ثلاثة مصممين.. ثلاث قطع استثنائية

تلبية حاجة المرأة وقراءة التغيرات الاجتماعية.. الملهم الأول

فستان الـ«راب» من دايان فون فورتنسبورغ - الممثلة جنيفر أنيستون وفستان من دونا كاران مستلهم من تصميمها الأيقوني - العارضة كوكو شانيل وتايور بتوقيع جيورجيو أرماني - فتاة المجتمع باريس هيلتون وفستان «راب» من دايان فون فورتنسبورغ - من تصميم دونا كاران
TT

المتعارف عليه في عالم الموضة أن المصمم هو الذي يصنع الأزياء، وليس العكس، لكن أحيانا تنجح قطعة تبدعها أنامله في رفع اسمه عاليا وترسيخ مكانته في كتب الموضة وتاريخها، يقرأ عنها الباحثون وتلهم المصممين الصاعدين. قطعة واحدة تتحول إلى كنز خاص به، ما إن تذكر أو تظهر في الصورة، حتى يذكر اسمه معها بشكل تلقائي وكأنهما توأم سيامي.

في هذا الصدد، ما علينا إلا أن نذكر الفستان الأسود الناعم حتى يتبادر إلى الذهن اسم هيبار جيفنشي، وعندما يذكر الجاكيت الأسود، وإلى حد ما الفستان الناعم، يحضر اسم غابرييل شانيل. أما تايور التوكسيدو فهو لصيق بالراحل إيف سان لوران لا يمكن لأي أحد من بعده أن يغير هذه الحقيقة مهما أبدعوا فيه وطوروه. صحيح أن الموت غيب هؤلاء الثلاثة منذ زمن، إلا أن إرثهم سيبقى حيا يذكرنا بهم ويلهم الكثير من المصممين الشباب لأجيال قادمة. كما أن الإبداع لم يمت معهم، لأن هناك من الأحياء من سيخلفون إرثا لا يقل أهمية، نذكر منهم ثلاثة آخرين على سبيل المثال لا الحصر، هم جيورجيو أرماني، دونا كاران ودايان فون فورتنسبورغ. كل واحد من هؤلاء أحدث ثورة في السبعينات والثمانينات لا تزال أصداؤها تتردد لحد الآن. الأول أحدثها في السبعينات من القرن الماضي، عندما طرح للرجل بدلات خفيفة على الكتف وعلى النظر في الوقت ذاته، بعد أن فككها من تعقيداتها، وخلصها من بطانتها الثقيلة ليخلق خطوطا ناعمة ومريحة أكثر. وعندما انتبه إلى أنه توصل إلى وصفة ناجحة، لم يبخل بها على المرأة، حيث منحها تايورات أنيقة تلعب على مفهوم القوة والذكورة بأسلوب أنثوي غير مسبوق. المصمم المخضرم يتذكر البداية ويقول إن الفضل في شهرته يعود أيضا إلى هوليوود، وتحديدا لفيلم «أميركان جيغولو» في عام 1980 الذي لعب فيه ريتشارد غير دور البطولة. يقول المصمم إن مخرج الفيلم، بول شرايدر، طلب منه أن يصمم بدلات للنجم، الذي كان حينها ممثلا مبتدئا. كانت الفكرة أن تجمع كل قطعة بين الخياطة الرفيعة وبين شعور خفي بالنعومة والخفة، لأن الدور كان يتطلب ذلك. منذ ذلك الوقت سطع نجم المصمم الإيطالي الذي لم يكن قد مضى على تأسيسه داره إلا خمس سنوات فقط، ولم يكن يتوقع كل النجاح الذي حققه في هذه الفترة الوجيزة.

تصميم أزياء نسائية لم يكن يخطر بباله حينها، لكن مقابلة مع جون فيرتشايلد، الذي كان محررا في مجلة «ويمنز وير ديلي» أقنعته بذلك. وفي عام 1981 قدم أول تشكيلة نسائية تتضمن فساتين للمساء والسهرة جاءت تعبق بالسحر والإثارة والغموض. بيد أنه رغم أنه أصبح وجها مألوفا في أسبوع الـ«هوت كوتير» الباريسي بخطه «بريفيه» فإن تاريخ الموضة سيذكره دائما بالمصمم الذي فكك البدلة من تعقيداتها وأضفى عليها أنوثة أدخلتها مناسبات السجاد الأحمر؛ ففي عام 1991 حضرت النجمة جودي فوستر حفل توزيع جوائز بتايور من تصميمه أدخلها قائمة أكثر النساء أناقة في ذلك العام، إلى جانب ميشيل فايفر التي ظهرت أيضا، وفي نفس المناسبة، بتايور بسيط أزرق.

مثل كل القطع الأيقونية كان توقيت طرح التايور المؤنث مناسبا، لأنه جاء كردة فعل للتغيرات الاجتماعية التي كان يمر بها العالم عموما، والمرأة خصوصا. فالثمانينات هي الحقبة التي شهدت دخولها إلى عالم الرجال بقوة، ما جعلها تشعر أنها تحتاج إلى أزياء تنضح بالقوة ولا تكشف عن المفاتن، لكن في الوقت ذاته لا تلغي أنوثتها تماما حتى تحافظ على شخصيتها ولا تبدو مسترجلة. وهذا ما قرأه المصمم وترجمه مسجلا مرحلة جديدة في تاريخ الأزياء.

