سفير دار جيفنشي: العطر.. لوحة فنية تعجب الجميع وبطرق مختلفة

سايمون بايكر.. يمثل صورة الجنتلمان أحسن تمثيل بأناقته وعفويته وديناميكيته

خلال تصوير حملة عطر «جنتلمين أونلي» لجيفنشي مبللا وغير مبال بتساقط المطر بعد أن تبرع بمظلته لامرأة داهمها المطر هي الأخرى
TT

في باريس وفي يوم ممطر، كان اللقاء مع سيمون بايكر، بطل السلسلة التلفزيونية «ذي مانتاليست» The mentalist التي اجتاحت العالم منذ بضع سنوات، وصنعت منه نجما عالميا. شعبيته هاته، إلى جانب وسامته وأناقته، تجعله مطمحا لأي دار أزياء أو تجميل أو ساعات في الوقت الحالي. كانت مناسبة اللقاء إطلاق دار «جيفنشي» الفرنسية عطرا جديدا باسم «جنتلمين أونلي» Gentlemen Only هو سفيره الحالي. عطر، كما شرح سايمون بايكر، يتميز بنغمات منعشة تنبعث من القارورة أول ما تفتحها، ثم تزيد عمقا بالتدريج بعد أن تتغلغل في البشرة لتصبح مثيرة للحواس.. قوية لكن غير نفاذة.

لا تعرف ماذا تتوقع من اللقاء، لأن الصورة التي نشاهدها على شاشات التلفزيون أو نكونها في خيالنا لا تكون دائما مطابقة للواقع، بحكم أنه من السهل الخلط بين الممثل والشخصية التي يتقمصها. عندما وقف مادا يده للمصافحة وهو يبتسم بابتسامته الشقية المألوفة ويشير إلى كرسي مجاور له، تشعر فجأة كما لو كنت فعلا تعيش لقطة حية من المسلسل، لا ينقصها سوى الكاميرات والإنارة القوية التي كانت تحتاجها القاعة بسبب الطقس القاتم في الخارج. لم يختلف بتاتا عن الصورة التي تطالعنا كل أسبوع على شاشة التلفزيون وأصبحنا مدمنين على أسلوبها في التوصل إلى مفاتيح الجريمة والمجرمين، بدءا من البدلة والقميص الأبيض المفتوح إلى الابتسامة الطفولية والشقية.

تشعر أيضا أن اختيار «جيفنشي» له كان مدروسا وموفقا، لأنه يمثل صورة الجنتلمان أحسن تمثيل بأناقته وعفويته وديناميكيته. وهذا ما ركزت عليه الدار في الحملة الترويجية التي صورها في باريس، ويظهر فيها حاملا شمسية في يوم ممطر يقدمها عن طيب خاطر لامرأة شابة كانت تسير إلى جانبه بينما يبدو هو مبللا من الرأس إلى أخمص القدمين وابتسامة رضا مرتسمة على محياه.

سايمون، يعترف بتواضع شديد بأن المهمة لم تكن سهلة: «إنها مسؤولية كبيرة، فبالنسبة لي أن أكون «جنتلمان» يتعدى المظهر الخارجي إلى السلوكيات والطموحات والثقة.. كما أن العمل مع دار في حجم «جيفنشي» شرف كبير لما تمثله من عراقة وتقاليد فرنسية عريقة».

ولد بايكر في جزيرة تازمانيا بأستراليا، لأسرة جد متواضعة، ولم تكن طفولته سعيدة بالكامل. فقد كانت شخصية زوج والدته متسلطة إلى حد أنه لم يكن يستطع أن ينظر إليه وجها لوجه، كما يقول، بينما كانت والدته سلبية، مما أعطاه مبررا لكي يتمرد على الوضع ويستقل بنفسه في سن غض. كان متنفسه في ذلك الوقت هو ركوب البحر، وهي هواية لا يزال يمارسها لحد الآن. أما فكرة التمثيل، فلم تكن بالنسبة له سوى مجرد حلم يقظة بقي دفينا بداخله لم يبح به لأحد لأنه «من الأشياء التي يمكن أن تجعل من يسمعك يضحك عليك.. هذا على الأقل بالنسبة لأسرتي والمحيط الذي كنت أعيش فيه». في صباه انتقل إلى سيدني، وهناك بدأ الحلم يتحقق بالتدريج، فقد ظهر في لقطات قصيرة جدا في أشرطة فيديو موسيقية. ولم تقدم له الفرصة على طبق من ذهب، بل بفضل إلحاحه واجتهاده. يشرح: «التقيت بمخرج وتبرعت أن أقوم بكل ما يحتاجه من طلبات في الاستوديو. كنت أجري وراءه محاولا إنجاز أي شيء يطلبه في المسرح.. لم أستصعب أي شيء، وكنت دائما موجودا أمامه، فأينما تحرك كان يجدني، وفي الأخير، خضع للأمر الواقع، وابتسم لي الحظ عندما احتاج إلى شخص يقوم بدور صغير في شريط الفيديو، عرضه علي.. وهكذا كانت البداية».

