زيادة أسعار المنتجات المترفة لعبة لا بد منها لتحريك البيع والشراء

ظهور طبقات جديدة في الأسواق النامية أحد أسبابها

TT

من التناقضات التي ولدتها الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008، ارتفاع أسعار المنتجات المترفة بشكل أقرب إلى الخيال. عادة، وعند أي أزمة مالية، فإن أول ما يخطر بالبال انخفاض الأسعار لتشجيع حركة البيع والشراء التي تكون قد تراجعت بسبب سياسة تقشفية يتبعها الناس تحسبا لما يخبئه الغد. لكن في عام 2008 كانت المفاجأة أن العكس حصل. فعوض أن تنخفض أسعار المنتجات المرفهة أو تستقر على الأقل، سجلت ارتفاعا غير مسبوق.

إذا لم تصدقي الأمر، ما عليك سوى العودة بذاكرتك إلى الوراء قليلا وربط مقارنة بين أسعار الإكسسوارات في الماضي والحاضر. ستتذكرين بلا شك بأنك منذ 13 عاما تقريبا كان بإمكانك الحصول على حقيبة «كيلي» من «هيرميس» بـ2900 جنيه إسترليني، أما الآن فأنت تحتاجين إلى ما لا يقل عن 4600 جنيه إسترليني، كذلك الأمر بالنسبة لحذاء من «مانولو بلانيك»، الذي كان منذ 10 سنوات بـ295 جنيها إسترلينيا ويقدر سعره الآن بـ459 جنيها إسترلينيا. وهل تتذكرين حقيبة «أليكسا» من دار «مالبوري»، وكيف كانت في عام 2009 تساوي 750 جنيها إسترلينيا، وكنت تفكرين بأنها غالية؟ الآن لن يمكنك الحصول عليها بأقل من 1000 جنيه إسترليني، بل حتى حقيبة «بريمروز» الجديدة من نفس الدار، تقدر بـ1200 جنيه إسترليني رغم أنها أصغر حجما، مما يعني أن كمية أقل من الجلد استعملت فيها. وطبعا لا يمكن أن ننسى حقيبة «شانيل - 2.55» التي كانت منذ 10 سنوات بنحو 600 جنيه إسترليني تقريبا، أما اليوم فهي بـ2975 جنيها إسترلينيا. هل هذا يعني أن الرغبة فيها خفت أو الإقبال عليها تراجع؟ بالعكس، قد تكون هذه الرغبة تضاعفت لأنها بهذا السعر أصبحت ترمز إلى قدرة صاحبتها الشرائية وإلى دخولها نادي الأناقة من خلال منتج لا تخطئه العين العارفة.

ما اكتشفته بيوت الأزياء والإكسسوارات أن رفع سعر أي منتج وجعله صعب المنال يجعله مرغوبا أكثر، لأنه يؤثر على الحالة النفسية فيأخذ في عين المستهلك صورة مختلفة: أكثر جمالا وجودة وحرفية. وهذا ما تلعب عليه الكثير من بيوت الأزياء منذ بضع سنوات وتستغله، إما بالعودة إلى إرثها والتغني به في كل مناسبة، وإما باستحداث أقسام خاصة مثل التفصيل على المقاس، أو منح بعض الإكسسوارات صبغة شخصية بكتابة اسم صاحبها عليها، أو بالتعاون مع فنانين معروفين لطرح تشكيلات حصرية ومحدودة. والملاحظ أنها لا تتفنن في طرح هذه المنتجات الرفيعة والخاصة فحسب، بل تتفنن أيضا في طرق تسويقها، وليس أدل على هذا من لائحات الانتظار التي أصبح على المرأة أن تسجل فيها اسمها للحصول على حقيبة من جلد التمساح مثلا، لا تتوصل بها إلا بعد عدة أشهر، ما يشعرها بأنها توصلت بكنز.

المصمم توم فورد واحد من المصممين الذين فهموا اللعبة وأتقنوها منذ البداية. فقد جعل عروضه منذ البداية حصرية، إلى حد منعه المصورين من حضورها والتقاط أي صور يمكن أن تتسرب للعامة من خلال مجلات لا تتماشى مع الصورة التي يريد أن يعكسها لجمهوره. صحيح أنه غير سياسته في الموسم الماضي، إلا أنه لا يزال يعتبر نفسه نخبويا. فقد طرح مثلا حقيبة من جلد التمساح بسعر 24000 جنيه إسترليني، وهو سعر يجعل حقيبة «كراش» من «بيربيري» رخيصة بالمقارنة بسعرها الذي لا يتعدى الـ8500 جنيه إسترليني.

