ثورة «الدنيم» تجتاح العالم هذا الصيف

«سيلفريدجز» تفتتح أكبر قسم خاص بالجينز وعالم الموضة يتفنن فيه

TT

«تمنيت لو كنت أنا من اخترع الجينز»، هذا ما قاله الراحل إيف سان لوران متحسرا في إحدى المرات التي سئل فيها عن الشيء الذي كان يتمنى أن يرتبط باسمه ولم يتحقق. أمنية تختزل مدى قوة هذا القماش، الذي بدأ بروليتاريا متوجها لعمال المناجم منذ أكثر من قرن من الزمن، ثم تسلل بالتدريج إلى خزانة كل رجل أنيق أو امرأة مواكبة للموضة في العالم. فلا أحد الآن يمكن أن ينكر مكانته الأيقونية الصامدة في وجه التغيرات والأزمات وتعاقب الأجيال، وهذا الصيف، وأكثر من أي وقت مضى، سنعيش ثورة جديدة لهذا القماش. فبعد عروض الأزياء، التي أطلقت شرارة هذه الثورة في كل العواصم معلنة أنه سيكون قطعة أساسية، سارعت محلات «سيلفريدجز»، بتحفزها المعروف ورغبتها في أن تكون دائمة رائدة، للانضمام إليها، وآخذة على عاتقها مهمة نشرها إلى العامة. فقد خصصت مساحة شاسعة تقدر بـ26.000 قدم مربع لهذا القماش، تعرض فيها إبداعات مصممين عالميين إلى جانب تصاميم أخرى أكثر ديمقراطية تخاطب شرائح الشباب. فالأسعار تتباين من ماركة إلى أخرى حسب نوعية خيوطه وطريقة غزلها حياكتها.

«استوديو الدينم»، الاسم الذي أطلقته «سيلفريدجز» على هذا القسم، يعتبر من أكبر الاستثمارات التي تقوم بها المحلات اللندنية مؤخرا، إذ يمكن القول: إنها أولته أهمية أكبر من الأهمية التي أولتها لقسمها الخاص بالأحذية حين افتتحته منذ بضع سنوات. الفكرة من الاستوديو أن يقدم طبقا عالميا دسما وشهيا من كل صنف ولون وشكل، لهذا حرصت أن يضم أكثر من 11.000 قطعة من 60 ماركة مختلفة تتراوح أسعارها بين الغالي والرخيص. فإلى جانب ماركة «جي براند»، المعروفة بحكم مشاركتها في عروض نيويورك، مثلا، وتقدر تصاميمها الأنيقة والبعيدة عن البهرجة بنحو 500 جنيه إسترليني، هناك ماركات معروضة ارخص بكثير مثل «بريمارك». وغني عن القول: إن هذه الأخيرة من الماركات التي تتمتع بشعبية كبيرة في صفوف الفتيات الصغيرات ومحبي الموضة السريعة من الشباب أيضا. ولم يغب على «سيلفريدجز» أن اختيار، أو الأحرى التوصل إلى، التصميم المناسب ليس بالعملية السهلة، إذ أن لكل ماركة ميزات فيما يتعلق بالمقاسات والمقاييس التي تعتمدها، فقد عمدت إلى توفير خدمة المتسوق الخاص، الذي تتركز مهمة في مرافقة الزبون ومساعدته للتوصل إلى التصميم الأمثل له، بالإضافة إلى توفير خدمة إجراء التغييرات والرتوشات الطفيفة، مثل التقصير والتضييق وما إلى ذلك حتى يخرج الزبون وهو يشعر كما لو أن القطعة فصلت له خصيصا. كل هذا خلال ساعتين فقط، أي الوقت الذي يمكن أن تستغرقه استراحة لتناول الغذاء أو تناول فنجان قهوة.

