عبد محفوظ: أنتج أفضل تحت الضغط وعندما تكون أجواء العمل ديناميكية

من بائع متجول إلى مصمم عالمي

المصمم عبد محفوظ في معمله
TT

رغم أنه تعرض لحادث أثناء ممارسته هوايته في التزلج على المياه، لم يهدأ المصمم اللبناني عبد محفوظ أو يركن إلى السكينة ولو للحظة واحدة.. فأثناء اللقاء الذي أجرته معه «الشرق الأوسط» في غرفة «الوحي» التي يجلس فيها لأكثر من 10 ساعات في اليوم والواقعة في مبنى مجاور لمركز «ستاركو» وسط بيروت حيث مشغله، لم يتخل عن ديناميكيته وابتسامته الدائمة. شرع أمامنا أبواب مشغله ومكاتبه كما فتح لنا قلبه فكان حوارا تلقائيا وصريحا استهله بالقول: «أحب مهنتي كثيرا وسر نجاحي هو عشقي لها وللأقمشة بنوع خاص».

ما إن تدخل غرفته الخاصة التي يسميها «inspiration room» حتى تلفتك الفوضى المنظمة التي يتبعها فيها. هنا على طاولة مستطيلة، تتوسط الغرفة كومة أقمشة من الدانتيل والتول والشيفون، ومساطر صغيرة لإكسسوارات تستخدم في التطريز، وعلى طرف الطاولة رسومات لقصات ما زالت قيد الإنشاء. حتى الحائط لم يسلم من لمسات المصمم، حيث علق عليه شاشة ضخمة تعرض أحدث تصاميمه لخريف 2013 وشتاء 2014. يشرح قائلا: «هذه الفوضى التي ترينها هنا بمثابة نواة أفكار أجمعها وأطورها لتصبح في ما بعد تصاميم». ويتابع: «انظري هنا (يشير إلى نموذج من قماش الدانتيل البيج والمحاك بخيوط ذهبية) هذا القماش أحببته وجعلني أستوحي منه تصميم ثوب مفعم بالأنوثة. أما هذا (مشيرا إلى قماش فضي لماع) فرغم أنه لفتني في البداية لكن سرعان ما بعث في نفسي الملل فتركته من دون رجعة». كان لا بد من سؤاله كيف يقرر بين لحظة وأخرى وفي هذه الزحمة من الأقمشة ما يريده بالفعل، ليرد مبتسما: «أولا لدي ذاكرة لا تخونني، ثم كل شيء في مهنتنا نكتسبه مع الوقت، فعيوني زائد أناملي وخيالي كلها مجتمعة تتحكم بقراراتي. أما نوعية الأقمشة بحد ذاتها فهي التي تدفعني إلى اختيارها وتحمسني».

عبد محفوظ الذي دخل هذه المهنة منذ نحو ثلاثين عاما مساعدا لشقيقته، الخياطة خيرية محفوظ، التي كانت تنفذ التصاميم بينما يقوم هو بتسويقها، تبدل كليا. صارت لديه أحلامه وهواجس بعد تجربة بسيطة، يقول: «عندما وجدت بالصدفة في نفس المكان مع أحد المصممين اللبنانيين الأوائل، كان يبيع أحد تصاميمه لسيدة مشهورة بمبلغ لا يمكن مقارنته بما كنت أعرضه أنا عليها في تلك الفترة من الثمانينات، مما ولد بداخلي نوعا من التحدي، بأن أبرز ما لدي من إمكانات دفينة. وهكذا انفصلت عن شقيقتي وانطلقت وحيدا أرتب أموري، وبالتحدي وصلت إلى هنا وما زلت حتى اليوم أسير على نفس الفكرة».

أخيرا أطلق عبد محفوظ تصاميمه في الـ«هوت كوتير» في أسبوع الأزياء الإيطالي، «ألتا روما»، في مجموعة تميزت بتنوع الأقمشة والألوان المستوحاة من الطبيعة وأوراق وأغصان الشجر فكانت بمثابة لوحات سريالية من «التول» و«الدانتيل» و«الكريب». يقول عبد محفوظ: «أردت أن أخرج فيها عن المألوف فقلبت الموازين واستخدمت الألوان الفاتحة لفصل الشتاء بدل القاتمة، وهكذا كان الأخضر والمرجاني والأزرق والأصفر إلى جانب الأحمر القاني، ألواني للخريف والشتاء عوضا عن الربيع والصيف».

