تظاهرة تواصل الاحتفاء بثراء الموروث المغربي وتلاقي الثقافات

الدورة الـ18 ترفع شعار «القفطان.. روائع الإمبراطوريات»

مما عرض في قفطان 2013 - من تصميم قاسم ساهل - من عروض سابقة - تجديده تطلب بعض التغييرات الطفيفة لجعله مناسبا لمتطلبات العصر - من مشاركات سابقة
TT

ترفع تظاهرة «قفطان نساء المغرب 2014»، في دورتها الـ18، شعار «القفطان.. روائع الإمبراطوريات»، لذلك ينتظر أن تسلط الأضواء، مساء 10 مايو (أيار) المقبل، بمراكش، على ثراء الحضارات الكبرى في تاريخ البشرية، في حفل تتخلله عروض أزياء ولوحات فنية تستلهم، بشكل خاص، الحضارات الرومانية والبابلية والمقدونية والروسية والصينية والعثمانية والفارسية والمصرية، خاصة أن هذه الإمبراطوريات الكبرى خلفت، حسب المنظمين، موروثا غنيا؛ من الثقافة إلى طقوس التجميل والموضة، مرورا باختلاط الأجناس والأبجدية والنظام النقدي والحلي الفضية.

انسجاما مع شعار دورة هذه السنة، سينهل مصممو الأزياء الـ16 المشاركون من هذا المعين وسيستلهمون هذا التراث الإنساني للإمبراطوريات المحتفى بها، لإظهار طاقاتهم الإبداعية وابتكاراتهم المستوحاة من أزمنة غابرة غنية بالألوان الزاهية والأثواب الثمينة والأشكال الفريدة والتفاصيل البهية.

المصممات والمصممون المشاركون، هم: ماريا الوزاني الشهدي، ومريم بوسيكوك، وسميرة مهيدي كنوزي، ومريم بلخياط، وأمينة بوصيري، وروميو، وصفاء إبراهيمي، ونسرين زكي بقالي، وقاسم سهل، وسهام الهبطي، ونبيل دحاني، وإحسان غيلان، وزينب ليوبي، وفوزية ناصري، وخديجة لهجوجي، وآمال بلقايد، ونبيلة شهاب.

وبقدر ما ستركز دورة هذه السنة على الاحتفاء بثراء الموروث المغربي وتلاقي الثقافات، يشدد المنظمون على أن التظاهرة ستواصل تعزيز الأواصر بين الفنون المغربية الأصيلة وآخر صيحات الموضة على الصعيد العالمي.

ويرى المأخوذون بجمال وتفرد الأزياء التقليدية، في القفطان المغربي عنوانا لشهرة وتميز الأزياء المغربية بشكل عام، ويذهبون إلى القول بأن هذا الزي قد تحول إلى ملهم للأزياء العالمية، من جهة أنه يقدم للناظرين «لوحة تجمع بين الثقافة الأصيلة التي لا تتخلص من الماضي كليا، ولا تهمل مسايرة العصر، محافظة بذلك على أناقة المرأة المغربية وحشمتها».

ويتفق المهتمون على أن القفطان المغربي قد استطاع أن يحقق العالمية، مخترقا دور عرض الأزياء، ومؤكدا حضوره في أرقى المهرجانات واللقاءات العالمية، الشيء الذي جعله ينتقل، بصفته رمزا للزي التقليدي المغربي، من موروث شعبي وتاريخي، إلى عنوان يحمل اسم المغرب إلى العالم تعريفا ووزنا حضاريا.

ومع اتساع شهرته، أصبح «سلعة» مطلوبة في كل الدول، بدليل أنه دخل خزائن سيدات وجميلات الشرق والغرب، خصوصا أن من أهم ما يميزه، إضافة إلى بهائه وسحره التاريخي، أنه إبداع يرتقي بالصنعة إلى مستوى الفن.

ويبدو أن السر في وصول القفطان المغربي إلى العالمية هو أن سيدات مجتمع راقيات ونجمات عالميات شهيرات عشقنه، واخترنه لباسا رسميا في السهرات الخاصة والمناسبات العامة والتظاهرات الفنية الكبرى.

