آنجيلو بوناتي: الإبداع والابتكار ضمانة النجاح في صناعة الساعات

رئيس «أوفيتشيني بانيراي» يشدد لـ «الشرق الأوسط» على اهتمام الدار بالتوسع في الأسواق العربية

TT

خلال فعاليات معرض «جنيف للساعات الفاخرة» في أواخر يناير (كانون الثاني) الفائت التقت «الشرق الأوسط» مع آنجيلو بوناتي، الرئيس التنفيذي لدار «أوفيتشيني بانيراي» العريقة لصناعة الساعات، وأجرت معه مقابلة تناول خلالها عددا من المسائل المتصلة بـ«بانيراي»، وفلسفتها واهتماماتها، بما في ذلك نظرتها إلى حضورها في أسواق المنطقة العربية ولا سيما منطقة الخليج. وفي ما يلي كما شملته المقابلة:

* إذا كانت هناك ماركة ساعات فخورة تراثها فمن المرجح أنها «بانيراي».. هل توافق على هذه المقولة؟

- «ماذا تتوقع مني أن أقول؟ نعم نحن نعتز بتراثنا ونحرص عليه. غير أننا كدار صانعة للساعات، نحرص أيضا على الأخذ من إرثنا التاريخي لتنمية إنتاجنا. نحن نستلهم تراثنا وما فيه من إيحاءات في التخطيط للمستقبل والانطلاق نحو إرضاء زبائننا والمقتني الذي يحرص على الأصالة. طبعا إنه لتحد كبير أن تكون مبدعا في كل مرة، ولكن في المقابل نحن أوفياء لفلسفتنا ولما يرضي زبائننا».

* ولكن، في المقابل، فإن كثرة من مقتني الساعات، بمن فيهم زبائن «بانيراي» الأوفياء، يشعرون أنها ما زالت تقليدية أو كلاسيكية أكثر من اللزوم.

- «ربما، ولكن لدينا الكثير من الطاقات الكامنة. نحن لسنا بالضرورة أسرى للتقاليد بمعناها الضيق أو الجامد».

* هل ترى أن جذور بانيراي الإيطالية تشكل عنصرا مؤثرا في جاذبيتها كماركة تجارية، وهذا إلى جانب حاضرها السويسري الذي بات قيمة مضافة؟ ثم ماذا كانت المنافع الرئيسة لانتقال الدار فعليا من إيطاليا إلى مرافقها الحالية في سويسرا؟

- «كما قلت لك سابقا، نحن نعتز بجذورنا الإيطالية. لعلك تعرف أننا كنا الموردين الرسميين لسلاح البحرية الإيطالي وما زالت الجينات الإيطالية موجودة، ولا سيما على صعيد التصميم. ولكننا حتى في ماضينا الإيطالي لم نكن معزولين عن التقنية السويسرية.. ومنذ البداية كان هناك تبادل تقني وتصميمي. ثم إن الهوية المزدوجة لا تؤثر سلبيا على النجاح وما عليك سوى النظر إلى ماركة مثل (كارتييه) ذات الجذور الفرنسية.. ومنذ البداية (رولكس) أعطت (بانيراي) والعكس. وباختصار أقول إننا نجحنا في المحافظة على هويتنا تماما، ولا سيما لجهة ولاء زبائننا».

* هل تعتقد أن المعدل السعري للساعة يشكل في حد ذاته عاملا فعالا في بناء سمعتها في السوق؟

- في رأيي.. نعم ولا.. ولكن من دون شك، الجودة في النهاية هي المعيار الأساسي.