السبب كما يقول يعود إلى المرأة التي أصبحت اليوم منفتحة وملمة بكل شيء، يشرح: «إنها تعرف كل شيء يتعلق بأسرار الموضة وبأحدث صيحاتها، بفضل المواقع الاجتماعية الإلكترونية التي شرعت أمامها الأبواب لتنهل منها كل ما يهمها. تصوري أنني شاهدت مع إحدى زبوناتي صورا لتصاميم قديمة لي منشورة على موقع (أنستاغرام)؟! أنا نفسي نسيتها وتفاجأت عند رؤيتي لها».

ويضيف عبد محفوظ أنه لم يعد يصادف صعوبات تذكر في عمله في الـ«هوت كوتير»، يقول: «لقد سلمتها لمديري الفني، غسان حويك، الذي يعمل معي منذ ثلاث عشرة سنة، وأصبح يفهمني جيدا ويقرأ أفكاري بسرعة مما خفف عني العبء في هذا المجال».

الأمر يختلف في مجال الأزياء الجاهزة التي أطلقها منذ ثلاث سنوات، لهذا عليه أن يصب كل اهتمامه عليها، يقول: «لقد أصبحت أنام وأحلم وأستيقظ وأنا أفكر بتصاميمها، فهي تتطلب ملاحقة دائمة وخصوصا أنني لم أجد بعد حتى اليوم شخصا كغسان يستطيع أن يساعدني فيها.. ولكن هذا ليس مهما، فأنا متحمس لعملي الجديد وأضعه في أولوياتي، وخصوصا أنني أحب العمل في جو يسوده الضغط، لأني أعطي أكثر، وبالنسبة لي فهذا يمنح الأجواء روحا ديناميكية».

كان يتحدث بحماس، وفي الوقت نفسه ينظر إلى قطعة القماش الدانتيل يمسكها ويتحسس نسيجها بأنامله، متابعا: «سأقول لك سرا، مهنتنا صعبة فيها قلق وخوف من الغد، ولكني متصالح مع اليوم والغد معا وتعلمت من الأوروبيين التنظيم، ولذلك وجهتي المقبلة ستكون موسكو. ستسألينني لماذا هذا البلد بالذات؟ والجواب أنه اليوم يشكل مدخلا قويا لدول الخليج، فإلى جانب الخبرة والإبداع يجب أن نتحلى أيضا برؤية سياسية جيدة». وهنا بادرته أستوضح عن دخوله سوق كردستان، فرد موضحا: «لقد اخترت أربيل لتكون مركزا حيويا جديدا، لهذا افتتحت فيها محلا جديدا بمساحة صغيرة إلى حد ما، إلا أنني أنوي توسيعه في المستقبل. لقد انتبهت إلى أن هذه المدينة العريقة بحاجة إلى لمسات عصرية في مجال الموضة. وهذه مهمة ممتعة سأبذل جهدي لكي أوفرها لها بالتوفيق بين الزي الكردستاني والتصميم الغربي. وقد لاحظت أن إلمام المرأة الكردستانية بالموضة العالمية لا يزال محدودا رغم أنها أنيقة بطبيعتها». ولا يخفي المصمم أن المهمة ليست سهلة لكنه سعيد بها بدليل أنه سيقدم في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل أول عرض أزياء فيها.

في مشغله الخاص بمجموعته المقبلة للأزياء الجاهزة، في الطابق الأرضي من نفس المبنى، كان لنا جولة طويلة. الصمت هو السائد في المشغل، ففيه يصح قول «ترمي الإبرة وتسمع رنتها». كان الجميع يعمل بتأن وكأنهم خلية نحل. الخياطة أمينة تحيك يدويا ثوبا ذهبيا، وبول حنا (يعمل معه منذ 13 سنة) يشك الدبابيس بروية، ومحمد (ساعده الأيمن) يحاول تفصيل تنورة واسعة لثوب سهرة من التافتا الليلكي عليه رسومات ذهبية. التفت إلي محفوظ وقال: «أبحث دائما عن الأفضل وأتشبث به، لذلك أنا متطلب، في مرات كثيرة، أن أكون فظا وشديد العصبية مع العاملين معي، لكني بمجرد أن أرى نتيجة حلوة حتى أهدأ تماما».