ماريا غراشفوغل لـ «الشرق الأوسط»: الموضة قادرة أن ترفعك من الثرى إلى الثريا في ثوانٍ

المصممة البريطانية لم تدرس في معهد موضة.. وحققت العالمية

TT

عند مقابلة أية مصممة أزياء، فإنها غالبا ما تقول بأنها تستلهم كثيرا من القصات وأفكار التصاميم من أسلوبها الخاص كامرأة، وملاحظتها للصديقات والمقربات من بيئتها. في حالة المصممة ماريا غراشفوغل، فإن الأمر لا يبدو مطمئنا عندما تقول ذلك، فهي فارعة الطول وبرشاقة العارضات السوبر، ولا تختلف عن النساء اللواتي يحطن بها من «النخبويات» والنجمات المعجبات بتصاميمها من مثيلات فيكتوريا بيكام، التي ظهرت في عرضها في عام 2000، والنجمة الأميركية سكارلت جوهانسون وغيرهما. لكن ماريا تفاجئني باعترافها أنها مقاس 12 وليس مقاس 6 أو 8 كما يتبادر إلى الذهن من النظرة الأولى. عندما ترى نظرة الاستغراب إلى حد عدم التصديق، تضيف مبتسمة أن السر في طريقة ارتداء الأزياء وتنسيقها مع بعض بشكل يخدم الجسم أيا كانت مقاييسه. فهذه هي الوصفة التي تتبعها في التصميم: «يولد أي تصميم كنموذج على قماش (الكنفا)، أجربه على كل من عملن معي حتى أتأكد من القصة ومدى مناسبتها للكل، وهذا أسلوب لا أغيره، فكل واحدة في المعمل، لها مقاييس مختلفة، هناك النحيفة وهناك الممتلئة، وهناك الطويلة التي تتميز بصدر ضامر مثلي، وهناك القصيرة. وهذا هو المطلوب بالنسبة لي، لأن المرأة التي أتوجه لها بتصميماتي متنوعة. من هذا المنطلق، أستعين بما لا يقل عن خمس نساء بمقاس 10، لأن لكل واحدة شكل مختلف عن الأخرى، حتى أتمكن من قص القطعة بطريقة تناسبهن كلهن. عندما أتأكد من هذه النقطة وأرضى عنها تماما، أبدأ في اختيار القماش واللون. أحيانا يلهمني التصميم، فأغير رأيي وأفضل عوض لون واحد، أن أرسم نقوشات تتماوه على شكل الجسم لتبرز جمالياته وتزيده رشاقة. بعد ذلك أقرر طريقة إنهاء القطعة، أي الانتباه إلى كل التفاصيل المهمة، قبل أن أبدأ جلسة أخرى لتجربة المقاسات للمرة الأخيرة والتأكد من أن كل شيء في مكانه. في هذه المرحلة أستمع لتعليقات العاملات معي ورأيهن، وكيف يشعرن عند ارتداء كل تصميم في صورته النهائية. عندما أرضى عنه تماما يمكنني أن أقول إن القطعة انتهت».

لكن الأزياء، بالنسبة لماريا، ليست مجرد تصاميم أنيقة تروق للعين، بل لها منظور نفسي لا يقل أهمية. فنحن نستعملها، بوعي أو لا وعي، كوسيلة للتعبير عن النفس وما نطمح إليه. وتشير: «لا يختلف اثنان على قوة تأثيرها، سواء من حيث تغييرها حالة مزاجية نمر بها أو تعزيز ثقتنا بالنفس. فأحيانا ما إن يلبس أي منا قطعة أزياء معينة حتى يشعر بالسعادة والرغبة في الخروج ومقابلة الناس، بعد أن كان خاملا وليس له أي رغبة في ذلك.. في ثوان يمكن أن ترفعك الأزياء من الحضيض إلى سابع سماء.. وهذه هي مهمتي».