تجدر الإشارة إلى نيران هذه الثورة لم تندلع في «سيلفريدجز» وحدها، بل امتدت إلى متاجر «هارودز» التي خصصت مساحة 9000 قدم مربع، لهذا القماش، في الطابق الرابع، سيشهد توسعا أكبر في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل ليصل إلى 34 ألف قدم مربع. الفرق بينها وبين «سيلفريدجز» أن كل التصاميم تقريبا موجهة لموسم الصيف الحالي، ولماركات عصرية تخاطب ذوي الإمكانيات العالية أولا وأخيرا، مثل «فور أول مانكايند» 7 For All Mankind: «بيج» Paige: «راغ أند بون» وغيرها. ولأن «هارودز» مثل غيرها، تريد أن تكون المتعة متكاملة، فإنها توفر ما يعرف بخدمة الـ«جينز ثيرابي»، وتتمثل في تواجد خبراء تسوق في عين المكان، يمكنهم مساعدة الزبون على اختيار ما يشاء وما يناسبه وإسداء النصح إليه. وهم خبراء يتسمون بالموضوعية والاستقلالية، وليس لهم علاقة خاصة أو ولاء لماركة بعينها، حتى يبقى ولاؤهم للزبون في المقام الأول.

ولا يخفى على أحد أن هذا الاهتمام المتزايد بالـ«جينز» له دواعي إرضاء الزبون وتلبية طلباته لكن له أيضا دواع تجارية. فهو الآن قطعة أساسية في خزانة أي رجل أو امرأة بغض النظر عن العمر والموسم، وهذا يعني في لغة الأرقام بأن مبيعاته لا تتراجع، مما يجعل عملية تجديده وتطويره لا تتوقف، سواء تعلق الأمر بألوانه أو طريقة حياكة خيوطه وغيرها. وهذا ما يجعله الحاضر الدائم في معظم عروض الأزياء، بدءا من دولتشي أند غابانا «وفرساتشي» وروبرتو كافالي: «بالمان» إلى «شانيل». هذه الأخيرة، ذهبت إلى أبعد من هذا وأدخلته عالم الأزياء الراقية منذ بضع سنوات في إشارة واضحة إلى مكانته الأيقونية وبأن أصوله كقماش خاص بعمال المناجم والطبقات البروليتاريا قد ولت إلى غير رجعة. فمن كان يتصور أن يتحول هذا القماش الخشن الذي اشتراه جاكوب ديفيز، الخياط اليهودي الأميركي في عام 1872. ليصنع منه بنطلونات مزينة بمسامير معدنية صغيرة في أماكن محددة في زوايا الجيوب، إلى قطعة تتحدى المواسم والمناسبات والثقافات والأذواق؟ والجواب أنه لا أحد كان يتصور ذلك بمن فيهم جاكوب ديفيز نفسه، الذي كان لسوء حظه، يفتقد الإمكانيات التي تسمح له بتسجيل براءة اختراعه، مما اضطره أن يطلب من خياط آخر هو «ليفي ستراوس» أن يدعمه بالمال الكافي مقابل وضع اسمه معه، وهو ما حدث. كانت المجموعة التي طرحاها آنذاك، موجهة أساسا لعمال المناجم بحكم أن خامته الخشنة كانت مناسبة لهم، ولم يدر بخلد أي منهما احتمال أن يدخل هذا القماش خزانة المرأة أو يترقى إلى الطبقات النخبوية في يوم من الأيام. لكن حين ظهرت به مارلين مونرو في أحد أفلامها، تحول بين ليلة وضحاها من قطعة خشنة وعملية إلى قطعة مفعمة بالأنوثة والإغراء. السينما أيضا كانت الباب الذي دخل منه إلى عالم الرجل. كان ذلك عندما ظهر به النجم جيمس دين في فيلم «متمردون من دون قضية»، كان المظهر في غاية البساطة لكن مثيرا للنظر والخيال على حد سواء، إذ ارتداه الممثل الشاب مع جاكيت من الجلد و«تي-شيرت» أبيض، وهو المظهر الذي لا يخيب لحد الآن. خلال الحرب العالمية الثانية، عاد إلى أصوله العملية، قبل أن ينتبه إليه المصممون ويدخلونه عالم الموضة بالتدريج، ليصل أوجه في الثمانينات ثم بداية الألفية. فقد أصبح منذ ذلك الحين، قطعة كلاسيكية مقبولة رسميا في أماكن العمل وحتى السهرات إذا كان بلون غامق، ولا بأس من بعض الترصيعات والتطريزات بالنسبة للمرأة، مثل البنطلونات التي طرحتها لنا كل من «بالنسياجا» و«بالمان» في المواسم الأخيرة، وتقدر بمئات الدولارات.

