لآلئ «شانيل» تزين صيف دبي

مجموعة راقية مستوحاة من عشق قديم لصفائه ورغبة في «دمقرطته»

قلادة «برانتون دو كاميليا» Printemps de Camelia مرصعة بالماس والزفير و38 لؤلؤة من تاهيتي والبحر الجنوبي والمياه العذبة
TT

ما إن يذكر اسم كوكو شانيل حتى يتبادر إلى الذهن ذلك الفستان الأسود الناعم، والتايور المصنوع من التويد، وزهرة الكاميليا، وعقود إما طويلة جدا، أو بصفوف متعددة، من اللؤلؤ تحضن العنق أو تتدلى على الصدر. اللؤلؤ كان تعويذتها التي ترافقها في كل المناسبات حسبما تظهر الصور، إلى حد القول إن النوم وحده كان يفرق بينهما. بدأت قصة حبها، حسبما ترويه بعض الروايات، عندما اكتشفت لوحات فنية من عصر النهضة، رسخت في ذهنها جمالياته وما يجمعه من ميزات تجمع الأناقة بالبراءة والضوء بالصفاء. وهكذا بدأت قصة التحامها به، تنسقه مع كل شيء، بما في ذلك الأزياء المستوحاة من الأزياء الرجالية التي كانت تميل إلى ارتدائها، مثل سترة التويد والبنطلون العريض. ربما يكون السبب رغبتها في التخفيف من صرامة المظهر وإضفاء بعض الأنوثة عليه، وهو ما نجحت فيه بدليل النعومة التي كان يضفيها عليها. كانت تعرف بحسها الإبداعي أنه يتناغم مع كل الألوان وأنواع الأقمشة، من الحرير إلى التويد، والأهم أنه يعكس الضوء على البشرة فيزيدها إشراقا، لهذا استعملته بسخاء. عشقها هذا، جعلها متحدية وغير مبالية بأنها تخض التابوهات في زمن كان فيه هذا الحجر لصيقا بالطبقات المخملية والأرستقراطية فقط، قبل أن تحوله إلى إكسسوار للجميع.

ما قامت به كوكو شانيل أنها «دمقرطته» بأن مزجت كل أنواعه، الغالي والرخيص، الأمر الذي لم يكن معهودا من قبل، مدفوعة بحبها له من جهة، وحبها لتكسير القوالب والتابوهات من جهة ثانية، حيث لا ننسى أنها المصممة التي حررت المرأة من قيود الكورسيهات التي كبلتها لعقود، وهي أيضا من حررت يدها عندما قدمت لها حقيبتها الأيقونية «2.55» بسلسلة تعلقها على كتفها حتى تتمكن من استعمال يدها بحرية أكبر. كانت هي أيضا من أثارت سخط صاغة «بلاس فاندوم» عندما دخلت مجال تصميم المجوهرات الراقية مستعملة الألماس، ورأوا أنها تهدد مكانتهم وتقاليدهم بتصاميمها الأنيقة والعصرية، فتألبوا عليها، فما كان منها إلا أن ابتعدت عن مجالهم اتقاء لسخطهم. لكن رغم كل هذا، يبقى عشقها للمجوهرات، خصوصا المصنوعة من اللؤلؤ، شخصيا يجسد الترف الهادئ، إضافة إلى مرونته وسهولة استعماله.

من هذا الحب ولدت مجموعة الدار الجديدة من المجوهرات الراقية «لي بيرل دو شانيل» Les Perles de Chanel، التي انتقلت من باريس إلى عدة عواصم عالمية، قبل أن تحط في دبي هذه الأيام لمدة شهر. مجموعة تدور في فلك هذا الحبات التي اكتسبت هنا درجات ألوان جديدة تمازجت مع أحجار كريمة أخرى، مثل الماس والزفير لتشكل ما يشبه رقصة «فالس» أو سيمفونية كلاسيكية تتداخل فيها نغمات عصرية. المجموعة تحمل عنوان «لي بيرل دو شانيل» أو «لآلئ شانيل»، Les Perles de Chanel وتضم 87 قطعة بالتمام والكمال، كل واحدة تنسيك ما سبقتها، لكنها كلها تتفق على إلقاء تحية لكوكو شانيل وإرثها الذي شكل نقطة الانطلاق لكي ترى الضوء. ولأن آخر مرة استعملت فيها الدار هذا الحجر كانت في عام 2006، كان التحدي كبيرا بالنسبة لقسم التصميم. لم يكن هناك مجال لكي تأتي عادية. وهكذا تنوعت ألوان اللآلئ ومصادرها، فبعضها كان من البحار الجنوبية وبعضها الآخر من المياه العذبة أو من تاهيتي أو اليابان أو الصين أو إندونيسيا. لم يكن أي شيء سيقف في طريق الحصول عليها، ما دامت بجودة عالية وألوان صافية وأحجام مناسبة. استغرقت عملية البحث فترة لا يستهان بها قبل التوصل إلى جمع الكمية الكافية لبدء التنفيذ. كانت الأحجار مثيرة ومحفزة للمصممين، بدرجاتها التي تشمل الأبيض والأسود، إلى جانب الفضي من تاهيتي، والذهبي من البحر الجنوبي، والكريمي من اليابان.