بعدها قام بأدوار في أعمال أسترالية صغيرة، ساعدته على توسيع معارفه وربط علاقات جديدة مع أميركيين، شدته ثقافتهم وأسلوبهم في التعامل ورؤيتهم للأمور. ويرد إعجابه بالثقافة الأميركية إلى شخصيته الأسترالية الخجولة المختلفة، فالأميركي، حسب قوله: «لا يتخوف من التعبير عما يدور بداخله».

في عام 1995 شد الرحال إلى لوس أنجليس، وهناك شارك في ثلاثة أفلام لم تر النور، لكن عزيمته لم تحبط، وكان عليه أن يقبل القيام بعدة أعمال حتى يعيل نفسه وعائلته، منها السلسلة التلفزيونية «ذي غارديان» التي عمل فيها لثلاث سنوات ولم تكن ناجحة بحجم كبير. ويعترف بأنه في هذه الفترة بدأ يشعر بأنه لن يحقق النجومية أبدا، وأن أقصى ما يمكنه أن يحلم به: «أن أكون مطلوبا لتأدية أدوار، وأن لا أتوقف عن العمل حتى أتمكن من دفع فاتوراتي». في عام 1997 حظي بدور صغير في فيلم «إل.آي.كونفيدانشال» «L.A. Confidential». حقق كثيرا من النجاح، تلاه دور صغير في فيلم «الشيطان يلبس برادا» The Devil Wears Prada. لعب فيه دور كاتب مبتدئ، أيضا حقق النجاح. لكن دوره في «ذي مانتاليست» هو الذي جعله يصبح وجها عالميا، وهو الذي يشغله عندما لا يكون مرتبطا بفيلم سينمائي. يلعب في السلسلة دور خبير في النفس البشرية له قدرة عجيبة على قراءة أفكار المجرم أو بالأحرى طريقته في التفكير. وهي فكرة جديدة ومختلفة بالمقارنة مع بقية ما تقدمه المحطات من المسلسلات البوليسية المشوقة. ويتذكر سايمون بايكر أنه حين كان يمثل في سلسلة «ذي غارديان» فكر جديا بأنها ستكون آخر سلسلة تلفزيونية يعمل فيها لأن العمل فيها: «يستنفذ كثيرا من الجهد والوقت من دون جدوى، وفقط عندما تكون ناجحة جدا، فأنت تعمل من دون كلل وتستنفذ كثيرا من الجهد، وتعيش على أمل أن يغير الناس المحطة ليشاهدونك». لكنه ما إن قرأ السيناريو، الذي كتبه الإنجليزي برونو هيللر، حتى غير رأيه. فقد كان السيناريو مكتوبا بطريقة مختلفة، فهو «يتميز بنوع من الكوميديا التي تميل إلى الدعابة لا تجدها في أي سلسلة تلفزيونية أميركية أخرى» لهذا لم يتردد في القبول، وإن لم يكن يتوقع أنها ستحقق كل هذا الصدى.

* بايكر: «أنا سعيد في الحب وفي العمل»

* أسترالي، اخترق أسوار هوليوود وها هو الآن يدخل باريس من باب واحدة من أهم بيوتها، ما هي مشاعرك تجاه كل هذه الإنجازات؟ وهل توقعت يوما أنك ستصل إلى ما أنت عليه الآن؟

- أبدا، فكل هذه الأشياء التي ذكرت كانت من الأحلام التي لا تخطر على البال. كنت أتحدث منذ لحظات مع شخص سألني ما هي أقوى الأشياء التي قمت بها في حياتي وأكثرها جرأة، ولم أجد جوابا، فقد قمت بكثير من الأشياء الصغيرة، الأشياء البسيطة جدا، ولعل أسخفها محاولتي أن أكون ممثلا في بداياتي. فأنا لم أتوقع أبدا أن يتحقق الحلم ويصبح واقعا، أو أن أصل إلى ما وصلت إليه اليوم في هوليوود والعالم. وفي هذه اللحظة بالذات، أنا أجلس معك لأن اسمي يرتبط بدار عطور فرنسية لها باع في هذا المجال، أليس هذا من الخيال. لو قال لي أحد وأنا شاب في العشرينات من عمري، إن هذا سيكون قدري لما صدقت، وربما فهمت قوله على أنه استخفاف بي

* ما الذي يثيرك الآن، النجاح الذي تعيشه أم رائحة عطر «جانتلمان أونلي» الذي تعتبر سفيره حاليا؟

- ضاحكا وهو يلقي برأسه إلى الوراء ثم يشير بسبابته: هذا يعتمد على مفهوم النجاح وما يمثله لكل شخص. قد يعتقد البعض أنه، أي النجاح، مثل عطر زكي يفوح بالورود في كل الأوقات، وهذا صحيح إلى حد ما، لكن هناك حالات أخرى لا يكون فيها كذلك على الإطلاق، وهذه هي طبيعة الحياة، ليس هناك شيء مثالي بالمطلق. النجاح في العمل يختلف عن النجاح الشخصي والعائلي، مثلا. لكن يمكنني أن أقول بكل ثقة إن حياتي الآن عطرة، وأنني في مرحلة مهمة فأنا أتمتع بعائلة رائعة وسعيدة، وناجح في أعمالي كما أن علاقتي مع «جيفنشي» تستحق أن أحتفل بها، أليس كذلك؟. يمكنك القول إني محظوظ لأني سعيد في الحب والعمل.