دار «بالمان» مثلا تفننت فيه بشكل كبير، وتقترح منذ سنوات بنطلونات يقدر أرخصها ما بـ595 جنيها، بل حتى «لورو بيانا» الإيطالية المتخصصة في البدلات المفصلة للرجال وكل أنواع الصوف المترف، تقترح الآن بنطلونات جينز تبدأ بسعر (665 جنيها)، كذلك «ميزون مارتن مارجيلا» التي تقترحه بسعر يقدر بـ(270 جنيها إسترلينيا)، و«دولتشي أند غابانا» بـ(325 جنيها)، و«بريوني» بـ(340 جنيها)، و«غوتشي» (445 جنيها) وهلم جرا. وإذا لم تقنع بهذا الكم من الأسماء والأشكال والألوان الجاهزة، فهناك إمكانية أخرى للحصول على قطعة فريدة من نوعها تتمثل في التفصيل على المقاس، تماما مثل البدلة. سكوت موريسون، الذي يوجد محله ومعمله في سوهو بنيويورك، واحد من أهم المتخصصين في تفصيل كل أنواع الدينم وتشهد تجارته انتعاشا كبيرا، بدليل أنه في كل شهر ينتج نحو 30 بنطلون جينز مفصل على المقاس. ورغم أن البنطلون قد يكلف نحو 1.200 دولار أميركي تقريبا، إلا أن الإقبال متزايد من قبل أصحاب المقاسات الصعبة، مثل ذوي القامات القصيرة أو لاعبي كرة السلة، الذين يصل طول بعضهم إلى أكثر من 7 أقدام. ويشير سكوت موريسون إلى مزايا أخرى للتفصيل تتلخص في «خصخصته»، بمعنى إضافة تفاصيل يطلبها الزبون لتأتي القطعة فريدة من نوعها، وقد تكون هذه التفاصيل من باب الزينة أو لخلق توازن يمنح الجسم رشاقة وجمالا. فحجم الجيوب، مثلا، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار حجم البنطلون ومقاييس صاحبته، إن كانت ناعمة أم ممتلئة، إذ ليس من المعقول: إن تكون الجيوب كبيرة وصاحبة البنطلون صغيرة وناعمة، والعكس.

ولأن لكل شيء ثمنه، فإنه كلما زادت هذه التفاصيل ارتفع السعر.

* همسات:

* التوصل إلى التصميم المناسب ما هو إلا الخطوة الأولى، إذ من الضروري التوفيق في تنسيقه بشكل يجعله متناغما مع باقي الأزياء والإكسسوارات. بالنسبة للمرأة فإنه وسيلة رائعة للتخفيف من رسمية أو بهرجة باقي الأزياء والإكسسوارات، وبالنسبة للرجل فهو رائع مع سترة «بلايزر» في المناسبات الخفيفة التي تتطلب أناقة غير مغرقة في الرسمية

* إذا كان بقصة ضيقة جدا من أسفل (التصميم الأنبوبي) يفضل ارتداؤه مع حذاء من دون كعب: «باليرينا» للنهار، وكعب عال ومدبب للمساء

* تعتبر صورة مارلين مونرو بقميصها الأبيض من الصور الأيقونية التي لا تنسى، لأن القميص يضفي عليه مظهرا يمزج البساطة بالجاذبية

* صحيح أنه تخطى الثقافات كما تحدى حاجز العمر، لكن لا بد من الانتباه إلى أن التصميم الذي يناسب المراهق يختلف عن ذلك الموجه للرجل الأربعيني مثلا، تصميما ولونا. من حيث التصميم، يجب أن يكون مفصلا ومستقيما، وبخصر غير منخفض، أما من حيث اللون، فيفضل أن يكون غامقا

* إذا كانت عروض الأزياء هي الترمومتر الذي يحدد اتجاهات الموضة فإن الجاكيت المصنوع من الدينم قطعة أخرى تناسب الرجل هذا الصيف. فهي خفيفة مما يجعلها مثالية للسفر لأي وجهة في العالم، الأمر الذي يؤكده توبي بايتمان، مدير قسم المشتريات في موقع «مستر بورتر» بقوله: إنها «قطعة لا تغيب عن الرادار، فهي قد تتوارى لفترة، لكنها سرعان ما تعود للظهور نظرا لعمليتها، تماما مثل بنطلون الجينز. والسبب الرئيسي يعود إلى أنهما من القطع المريحة وفي الوقت ذاته رجالية وعملية أكثر منها موضة».