أسبوع ميلانو للموسمين المقبلين.. لقاء للأجيال واحتفال بالحرفية

الانفراج الاقتصادي يعكس تفاؤل وحيوية العروض

«غوتشي» (Gucci) - «فرساتشي» (Versace) - «إيترو» (Etro) - أناقة تخاطب كل الأجيال في عرض «إيترو» (Etro) - «غوتشي» (Gucci) - «إيترو» (Etro)
TT

كانت هناك حالة واضحة من التفاؤل بعام 2014 في عاصمة الموضة الإيطالية، وشبه إجماع على أنه سيكون أفضل من 2013. تفاؤل تجلى في تنوع كبير يصب في صالح الرجل، الذي سيجد فيه كل ما يتمناه أو يحتاجه من بدلات مفصلة أو قطع منفصلة لكل المناسبات. أكبر مثال على هذا، عرض «غوتشي» الذي قدمت فيه المصممة فريدا جيانيني طبقا متنوعا وغنيا، الهدف منه الرفع من مبيعات الدار، بعد أن شهدت تراجعا في الشطر الثالث من عام 2013 بنسبة 5.4 في المائة.

لكن التنوع لم يكن السلاح الوحيد الذي لجأ إليه الإيطاليون، بل كانت هناك أيضا جرعة قوية من الحيوية في التصاميم المفصلة، وسخاء في استعمال الأقمشة الفخمة والألوان التي تتباين بين الفاتح والغامق. بمتابعة صور معظم العروض، يبدو واضحا أن ميلانو تركز على التفصيل للفوز بود الرجل الأنيق والمقتدر، حتى فيما يتعلق بالقطع المنفصلة مثل المعاطف والقمصان. فقد حرصت على أن تكون وسيلتها لمواجهة المنافسة الشديدة التي تواجهها من كل من لندن وباريس، وكأن هذا لا يكفي، لجأت إلى استعراض حرفيتها وتقنياتها المتطورة في صناعة الأقمشة، من خلال استعراض خياطيها والأنامل الناعمة التي تسهر على إنجازها. دار «إيترو»، المعروفة بألوانها وأقمشتها المطبوعة بالمربعات، مثلا، أرسلت بعض العاملين في ورشاتها جنبا إلى جنب العارضين، بعضهم يحمل أدوات الخياطة حتى تترسخ الصورة في أذهان الحضور وتذكرهم بأن ما يتابعونه لمدة 15 دقيقة فقط، وراءه جيش من الجنود المجهولين عملوا وسهروا على تنفيذه على مدى أشهر. هذه الصورة خلفت إحساسا بأن إيطاليا تريد أن تسلط الضوء على مفهوم «صنع في إيطاليا» لمواجهة المنافسة التي تشنها لندن بقوة في الآونة الأخيرة برفعها شعار «صنع في بريطانيا».

لكن، ليس هذا هو السبب الوحيد، فالمشاعر الوطنية التي تنتاب الكثير من الإيطاليين أخيرا أيضا لها دور، بمعنى أن بعضهم غير سعداء بالزحف الخارجي لامتلاك بعض بيوتها المعروفة. بيوت أسسها أفراد وظلت ملكا عائليا، لكنها بسبب العولمة والمنافسة والرغبة في التوسع، أصبحت صيدا سهلا لمجموعات استثمارية عالمية تريد أن تضمها إليها. الموالون لهذا التحرك يرون أنها إيجابية وضرورية من أجل التطور والتوسع، إلا أنها تبقى عملية معقدة، يصعب على الكل تقبلها. ومن هنا، كان هذا الاستعراض الغني لإرثها وعراقتها والمبادئ العائلية التي قامت عليها أساسا. مصمم الجانب الرجالي، كين إيترو، عبر عن هذا الإرث والعراقة بقوله إن تشكيلته لخريف 2014 وشتاء 2015 تحية خاصة لخياطي وخياطات الدار، «فنحن نعيش مع بعض كل يوم». ما لم يفصح عنه، أنهم بمثابة عائلة يجب ألا تفرقها الأحكام التجارية أو التدخلات الخارجية. وبعيدا عن هذه القراءة بين السطور وما كان واضحا للعيان، أن الدار لم تكتف باستعراض حرفيتها أو الاحتفال بالعاملين فيها، بل أكدت أنها ماركة لكل المواسم والأذواق، وأن نقوشاتها المتضاربة وألوانها المتداخلة، تخاطب كل الأعمار. لتأكيد هذا الرأي، أرسلت شبابا وكهولا، مع بعض، في بدلات مفصلة مطبوعة بهذه النقشات، أضافت إليها صديرات وأوشحة من الصوف، تستحضر صورة رجل داندي يحب الأناقة ولا يخاف أن يعلن هذا الحب على الملأ.