وبينما في العادة تبدأ عملية الإبداع برسم وتصميم الشكل المطلوب، ثم البحث عن الأحجار التي تخدم التصميم، حصل العكس هنا. كان لا بد من إيجاد اللآلئ أولا، قبل البدء في التصميم، وبالتالي لعبت دور الملهم، بكل تفاصيلها. فالألوان والأحجار هنا نادرة، الأمر الذي انعكس على حجم الإبداع الذي صُب فيها، وتجسد في عدة أشكال، مثل قلادة بشكل باروكي، استلهم تصميمها من لؤلؤة باللون الأصفر المائل للأخضر ومن حفنة من اللآلئ الزرقاء المائلة للرمادي جرى جلبها من أستراليا. كانت هذه الألوان جد مناسبة لصياغة أي شكل من الأشكال، بما في ذلك فن الباروك والفن البيزنطي الذي يظهر بين الفينة والأخرى في أعمال الدار.

حب كوكو شانيل لوردة الكاميليا كان له أيضا نصيب، إضافة إلى المذنبات والنجوم. فهذه الأخيرة أيضا لعبت دورا مهما في حياتها حين كانت طفلة صغيرة في ميتم، تنام على ظهرها وتراقب النجوم في السماء حالمة بالمستقبل البعيد، من دون أن ننسى أهمية الأسد، الذي يمثل برجها. كل هذه العناصر أخذت بعين الاعتبار من قبل فريق التصميم، وتمت ترجمتها بأسلوب جديد يعكس قدرة عالية على الابتكار، مما يستوقفك دائما ويجعلك تتساءل: كيف بمستطاع أي أحد تجديد ما يطرحه كل سنة إلى حد يعطي الانطباع بأنه جديد بالمطلق؟ فأيقونات سابقة مثل الأسد والأجسام السماوية والورود والريش وغيرها، تتكرر كثيرا، لكنها في كل مرة تستمد قوة عجيبة وغير مسبوقة.

من القطع التي تشد الأنفاس هنا أيضا طقم يتكون من قلادة وسوار وأقراط أذن، يغلي بالألوان المختلفة. أربعة صفوف من اللآلئ؛ ذهبي، وأبيض، وفضي، ووردي، كلها بحجم واحد ودرجة متطابقة كل ما فيها يجسد مفهوم السهل الممتنع. قلادة «برانتون دو كاميليا» Printemps de Camelia مثال آخر على هذا الإبداع، حيث تراقص فيها الزفير الوردي والأصفر مع بياض 712 حجر ماس و38 حبة لؤلؤ تاهيتية.

هناك أيضا نجمة تحولت إلى ميدالية تتدلى من عقد بثلاثة صفوف توسطته لؤلؤة ضخمة بلون كريمي تدور في فلك مجموعة أخرى من الماس واللؤلؤ. فيما أخذتنا مجموعة «بيرل دو جور» Perles de Jour إلى العشرينات من القرن الماضي والـ«آرت ديكو» من خلال عقد يتكون من 45 لؤلؤة بحجم كبير وجودة عالية تتدلى منها شراشيب من اللآلئ الصغيرة جدا، تم شبكها من الوسط، ويمكن لصاحبتها ارتداؤها بوصفها قلادة أو عقدا يتدلى بحرية على الصدر.

أما أجمل ما في هذه التصاميم أنها رغم فخامتها وترفها، فإنها تعكس أسلوبا منطلقا وتمنح حرية مثل تلك التي تمتعت بها الآنسة شانيل في حياتها الشخصية وانعكست على أسلوبها وأعمالها. فمن الحكايات التي رواها الموسيقار الفرنسي جورج أوريك عنها، أنها في مرة من المرات كانت في حفل عندما انفرط عقد طوله مترين كانت تلبسه، وهي ترقص الـ«تشارلستون».. لم تطرف لها عين، لكنها كانت مبتسمة ومستمتعة في الوقت ذاته، وهي تتابع مجموعة من الرجال ببدلات سهرة رسمية يحاولون التقاط حبات اللؤلؤ المنفرطة من على الأرض. وربما هذا هو سر نجاح المصممة، فقد تكون الموضة وسيلتها للنجاح وتحقيق الذات، ولا أحد يشكك في أنها كانت جادة في التعامل معها، إلا أنها في الوقت ذاته لم تأخذها على محمل الجد بقدر ما عدتها مكملا لأسلوب حياتها.

طبعا لا يمكن التعامل مع أي قطعة في هذه المجموعة بالطريقة اللامبالية نفسها، لسبب وحيد؛ أنها نفيسة تدخل ضمن المجوهرات الراقية التي لا تقدر بثمن، بينما كان العقد الذي لبسته في الحفل الراقص مجرد إكسسوار موضة.

هذه المجموعة التي عرفت طريقها إلى دبي ستتنقل في نهاية شهر مايو (أيار) الحالي بين عواصم عالمية أخرى قبل أن تعود إلى باريس.

* همسات - يتمتع اللؤلؤ بتاريخ طويل، حيث ظهر في عدة ثقافات شعبية واجتماعية للزينة أو التداوي. كان الإغريق مثلا يعتقدون بقدرته على إدخال المزيد من السعادة على الحياة الزوجيّة.

- لم يغب اللؤلؤ عن ساحة الموضة. بلونه الأبيض، أثبت أنه يتماشى مع مناسبات النهار، وكذلك مع مناسبات المساء والسهرة، بل يستعمل في الأفراح والأتراح على حد سواء، فهو من المجوهرات القليلة المقبولة مع فستان الحداد الأسود.

- اللون الأكثر شيوعا هو الأبيض الذي تشوبه مسحة عاجية، يليه الزهري الخفيف، أمّا الأغلى ثمنا فهو اللؤلؤ الأسود نظرا لندرته.

- دار «شانيل» من بيوت الأزياء التي حولت هذه الحبة الصغيرة إلى أسطورة وماركة مسجلة لها، فهي تعود إليها في عروضها، من خلال زرار على جاكيت تارة، أو حزام يزين الخصر أو طوق يزين الشعر تارة أخرى.