا كان من تطاله سهامه قويا، بحيث يعمل جاهدا ليعطي صورة أفضل تخالف ما يقوله عنه الآخرون، مما ينشّط الأداء الوظيفي لديه ولدى من نمّ عليه مما ينعكس إيجابا على أجواء العمل ككل.