تعود بداية ماريا غراشفوغل في عالم التصميم إلى عام 1991، لكن نقطة التحول كانت في عام 1994، حين شاركت بشكل رسمي في أسبوع لندن للموضة. أما هي فتقول إن البداية كانت وعمرها لا يتعدى الثامنة من العمر: «عندما كنت أتصفح مجلة (فوغ) الضخمة في المكتبة، وأشعر بالانبهار وأنا أقلب الصفحات وأرى الصور البراقة وجمال الأزياء والنساء اللواتي يلبسنها. كنت أشعر أن عالم الموضة بكل تفاصيله ساحرا، وما زاد من حبي لهذا المجال، أن خالتي كانت خياطة، وكنت أعشق أن أقضي أوقات فراغي في معملها، أراقبها وهي تعمل، وكانت تبدو لي وكأنها كانت تغيب عن العالم ولا تعرف ما يجري من حولها عندما تكون غارقة في بحر من الأقمشة أو عاكفة على تنفيذ فستان. منذ ذلك الحين وأنا شبه مهووسة بالأقمشة، وكنت أجمعها وألعب بها وما زلت منذ ذلك العهد». كبرت الطفلة وكبر معها الحلم لتحوله إلى واقع تجاري ناجح. فاسمها الآن من الأسماء المهمة في لندن والعالم على حد سواء. وإذا كانت التصاميم المتماوهة على الجسم من ميزاتها، فإن الرسومات «الديجيتال» مكمن قوتها، لا سيما وأنها تميل إلى التصميم بطريقة عفوية وتلقائية. فقد ظهر لها فجأة صورة تصميم أو بالأحرى قصة جديدة، كما تقول: «أحاول أن أجربها ولا أتوقف عن المحاولة إلا عندما أحصل على الشكل الذي رسمته في ذهني. في مرات أخرى، ينتابني إحساس قوي بلون معين أو قماش فتبدأ الصورة تتبلور بالتدريج لتتحول إلى تصميم. الرسم على القماش بالنسبة لي جزء مهم من الإبداع، وبالتالي، لا بد أن تكون فكرته واضحة في أية تشكيلة منذ البداية لتتبلور فيما بعد وتتطور من حيث الألوان والتصاميم». في تشكيلتها لربيع وصيف 2013، كانت هذه الرسومات تتراقص في مخيلتها لعدة أشهر وعكفت على تنفيذها بنفسها. كل قطعة على حدة حسب تصميمها وخطوطها، وهذا يعني أن الرسم لم يكن على القماش بل على القطعة بعد الانتهاء من تصميمها، حتى تجعل جسم المرأة يبدو منحوتا إلى حد ما بفضل هذه الرسومات. فهي هنا تشكل خدعا بصرية تحتاجها البعض منا لإضفاء الرشاقة أو التمويه على بعض العيوب. لكن هذا لا يغطي على قدرة ماريا على التصميم نفسه، وتلك القدرة العجيبة على الجمع بين الفنية والعملية في الوقت ذاته، بدليل فستان «كاليستو» الذي يمكن ارتداؤه بوجهين، مما يمنحه تنوعا عمليا، كما يمكن صاحبته من التلاعب بوجهيه بالطريقة التي تعكس أسلوبها. هناك أيضا القطعة الواحدة، المكونة من بنطلون وقميص ملتحمان ببعضهما، ليضفيا على لابسته طولا ورشاقة وراحة في الوقت ذاته. وعلى ما يبدو فإن عنصر الراحة مهم للمصممة التي لا تميل إلى الملابس المقيدة والضيقة، من باب أنه لا بد أن نعطي أنفسنا «حيزا من الراحة ليس في ما يتعلق بالأزياء والإكسسوارات التي نختارها فحسب، بل أيضا في طريقتنا في ارتدائها، بمعنى أن لا نجعل الاهتمام بمظهرنا وكيف يرانا الآخر، هاجسا مؤرقا. فالرضا أو بالأحرى التصالح مع النفس هو قمة الأناقة والتميز».

* ولدت ماريا غراشفوغل في لندن لأب بولندي وأم آيرلندية، وعشقت تصميم الأزياء منذ طفولتها وقامت بتصميم تشكيلتها الأولى وهي في الـ14 من عمرها. تقول إنها كانت تجريبية، لكنها كانت بداية أسلوبها: «صحيح أنها كانت مبالغ فيها بعض الشيء، بحكم السن، لكني منذ ذلك الحين وأنا أريد أن أتميز عن غيري، وأن يكون لي أسلوبي الخاص، وكانت النتيجة آنذاك أزياء لا يمكن ارتداؤها بسهولة، وفي العام التالي بدأت أجرب القصات المستقيمة التي تتبع تقاطيع الجسم، وما زلت احتفظ بالفستان الذي جربت فيه هذه القصة، فهو يذكرني بأسلوبي الآن، لأن هناك تفاصيل بارزة فيه ما زلت أمارسها لحد الآن».