لوي فويتون بدورها رفعت أسعارها بنسبة 10% في أوروبا منذ بداية العام. في ظل هذه التغيرات والجنون نشر المكتب الأميركي لإحصائيات العمل دراسة أكد فيها أن ثمن المنتجات المترفة ارتفع بنسبة 60% تقريبا خلال 10 سنوات. صناع الموضة يعيدون السبب إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية مثل الأقمشة والجلود الطبيعية وأجور اليد العاملة وأسعار الشحن والدعايات وغيرها. وهنا لا بد من ذكر الحملات الترويجية التي يتطلبها التسويق، والتي تخطت مجرد دعايات عادية وتقليدية إلى فن قائم بحد ذاته، يحتاج إلى فريق كبير متخصص في شتى المجالات، من التصوير الفوتوغرافي والسينمائي إلى الموسيقى والتأثيرات ما شابه من تفاصيل لا بد أن يتحمل المستهلك بعضا من تكاليفها. لكن هناك من يرد السبب إلى لعبة تسويقية ذكية تركز على جعل هذه المنتجات مغرية أكثر لتأجيج الرغبة فيها، من باب كلما زاد السعر زاد السحر. وحسب موضوع نشره موقع «بيزنيس أوف فاشن» منذ فترة قصيرة، فإن دار بيربيري واحدة من بيوت الأزياء التي اعترفت في شهر مارس (آذار) الماضي بأنها رفعت أسعارها من أجل جذب زبائن جدد من الأثرياء يرغبون في الحصول على منتجات حصرية وفريدة. أغلب هؤلاء الزبائن من الأسواق النامية، التي شهدت ظهور طبقات جديدة قادرة على شراء أي شيء يروق لها وبأي ثمن. وتبين أن هذه الشريحة تفضل أن يكون السعر عاليا حتى تختلف عن الباقي من جهة، وحتى تستعرض وجاهتها من جهة ثانية، إضافة إلى أن كونها تدخل لعبة الموضة مؤخرا، مما يجعلها تفتقد الثقة بأسلوبها الخاص، ويجعلها تعتقد بأن السعر يحدد الجودة ويضمن لها الأناقة وعدم الوقوع في الخطأ.

وتقول دراسة قامت بها شركة «كابجيميني» للاستشارات الإدارية إن عدد الشرائح التي زادت ثرواتها في الآونة الأخيرة ارتفع في العالم بنسبة 9.2% في عام 2012، ليصل إلى 12 مليون شخص. النسبة الأكبر منها تعيش في الولايات المتحدة، لكن نسبة أخرى لا يستهان بها تعيش في آسيا. هذه الشريحة تبحث عن كل ما هو فريد وغالٍ حسب الدراسة، التي أضافت بأن الرغبة في التفرد هي الدافع وراء ارتفاع الأسعار. ما حصل بعد عام 2008 أن صناع الموضة انتبهوا سريعا إلى أن الطبقات المتوسطة هي المتضرر الأكبر من الأزمة، بينما بقيت شرائح الأثرياء في منأى عنها، بل وزادت رغبتهم في الاقتناء سواء تعلق الأمر بالساعات أو السيارات الفاخرة أو بالقطع الفنية أو الأزياء. فحتى الهوت كوتير التي نعاها البعض في التسعينات، وتوقعوا موتها بسبب تغير إيقاع الحياة وانقراض زبوناتها الوفيات، انتعشت أكثر وتعيش حاليا عصرا ذهبيا جديدا، إلى حد القول إنها تحقق أرباحا لم تحققها منذ عقود. وبعد أن كانت مجرد «بريستيج» لتلميع صورة الدار أصبحت منجم ذهب، بيد أن الإكسسوارات والعطور لا تزال الأكسجين الذي تتنفسه صناعة الموضة عموما، فقد اعترفت «ميوتشا برادا»، مثلا، أن المنتجات الجلدية مثلت 70% من أرباحها في بداية الشطر الأول من عام 2013، مقارنة بالأزياء. نفس الأمر اعترفت به دار «بيربيري» وغيرها.

بالنسبة للذين لا يقدرون على هذه الأسعار، فإن أملهم هو موسم التخفيضات، وإن كانت بعض الماركات لا تركب هذه الموجة وترفض أن تخفض أسعارها في أي موسم، مثل «هيرميس» و«لوي فويتون»، وحتى «شانيل» فإنها لا تخفض أسعار منتجاتها الكلاسيكية والأكثر مبيعا وتكتفي بخفض أسعار منتجاتها الموسمية. والسبب أنهم يريدون الحفاظ على صورة راقية وبعيدة المنال حتى لا يفقدوا زبائنهم الأثرياء. فالتخفيضات حسب السيد برنار أرنو، الرئيس التنفيذي لـ«لوي فويتون»، ليست عملية عادلة، إذا نظرنا إليها بعيون زبون يشترى المنتج بسعره الكامل ليفاجأ بعد أشهر قليلة بأنه خفض إلى النصف وأصبح الكل يملكه.

ومع ذلك فإن هؤلاء المتوثبين للفوز بقطعة بسعر مخفض مستعدون للعبة الصبر والانتظار، ويعرفون أن باقي الماركات ستضطر إلى ذلك بعد 3 أشهر تقريبا من طرح بضائعها في الأسواق، مما يجعل منتجا كان بسعر 1400 جنيه إسترليني متاحا بعد أن يخفض بنسبة 50% إلى 700 جنيه إسترليني تقريبا أو أكثر عندما تصل التخفيضات إلى 70%.