* إلحاقا، بسؤالي السابق، أتعتقد أن الوضع الاقتصادي العالمي غير المواتي خلال السنوات القليلة الماضية أثر فيكم بالمقدار نفسه الذي تركه على الماركات الاقتصادية، أي الأدنى سعرا؟ وهل ينطبق ذلك على مختلف أسواقكم العالمية؟

- نحن دار لا تعتمد على المضاربة، ونسبيا لم نتأثر كثيرا بالأزمة التي بدأت عام 2008 وكانت كما قلت عالمية. وفي طليعة الأسباب لقلة تأثرنا أننا دخلنا كموزع جغرافي، ما أدى إلى أن أداءنا الطيب في أسواق معينة عوض عن تراجع المبيعات في أسواق أخرى. ومع أن الصناعة ككل تأثرت بصورة أو بأخرى، فإن ما ساعدنا كثيرا أننا نعرف جمهورنا وزبائننا، وكدار صانعة بانيراي تقدم منتج يوازن بدقة بين النوعية والسعر، وهنا أقصد أن سعر الساعة التي ننتج يعكس التكلفة الإجمالية للتصنيع والأبحاث وما إلى ذلك».

* لاحظت من خلال متابعة جديدكم هنا في جنيف 2013 أن الساعات النسائية ما زالت غائبة عن تشكيلتكم، بعكس عدد من منافسيكم الكبار، أين الساعات النسائية في قاموس «بانيراي»؟

- ملتفتا إلى مساعدته الحسناء، وقد علت وجهه ابتسامة ذات معنى.. أنظر إلى معصمها.. إنها تقتني «بانيراي لومينور» ولا تبدو الساعة غريبة أبدا على معصمها. ولكن دعني أجيبك على سؤالك بصورة مباشرة. أساسا، ساعات «بانيراي» ساعات رجالية... هكذا انطلقنا وهذا هو تراثنا وسنظل أوفياء له. لا تتوقع ثورة عند بانيراي. نحن، كما سبق لي إن قلت، نحترم تقاليدنا ونلتزم بها، وننتج ساعات متميزة.. ولكن ليس هناك ما يمنع المرأة من اقتنائها ووضعها على معصمها باعتزاز. أصلا النساء يقبلن هذه الأيام على شراء الساعات الرياضية بغض النظر عن الحجم واليوم قسم لا بأس من زبائننا نساء لا يرين أن حجم الساعة الجميلة والعملية ولو كان كبيرا يشكل عائقا يحول دون اقتنائها. أقول لك بكل أمانة السوق يتطور ويتبدل.. هناك معطيات جديدة في السوق، ولكن في خضم المنافسة تجد أن الماركات تدرك أهمية الوفاء لتراثها، ولذا لن ننتج ساعة مخصصة حصرا للمرأة.

* كيف تعرف علاقات «بانيراي» مع الماركات الشقيقة في مجموعة «ريشمون»؟

- علاقاتنا جيدة، ولكنني أجيبك بما أنهيت إجابتي السابقة، كل ماركة تدرك الأهمية القصوى للوفاء لتراثها وفلسفتها وتقاليدها. لكل منا هويته وهذا أمر غاية في الأهمية.

* ما توقعاتك لمستقبل «بانيراي»، و«ريشمون»، والساعات السويسرية ككل خلال العقد المقبل؟ وما التحديات الماثلة أمامكم؟

- سر النجاح، بالنسبة لـ«بانيراي» ودور «ريشمون» وللساعات السويسرية عموما يمكن إيجازه بكلمة جوهرية هي.. الإبداع. لا بديل عن الإبداع والابتكار. طالما التزمنا بالإبداع فإن المستقبل سيكون مشرقا ومزدهرا. وإذا نظرت من حولك لوجدت أن دور صناعة الساعات التي بقيت على قيد الحياة، بل صمدت ونمت، هي تلك التي ركزت جهدها وبنت سمعتها على الإبداع والابتكار.

* أنتم الآن موجودون في أسواق الشرق الأوسط، وتحديدا السوق الخليجية، بقوة.. كيف تحددون سمات هذه الأسواق؟

- أسواق الشرق الأوسط، ولا سيما في منطقة الخليج، تغيرت وتتغير بسرعة خلال العقد الماضي وهذا ما يلمسه كل صانع ساعات. إنها تطلب كل شيء وتستوعب كل شيء، ونرى اليوم إقبالا على مختلف فئات الساعات.. هناك الساعات الكلاسيكية والرياضية.. هناك إقبال على تلك المصنوعة من الذهب والبلاتين.. وعلى المصنوعة من التيتانيوم.. إنها سوق مهمة في تنوعها، ولذا تهمنا جدا ونحرص على أن نكون لاعبا مهما فيها، وهذا ما نعمل عليه.