دار «زيغنا»، في المقابل، ومنذ أن التحق بها المصمم ستيفانو بيلاتيس في الموسم الماضي، تزيد عصرية وتقل رسمية. لموسم الشتاء، استغل المصمم مكمن القوة فيها، أي توفرها على أقمشة غنية مثل صوف الفيكونا والحرير والصوف، وصاغها في تصاميم أقرب إلى الحداثة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الدار، كانت منذ موسمين فقط، تنتمي إلى المدرسة الكلاسيكية. ستيفانو بيلاتيس قدم، إلى جانب البدلات، الكثير من المعاطف الواسعة بأقمشة خفيفة وأحذية من الجلد بتصاميم مستقبلية في بعض الحالات، إلى جانب قطع «سبور» للأيام العادية والإجازات. شرح المصمم أن فكرته كانت تشكيلة تمزج أجواء المدينة بالطبيعة، لهذا استعمل الألياف الطبيعية مع تقنيات عصرية لغزلها. وأضاف أنه أيضا وضع نصب عينيه قطعا تتحدى الزمان والمكان، تخاطب رجلا ديناميكيا يسافر كثيرا، ومن ثم يحتاج إلى أزياء تناسب كل الأجواء التي يتوجه إليها والمناسبات التي يحضرها.

ويبدو واضحا من كل العروض، أن بداية انقشاع الأزمة الاقتصادية، يشجع على تجربة تقنيات جديدة وجريئة، لكن دائما ضمن إطار معقول يسوق نفسه بسهولة. الثنائي «دولتشي آند غابانا»، مثلا، قدم في المواسم الماضي تشكيلات برسمات دينية وألوان صارخة من الصعب تسويقها، أما هذه المرة فاختار استعمال رسمات تجسد وجوها تاريخية من القرون الوسطى والتخفيف من قوتها باستعمال ألوان طبيعية. ولأنها قد تثير بعض الجدل والتساؤلات، حيث تظهر رجالا بلحيات طويلة مع قفازات وتيجان كأنهم في حرب، بررها ستيفانو غابانا، بأنها تعكس واقع الآن، وبأن هناك تشابها بينها وبين أحداث شهدتها القرون الوسطى. باستثناء هذه القطع الجريئة، أو المثيرة للجدل بالنسبة للبعض، يمكن القول بأن التشكيلة عموما معقولة سواء تعلق الأمر بالبدلات العصرية أو الكنزات أو البنطلونات المفصلة بطيات، أو حتى بالإكسسوارات. ولأن الأسبوع لا يمكن أن يخلو من بعض المبالغة، فقد تسلمت دوناتيلا مشعلها من «دولتشي آند غابانا» وقدمت تشكيلة في غاية الجرأة، قالت المصممة إنها تخاطب رجل «فرساتشي». فهذا الأخير ليس محافظا، بل واثقا بنفسه وأسلوبه، كما يتمتع بالحرية ولا يقبل أن يتنازل عنها. حرية جسدتها في ظهوره أحيانا بملابس داخلية. لكن حتى دوناتيلا لا يمكن أن تغفل الجانب التسويقي والتجاري، لهذا كان هناك جانب آخر في هذه التشكيلة، متقن في تفاصيله وتفصيله، ظهر في بدلات تتميز بسترات بزر واحد نسقتها مع رابطات عنق بنقوشات واضحة.