يمكن القول إن ماريا غراشفوغل من المصممين القلائل الذين لم يدرسوا الموضة ولم يتخرجوا في معاهد متخصصة، كما لم تتدرب في معمل أي من المصممين المعروفين، بل أطلقت لنفسها العنان واندفعت نحو هذا العالم، إلى حد أنها شاركت على هامش أسبوع لندن للموضة وعمرها 15 عاما. كانت تتصور أن الموضة تعني الابتكار وحده، ولم تكن تعرف أنها تشمل جوانب أخرى مثل التسويق والتمويل وغيرها من الأمور التي تجعل المصمم متكاملا، إلا أن الواقع جعلها تفيق من هذا الحلم، خصوصا بعد أن بدأت المشتريات والمتخصصات يسألنها أين تبيع أزياءها ومع من تتعامل من الموردين وغير ذلك من الأسئلة غير المتوقعة بالنسبة لصبية صغيرة تفتقد إلى الخبرة. تعلمت الدرس بسرعة، وإن على مضض، وقبلت بوظيفة في المجال المالي في «السيتي» وبرعت فيها. عندما بلغت 18 من العمر، كانت قد تعلمت الجانب التجاري والمالي بشكل كبير، مما ساعدها على أن تعود إلى حلمها الأول. وتعترف أنه لو عادت بها الأيام إلى الوراء، لكانت درست في معهد متخصص بالموضة، لأن الموهبة وعشق المهنة والاندفاع وحدهم ليسوا كافيين، لكنها في الوقت ذاته لا تندم «فالندم عاطفة ضائعة» حسب قولها، ولم أكن لأصل إلى ما وصلت إليه اليوم دون خوض التجربة عمليا وربما لو درست وتخرجت في معهد موضة، لما حققت ما وصلت إليه اليوم.. من يعرف؟».

* الموضة مقياس لما يجري في حياتنا

* «ماذا تعني لك الموضة، وكيف تفسرين أهميتها المتزايدة في السنوات الأخيرة؟

- الموضة بمثابة مقياس يمكن أن يعطينا فكرة عما يجري حولنا من أحداث اجتماعية وثقافية واقتصادية. كما أعتقد بأن ما نلبسه يعكس هويتنا وشخصيتنا. وبما أن الزمن يمر وتتغير معه كثير من الأشياء، فإن ذوقنا وطريقتنا في اختيار الأزياء أيضا تتغير

* لكل مصمم بداية، ما النصيحة التي تقدمينها لأي شخص يريد امتهان تصميم الأزياء؟

- أن يتبع قلبه وحبه للمهنة، وألا يشعر بالإحباط أبدا، فالمهم هو الاستمتاع بالتجربة وكل مراحلها

* لو لم تكن ماريا مصممة أزياء، ماذا كانت تتمنى أنت تكون؟

- ليس لدي أية فكرة على الإطلاق، لأن الموضة كانت دائما حلمي.

* ما نقطة التحول بالنسبة لك؟

- كانت هناك كثير من النقاط السعيدة واللحظات الرائعة في حياتي، وكلها كان لها دور في أن أحصل على فرصتي في المجال، وهي التي جعلت مشواري ممتعا ولا يزال.

* ما الشيء الذي بعد أن قمت به فوجئت بنتيجته أو تغير إحساسك تجاهه؟

- لم أكن أريد أن أنجب، وكنت أستبعد فكرة الأمومة تماما، لكن ما إن استقبلت مولودي حتى تغير كل شيء في حياتي. لم أكن أتوقع حجم الحب الذي يمكن أن يحمله صدري تجاه أي شخص، بل يمكنني القول إن حياتي كلها تغيرت. كانت مفاجأة رائعة وساعدتني على فهم جسم المرأة أكثر.

* من هي المرأة التي تحبين أن ترتدي تصاميمك؟

- قد يبدو قولي من «الكلاشيهات»، لكني حقيقة أميل دائما إلى المرأة القوية والواثقة، التي تتمتع بذوق رفيع وتعرف تماما ما تريده من الحياة كما تفهم أسلوبها الخاص فيما يتعلق بالموضة. وقد تكون النجمة تيلدا سوينتون أكثر من يجسد هذه الميزات بأسلوبها الفريد، وأعتقد أنها ستبدو في غاية الجمال في أي قطعة من التشكيلة.