* «أوفيتشيني بانيراي».. هوية متميزة

* دار «أوفيتشيني بانيراي»، التي هي اليوم جزء من مجموعة «ريشمون» السويسرية، مالكة أكبر عدد من دور الساعات الفاخرة في العالم، دار عريقة في مجال صناعة الساعات، أسسها جيوفاني بانيراي (1825 - 1897) في مدينة فلورنسا بشمال إيطاليا عام 1850. وصارت في عهد حفيده غويدو (1873 - 1934) المورد الرسمي المعتمد للبحرية الملكية الإيطالية ليس الساعات فحسب بل للكثير من المعدات والآلات الميكانيكية والبصرية الدقيقة أيضا.

عندما انطلق المؤسس جيوفاني بانيراي في هذا المجال من الصناعة، فإنه كان يوم ذاك أول صانع ساعات في فلورنسا. ومنذ تلك الحقبة اتصل بالصانعين السويسريين وأنشأ - وعائلته من بعده – معهم علاقات وثيقة سهلت له تجميع مكونات الساعات والآلات الدقيقة. وساعدته هذه العلاقات، وداره من بعده، على إتقان أعمال الصيانة والتصليح.

في عام 1860 فتح جيوفاني بانيراي أول مشغل ومتجر في فلورنسا، وازدهرت مؤسسته إلى أن أورثها لابنه ليون فرانشيسكو بعد وفاته عام 1897. لكن الشخصية حملت المؤسسة، وبالتالي الماركة، إلى عالم التميز التقني والشهرة العالمية كان الحفيد غويدو، الذي وسع دائرة اهتمامات المؤسسة لتشمل تصنيع الآلات والمعدات الميكانيكية والبصرية الدقيقة مثل البوصلات وآلات القياس والنواظير والفوانيس العميقة وما إليها، ومن ثم، الاحتكار الفعلي لتزويد سلاح البحرية الملكية الإيطالية بهذه المعدات واللوازم اعتبارا من العقد الأخير من القرن التاسع عشر.

وفي ما بعد توج غويدو بانيراي قيادته الناجحة دفة المؤسسة بتعزيزه حضورها عالميا عبر نقل مقرها الرئيس إلى ساحة بياتزا سان جيوفاني في المدينة التي تعد عاصمة الفن في إيطاليا، حيث ما زال ينتصب متجر بانيراي الشهير اليوم - من المقر الأصلي في البونتي إلى غراتسي. وفي هذه الحقبة بالذات بدأ توريد الساعات والآلات للبحرية والجيش.

أعمال المؤسسة توسعت أكثر مع الجيل الرابع من العائلة متمثلا بجيوسيبي وماريا، ابن غويدو وابنته، وفي حين اهتمت ماريا بالمتجر وتصنيع الساعات وتجميعها، تولى جيوسيبي مهمة. غير أن جيوسيبي، على الرغم من اهتمامه بتعزيز العلاقات التوريدية التعاقدية مع البحرية الإيطالية، لم يكن بعيدا عن عالم الساعات، بل يعود إليه الفضل خلال عقد الثلاثينات من القرن العشرين في ابتكار الطرازين الكلاسيكيين اللذين ما زالا العلامة التصميمية المميزة لساعات بانيراي، وهما «لومينور» و «راديومير».

«بانيراي» صارت جزءا من مجموعة «ريشمون» عام 1997، وحتى اليوم يشكل طرازا «لومينور» و«راديومير»، بعلبتيهما الوساديتي الشكل مع الميناء الدائري، جزءا أساسيا من الهوية الفنية والتقنية لساعات «بانيراي». وهي تطلق سنويا، سواء إبان فترة وجودها على الأرض الإيطالية أو بعد انتقال مرافقها إلى سويسرا، نسخا ونماذج متنوعة من الطرازين، تحفل بمختلف المزايا والتجهيزات والوظائف المعقدة التي ضمنت لـ«بانيراي» زبائن أوفياء من كبار جامعي الساعات الفاخرة في العالم.