* ماذا يعني لك العطر، هل هو لتحسين المزاج أم وسيلة لجذب الآخر مثلا؟

- نعم يمكن أن يكون كذلك، لكن ما أحبه في أي عطر على وجه الخصوص أنه لا يضعك في خانة معينة بقدر ما يجعلك تشعر بنوع من الألفة معه. لا أعرف كيف أشرح هذا، فقد يكون عطرا تعودت عليه من باب الروتين مثلا، أو فقط عندما تأخذ حماما وترشه فيحملك إلى عالم بعيد تعرفه جيدا، وكنت سعيدا فيه. قد يكون أيضا بمثابة قطعة إبداعية، فكل واحد منا له رؤية خاصة ومختلفة عن رؤية الآخر، تماما مثل لوحة فنية في معرض، الكل يعجب بها لكن كل واحد يرى فيها شيئا مختلفا. سأعترف لك أنه لم يسبق لي أن فكرت كثيرا في معنى العطر من قبل، فقد كان بالنسبة لي مجرد هدية قيمة أتلقاها وأستعملها، لكني أيضا إنسان يحب المجال الإبداعي، مما يجعلني أحب كيف تولد الأفكار، وكيف تتبلور وتتطور. (ضاحكا) مع «جيفنشي» أصبحت خبيرا فيها وأفهم في طبقاتها ونغماتها العلوية والمتوسطة والسفلية. لكن ما أثارني كثيرا في عطر «جنتلمان أونلي» وجعلني أحبه، تاريخه وقصته، لأن «جيفنشي» أطلقت عطر «جيفنشي جنتلمان» في عام 1975، بنفس الفكرة التي صورنا بها الحملة تقريبا، أي برجل يحمل مظلة يحمي بها امرأة من تساقط الأمطار. عندما شاهدت اللقطات أعجبت بها، فقد كانت بالأبيض والأسود، لكنها كانت جد معبرة وذكية في تصورها وتصويرها. في هذه الحملة أخذنا نفس الفكرة، مع تغيير بعض التفاصيل. إنها فنية ومنعشة في نفس الوقت مثل العطر، فعند وضعه لأول مرة تشعر بنسمات منعشة تنبعث منه سرعان ما تتغير وتتفتح لتكشف عن نغمات طبيعية أخرى.

* هل تدخلت في طريقة صنع العطر أو أدليت برأيك في أي مرحلة من مراحل تصنيعه؟

- لا لم أتدخل، فقد تم صنعه على يد خبراء كانوا قد انتهوا منه، لكني ما إن شممته حتى شعرت بحالة من الانتعاش. طبعا الأمر يختلف عندما تضعه على الجسم، لأنه كما قلت لا يتوقف عن التغير والتبلور. فأنت تشم نفحات من الفواكه الحمضية وجوز الطيب والفلفل الأسود، وبعد ذلك تنبعث نغمات من الباتشولي تليها نغمات من الأخشاب الثمينة تزيده إثارة وجاذبية. الجميل في العطر أن تجربتي قد تختلف عن تجربة شخص آخر، وهذا ما أحبه في العطور عموما كما في الأكل والفن وغيرها من الأمور.

* قبل هذا العطر، هل كان لك عطر مفضل؟

- لا أبدا، فكما قلت، كان يمثل لي مجرد هدية أتلقاها وأستعملها، وهذا يعني أني لا أختاره بنفسي في أغلب الحالات. وأعترف أني لم أهتم بالماركات والأنواع في السابق، وما زلت أميل إلى ما تعودت عليه، حتى فيما يتعلق بأزيائي. فأنا أرتدي نفس القطع وقلما أغير من أسلوبي

* هل هذا يعني أنك لا تحب التغيير؟

- بالفعل، وهذا لا يعني أني لا أحب التفاصيل وأهتم بها. خذي مثلا الأزياء، فأنا أهتم بنوعية الأقمشة والتصاميم واختلافاتها التي لا تظهر بشكل واضح، لكني على العموم، وبمجرد أن أحصل على قطعة أرتاح فيها وتناسبني، أعود إليها دوما، وهذا يشمل حتى بنطلون الجينز، فما إن أتوصل إلى التصميم الذي يعجبني، يصبح صديقي الذي لا أفرط فيه أو أغيره مهما تغيرت الموضة.