* هل تعتقدين أن الناس لا يزالون يصرفون مبالغ كبيرة على الموضة رغم الأزمة الاقتصادية؟

- لم ألاحظ أن الإقبال على الشراء خف، فالناس لا يزالون يصرفون مبالغ كبيرة على ما يحتاجونه. الفرق أنهم أصبحوا أكثر حذرا من ناحية اختيارهم لأشياء تجمع الجودة العالية بالحرفية الفنية والخدمة الجيدة بالإضافة إلى احترام الزبون من خلال احترام أسلوبه وتقديم منتجات تخاطب أسلوب حياته. فهو لا يمانع ما دام المنتج يتوفر على كل هذه الميزات والشروط.

* ما المثير في الموضة حاليا؟

- تلك القوة التي كانت في يوم من الأيام في يد المصممين وبيوت الأزياء والتي تحولت الآن إلى المستهلك. فهذا الأخير أصبحت له الكلمة الفاصلة، وهو الذي يحدد ما يريده على المصمم، الأمر الذي لم يكن مطروحا في الماضي.

* ما هي توجهات الموضة التي لا تميلين إليها وتعتبرينها بعيدة عن الأناقة؟

- أكره ما يعرف بأسلوب الشارع خصوصا بالنسبة للرجل، مثل الجينز ذي الخصر المنخفض.

* 5 كلمات تلخص شخصيتك؟

- مبتكرة، وحيوية، ومخلصة، وصادقة ومتحمسة.

* الشخصيات التي تلهمك في الحياة؟

_ الأشخاص الديناميكيون، والمتحمسون والذين لهم رغبة محمومة في النجاح.

* 5 أشياء لا يمكنك الاستغناء عنها؟

- عائلتي، والمشي صباح كل يوم للعمل، والدفتر الذي أدون فيه رسوماتي وأفكاري، ومعطفي على شكل «كاب» من الجلد وهو من تصميمي، وخامسا «بوت» من «أتلانتا ويلر»، وقد صممته لي خصيصا.

* ما شكل الجسم الذي يشكل تحديا كبيرا لك، ولأي مصمم أزياء؟

- أنا أعتبر نفسي مهندسة للجسد، وأفتخر بأن أي امرأة، بغض النظر عن مقاسها أو مقاييسها، لا بد وأن تجد شيئا يناسبها في تشكيلاتي، لا سيما وأني بصفتي امرأة أعرف المشكلات التي تمر بها والأشياء التي لا تريد إبرازها.

* جانب السلع الفاخرة والمنتجات المترفة منتعشة في الشرق الأوسط، وأصبحت أكثر طلبا لكل ما هو راق ومتميز وليس كل ما يلمع وغالي، كيف ترين هذه السوق بحكم أن تصاميمك متوفرة فيها؟

- منطقة الشرق الأوسط مهمة جدا بالنسبة لأي مصمم عموما، وبالنسبة لي خصوصا، فما أقدمه فيها يزيد ويكبر موسما بعد موسم، ولا يمكن تصديق مدى سعادتي عندما أرى نساء أنيقات ويتمتعن بذوق رفيع يقبلن على تصاميمي. منطقة الشرق الأوسط أيضا تلهمني كمصممة بتقاليدها وطقوسها، وأيضا بتنوع جغرافيتها في كثير من البلدان. صدقيني لو كانت لدي الإمكانيات لما ترددت في افتتاح محل مستقل يحمل اسمي في أي بلد عربي، لكني للأسف، وإلى حين أن أجد مستثمرا فإن الأمر مؤجل حاليا.

* كيف تستلهمين أفكارك عموما؟

_أجد الأفكار تنهال علي عندما أعطي نفسي مساحة للتفكير والتأمل، فعندما أكون مشغولة بأشياء كثيرة، لا يكون لي مجال لاستقبال أي أفكار، لهذا لا بد من خلق فضاء خاص وشبه منعزل. أنا أمشي 4 أميال في اليوم من البيت إلى العمل، وأجد أن هذا روتين يناسبني للحفاظ على لياقتي من جهة، كما يعطيني فرصة للتفكير والتأمل من جهة ثانية.

* كيف توفقين بين العملي والشخصي؟

- لا بد من ذلك، فإجازتي على سبيل المثال لي ولعائلتي. لا أستقبل فيها أي مكالمات هاتفية، ولا أفتح رسائلي الإلكترونية لأرد عليها، أي إني لا أتواصل مع العمل بشكله اليومي، وإن كنت أجد متعة كبيرة في الرسم كمتنفس لطاقتي الإبداعية.