في الثمانينات، بزغ أيضا نجم مصممة أميركية شابة اسمها دونا كاران. كان ذلك حين قدمت عرضا لم يشمل سوى سبع قطع بسيطة يمكن التلاعب بها وتنسيقها بطرق مختلفة حتى تناسب المرأة العاملة وتسهل عليها حياتها. ما قامت به المصممة أنها استعملت قماش الليكرا المطاط حتى يمنح لابسته حرية في الحركة، ثم أضافت الطيات والثنيات المتعددة للتمويه على بعض عيوب الجسم. وكانت النتيجة شكلا عمليا وأنثويا في الوقت ذاته. تقول دونا كاران بأنها عندما دخلت عالم التصميم لاحظت أن أغلب ما كانت تلبسه المرأة كان واسعا يستوحي الكثير من خطوطه من خزانة الرجل، وكأن المرأة كانت تخاف من أن تظهر أنوثتها فتنعت بالضعف، أو باللعب على أنوثتها للوصول إلى مراكز عالية، كانت تطمح إليها ومؤهلة لها. ومع ذلك، حرصت، مثل أرماني، على أن تؤنث بعض القطع الرجالية بتفصيلها بطريقة دقيقة من خلال تحديد منطقة الخصر وتنعيم الأكتاف بجعلها أكثر استدارة، إضافة إلى استعمال أقمشة مرنة مطاطة. وقد تكون هذه الأمور عادية اليوم، إلا أنها في عام 1985 كانت بمثابة ثورة في عالم الموضة، جعلت المرأة في كل أنحاء العالم تهتف باسمها، ووسائل الإعلام تهلل مبشرة بولادة نجمة جديدة في عالم الموضة. ما سيظل مرتبطا باسمها هو قطعة الجيرسيه ذات الأكتاف العارية، وهي بتصميم ملفوف عند الصدر ويظهر جزءا بسيطا من الأكتاف. بسحب جزء بسيط من الأكتاف يمكن أن تحمل القطعة لابستها من النهار إلى مناسبة مهمة لدعوة عشاء أو سهرة.

ما نجحت فيه دونا كاران أنها انطلقت من تجربتها الخاصة، ومما تحتاجه هي كامرأة عاملة، ووظفته في هذا الفستان الذي جمع العملية بالأناقة المثيرة لحد ما، يمكن تنسيقها مع جاكيت للمكتب ولقاءات العمل، وفي المساء تنسيقها مع حذاء عال وأحمر شفاه قان ما يختصر الوقت ويجنبها الحيرة. ولحد الآن، تحرص المصممة على أن تقدم في كل موسم قطعا عملية كثيرة يكون فستان الجيرسيه دائما واحدا منها.

ويبدو أن الجيرسيه لعبة المرأة عموما، لأن المصممة البلجيكية الأصل، دايان فون فورستنبورغ، هي الأخرى قدمت إبداعا آخر تقدره المرأة وأصبح من أساسيات خزانتها لعمليته وأناقته ورحمته بالجسم، لما يخفيه من عيوب، من الجيرسيه. هذا الإبداع أصبح يعرف بالفستان الملفوف «ذي راب دريس». سعره معقول جدا مقارنة بما هو مطروح حاليا، خصوصا في سوق الكلاسيكيات الأساسية التي لا يأتي عليها الزمن. فرغم أنه ولد في السبعينات، لا يزال يبدو متجددا في كل موسما، مرة بالجيرسيه ومرة بالكشمير والألوان، لكن دائما بنفس التصميم المبتكر. ويعود اسمه لكونه يلف حول الخصر ويربط بحزام داخلي على الجانب، مما يجعله يموه على الكرش إذا كان بارزا أو منطقة الورك إذا كانت تميل إلى الضخامة. ولا تنكر المصممة أن هذا الفستان كان له فضل كبير في رفع أسهمها عالميا، منذ أن طرحته أول مرة في عام 1976 ليزيد الإقبال عليه في أواخر الثمانينات والتسعينات، لا سيما بعد أن ظهرت به نجمات مثل مادونا وكايلي مينوغ وميشال فايفر وغيرهن، ما جعل صحيفة «نيوزويك» الأميركية تنشر حينذاك أن ديان فون فورتنسبورغ حققت أعلى المبيعات في عالم الأزياء في تلك الفترة، منذ كوكو شانيل.

أما هي فلا تنكر فضل هذا التصميم عليها وتشرح بأنها استوحته ببساطته وعمليته من المرأة العاملة التي عليها أن توازن الكثير من المسؤوليات الأسرية والمهنية، وأن تحافظ على أناقتها في كل الأوقات. وقالت إنه ولد في ذهنها عندما كانت طفلة تراقب الأمهات خلال اصطحابهن أطفالهن إلى دار الحضانة. عندما كبرت الطفلة وتزوجت وأصبحت أما، تبلورت هذه الصورة على شكل فستان مريح ورحيم على الجسم يخاصم التعقيدات والمبالغات. سيبقى مرتبطا باسمها مهما أبدعت هي ومهما استوحى منه آخرون وطوروه. فالحقوق الإبداعية والأدبية من حقها، تماما مثلما أن التايور النسائي ملك لجيورجيو أرماني وفستان الجيرسيه ذا الأكتاف المتعرجة ملك لدونا كاران.