برامج التواصل الاجتماعي.. تقرب البعيد لكن لا تعوض الدفء الإنساني

اللقاء وجها لوجه يدخل السعادة على النفس ويجنبها برود العالم الإلكتروني

TT

لا تزال مواقع التواصل الاجتماعي تثير الجدل حول مدى تأثيرها على حياتنا بشكل عام. فقد ألغت إلى حد ما بعض العادات في المجتمعات الغربية والشرقية على حد سواء، بعد أن استعيض عنها بالرسائل الإلكترونية واللقاءات المستحدثة عبر برامج «تانغو» و«سكايب» و«فيس تايم»، وغيرها. ورغم ما تتعرض له هذه الوسائل من اتهامات بتغييب المشاعر والعواطف العفوية التي تثيرها اللقاءات المباشرة في العادة، فإن دراسة بريطانية جديدة أفادت بأن التواصل عن طريق كاميرا الويب، التي يتيحها برنامج «سكايب» مثلا، يجعل التواصل أفضل ويزيد نسبة الضحك حتى 50 في المائة. فهي ليست أفضل من اللقاءات الحية بين الأشخاص لكنها أفضل من التواصل بالهاتف أو الرسائل الإلكترونية من دون صورة.

وقد طبق سام روبرتس، أحد أطباء جامعة تشيستر البريطانية، الدراسة على فئتين: الفئة الأولى ممن يتواصلون يوميا مع أصدقائهم عبر الهاتف أو الرسائل الإلكترونية، والفئة الثانية ممن يلتقون أصدقاءهم مباشرة. كانت النتيجة أن الفئة الثانية أكثر سعادة ورضا من الفئة الأولى، مقارنة بالفئة الأولى التي تحبذ المواقع الاجتماعية بشكل أكثر من التواصل وجها لوجه.

وبالمقارنة بين التفاعل الذي يجري مع أصدقاء وجها لوجه أو عبر كاميرات برنامج المحادثات «سكايب» لمدة 14 يوما متواصلة، أو المتفاعلين عبر الهاتف والرسائل الفورية وغيرها، توصلت الدراسة إلى أن الأشخاص الذين يتفاعلون وجها لوجه أو عبر برنامج «سكايب» أكثر استعدادا للضحك والتفاهم.

وفي اتصال مع المتخصص في علم الاجتماع الدكتور عبدو قاعي حول مدى تأثر الشعوب الشرقية بأسلوب الحياة هذا وهم المعروفون بعواطفهم الجياشة، قال: «بالطبع في عصرنا الحالي يمكن القول إن البرامج الإلكترونية التي تؤمن التواصل المباشر بين الناس بالصوت والصورة تشبه المثل اللبناني القائل: (الكحل أفضل من العمى).. أي أنها بطريقة أو بأخرى تملأ إلى حد ما هذا الفراغ الذي نعاني منه في العلاقات الاجتماعية، التي صارت في الآونة الأخيرة تتألف من أرقام وعبارات مكتوبة إلكترونيا بدل أن ترتكز على أحاسيسنا المباشرة. فهذه الأحاسيس يصعب التعبير عنها بالكلمات وحدها، بل تزيد دفئا وصدقا من خلال النظرات والابتسامات، وما شابه من حركات جسدية أخرى نقوم بها لدعم ما نقوله. فالخطاب الحي والمباشر هو الذي يسكن ذاكرتنا ويقوي من علاقاتنا». ويرى الدكتور قاعي أن «ذاكرة الإنترنت وأي وسيلة إلكترونية أخرى أقوى من ذاكرة الإنسان، لكن مهما بلغت من أهمية لا تستطيع إلغاء الشعور بالوحدة لدى مستخدمها. وفي اعتقادي أن الناس أدمنت التواصل الإلكتروني بسبب الضغوطات الحياتية أو السفر، وأسباب تجعل العلاقات المباشرة صعبة».

أما آمال خوري، وهي أم لثلاثة أولاد يعيشون خارج لبنان، فترى أنه لولا برنامج «سكايب» الإلكتروني لأصيبت بالاكتئاب، وتضيف: «أشعر بالامتنان لمخترعي هذه الوسيلة لأنهم سهلوا الاتصال بأحبائنا البعيدين عنا بعدما كنا في الماضي نجري اتصالا هاتفيا معهم متقطعا وغير واضح يصيبنا بالتوتر بعد انتهاء كل مكالمة، فضلا عما يكلفه من مبالغ كبيرة».

بدورها، تؤكد رباب البياع التي يعمل زوجها في الإمارات العربية، أنها تواكب زوجها من لبنان، في كل تحركاته بفضل برنامج «تانغو» الإلكتروني، الأمر الذي يشعرها بالأمان والسعادة رغم بعده عنها.

على عكسها، تصر ستيفاني سماحة التي تعمل متخصصة غذاء، على الالتقاء بأصدقائها وجها لوجه كلما سنحت لها الفرصة بذلك، لأنها تؤمن بأنه لا شيء يعوض هذه اللقاءات المباشرة التي تسودها أحاديث منوعة وتعليقات مضحكة وآراء مباشرة، مشيرة إلى أنها نادرا ما تستخدم «سكايب»، إلا عندما تكون مسافرة.