ويربط بعض المأخوذين بأرقام التاريخ، فتنة ألوانه وبهاء تصميمه بحنين ممزوج بالكبرياء نحو ما يلائم الجمال ويوافق متعته، ولذلك تجدهم يرجعون أصول القفطان المغربي إلى زرياب، الذي يذكرون له عنايته بمظهره واهتمامه بأناقته.

وهل هناك أبهى من رجل موسيقى، يذكرنا بمجد العرب والفردوس الأندلسي، لكي نعيد إليه أولى خيوط قفطان صارت تتألق فيه كثير من سيدات الكون وجميلاته؟

وما بين أناقة زرياب، في حديث المؤرخين، وجرأة المصممين، ارتباطا بكل اللمسات التي حاولت أن تطور في أشكاله، في الزمن المعاصر، ظل القفطان المغربي محتفظا ببريقه ومحافظا على أصالته، حتى ظل الاقتراب من إغراءات التطوير يحمل بذور حذر شديد من إيقاظ الحراس، المنتبهين بدورهم لكل احتمالات فقدانه أصالته وعراقته وما يمثله على الصعيد الحضاري والتاريخي للبلد وناسه.

ويرى عدد من المهتمين أن تصميم هذا الزي يتطلب معرفة عميقة بتاريخه، كما أن تطويره يتوجب أن يبقى حكرا على «الحرايفية»، أي من امتهنوا حرفته وضبطوا أصولها جيدا ولهم ماض مشهود ومعترف به فيما يتعلق بالخياطة والتصميم الأصيل، بشكل يجعلهم قادرين على فهم واستيعاب مساحات التطوير التي يمكن التعامل من خلالها مع هذا الزي.

وكان إعجاب المصممين العالميين بخصوصية القفطان المغربي، وتأثيره عليهم، على امتداد السنوات الأخيرة، قد حمله من البيوت والمناسبات المغربية، إلى العالمية على يد عدد من كبار المصممين، أمثال الراحل إيف سان لوران وجون بول غوتييه.. وغيرهما، الأمر الذي جذب انتباه نساء من ثقافات وجغرافيات وجنسيات متعددة، وخوَّل له عروضا تقام على شرفه، بانتظام، في عدد من المدن المغربية والعربية والغربية.

وفي المغرب، صارت عروض الأزياء التقليدية أكثر من أن تحصى، ويتألق خلالها مصممون مجددون يضعون لإبداعاتهم عناوين مختلفة، تنقل مضمون هذه التصاميم وشكلها، في مرافقة تامة لعالمية اكتسبها زي تقليدي بالأساس، خصوصا أنهم صاروا يتنافسون على تقديم آخر خطوط الموضة والخياطة التقليدية الراقية، ويدفعون في اتجاه ألا يبقى هذا الزي محصورا في بيئته المغربية.

ولأن التطوير يأتي، في الغالب، ملبيا لإغراء، أو غيرة على ما يراد تطويره، فإن الذكاء التسويقي استدعى أن تتجه عيون المصممين إلى إرضاء كل الأذواق، بما في ذلك الغربية والعربية، ولذلك لم تعد هناك من شروط مسبقة للإبداع، أو خط موحد يميز الأزياء المعروضة، وبالتالي ترك الباب مفتوحا على مصراعيه، تقريبا، لمزج الخيال بالابتكار والاقتباس.

وبعد أن كانت عصرنة القفطان تجري، برأي البعض، بخجل وتردد، فقد بدا لافتا أن الجرأة في التصاميم قد حملت، في السنوات الأخيرة، جرعات زائدة، حركت المخاوف من أن يتحول القفطان المغربي إلى «شيء آخر»، خصوصا أن بعض المصممين جعلوه يتخطى التقاليد، ليخرج عن المألوف ويكشف المفاتن، من خلال تصاميم تكشف عن توجه تجديدي يبدو، في نظر البعض، متطرفا في حداثته. ولذلك تعالت أصوات تنادي بوجوب أن يبقى التطوير في الحدود التي تحافظ لهذا الزي التقليدي على أصالته، بحيث يجري الانفتاح على الحداثة والمعاصرة ضمن حدود تحفظ له خصوصياته وتحترم المضمون الحضاري الذي يمثله ويعبر عنه.