صناعة الموضة في إيران.. بين الماضي والحاضر

جدل جديد سببه أسبوعها المقبل في شهر نوفمبر

تزاول العارضات والعارضون هذه المهنة في المجلات ودور الإنتاج وورش الخياطة والعلامات التجارية والعروض المباشرة التي تقام في الحدائق والبيوت الكبيرة
TT

منذ سبعين سنة، حملت «زينت جهانشاه» عالم الموضة وتصميم الأزياء للمرة الأولى إلى إيران بعد أن عاشت في باريس وتعرفت على كبار مصممي الأزياء فيها في تلك الفترة.

في الأربعينات نظمت «زينت جهانشاه» أول عرض أزياء في إيران في اجتماع نسوي ومشاركة عارضات هاويات تتراوح أعمارهن بين 18 و25 سنة. وقتها، وجدت العارضات صعوبة في تعلم كيفية المشي والوقوف، غير أن الوضع تغير بعد مرور سبعة عقود على هذا العرض؛ فإيران تفكر في إقامة أسبوع موضة على مستوى عالمي في طهران في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ما يطرح عدة تساؤلات عن المشكلة الرئيسية التي تعانيها صناعة الموضة. الآن تزاول العارضات والعارضون هذه المهنة في المجلات، ودور الإنتاج، وورش الخياطة، والعلامات التجارية، والعروض المباشرة التي تقام في الحدائق، والبيوت الكبيرة. ثم بدأت الحكومة الإيرانية تستخدم مصطلح «العروض الإسلامية للأزياء».

ويمكن تصنيف نشاط عارضي الأزياء في إيران في ثلاثة قطاعات وهي الأعمال التصويرية، وتشمل الأعمال المطبوعة، مثل الكاتالوغات، والصحف وألواح الدعاية والإعلانات. والقطاع الثاني يضم الإعلانات التي يجري عرضها في القنوات التلفزيونية والفضائية، بينما يشمل القطاع الثالث عروض الأزياء المباشرة التي تزاول في بعض المنازل والحدائق بشكل غير رسمي، رغم أنها تخضع للقيود.

وتقدم الكثير من محلات الملابس في إيران حاليا لزبائنها مجلة تضم منتجات شركات إنتاج الملابس أو بعض ورش الخياطة، تظهر فيها عارضات الأزياء سواء بالحجاب الإسلامي الرسمي أو من دونه للدعاية لعلامة تجارية أو لمنتجات ورشة خياطة. هذه الأعمال الدعائية شهدت إقبالا من عارضات يسعين لكسب الشهرة من دون القيام بدورات تدريبية أو حتى امتلاك المعايير الضرورية لممارسة هذه المهنة. وتكسب العارضات مبلغا يتراوح بين 300 إلى 400 دولار مقابل ثلاث إلى أربع ساعات من التصوير، يدفعن منها 150 دولارا للمصور للحصول على صور تساعدهن على التسويق في موقع «فيسبوك».

في المقابل، هناك بعض العارضات والعارضين للأزياء من أصحاب الخبرة والتجربة، قد يصل أجرهم إلى 24 ألف دولار لكل صورة تنشر لهم، ويعود السبب إلى أن عدد الذين يقطنون إيران قليل. وتعد ممارسة هذا النشاط أكثر سهولة بالنسبة للرجال لأنهم إذا نجحوا واشتهروا بأسمائهم الحقيقية لا يواجهون أو يتعرضون لمشكلات مقارنة بزميلاتهم من الإناث، اللاتي يفضلن التكتم على هوياتهن. وقد يضطر بعضهن إلى القول إنهن من أصول تركية أو عربية حتى يتمكن من إرسال صورهن إلى خارج الحدود الإيرانية وبيعها بأسعار مرتفعة. أما إذا أرادت أن تمارس عملها بشكل رسمي في إيران وبجنسيتها الحقيقية، فلا بد لها إما أن تلتزم بالزي الإسلامي أو أن تغادر البلاد. وفيما تتراوح أجور هذه المهنة من لا شيء إلى أكثر من 17 ألف دولار، تسعى الحكومة إلى تقديم مشروع «العروض الإسلامية».

ويتمثل هذا المشروع في إصدار الحكومة بطاقة التأهل للعروض التي تتوافق مواصفاتها مع المعايير التي تحددها الحكومة. يقول مدير مجموعة تنظيم الموضة والأزياء في وزارة الإرشاد الإيرانية حميد قبادي في مارس (آذار) 2014 لوكالة الفنون أونلاين الإيرانية للأنباء: «ستتحول مهنة عرض الأزياء إلى مهنة مشروعة، وسيجري تدشين مؤسسة خاصة بها قريبا لتقوم بالتدريبات الضرورية للعارضات وعارضي الأزياء وفقا للمعايير المحلية وبعض المعايير الدولية».

وبشأن كيفية الإعلان عن اللون الدارج خلال العام قال قبادي: «لا نسعى لإيجاد أطر وإجبار الناس عليها. أصدرت وزارة الإرشاد الرخص القانونية لثلاثين مؤسسة تهتم بالموضة والأزياء لتباشر عملها المستقل في قطاع الموضة. نتوقع أن يصل عدد هذه المؤسسات إلى 200 هي التي ستحدد الموضة واللون الدارج خلال العام».

من جهتها، تمارس نكار، البالغة من العمر 24 سنة، وتتمتع بطول يقدر بـ170 سم، مهنة عارضة الأزياء بشكل غير رسمي، حيث شاركت في عروض الأزياء المباشرة في عدد من البساتين والحدائق المنتشرة بطهران. وتحصل من كل عرض تقدمه على مبلغ يتراوح بين 17 ألف دولار و51 ألف دولار.

ولا تخفي نكار أنها غير متفائلة بتسمية عارضات الأزياء الإسلامية، وتقول بأن الحديث «كثر عنها في السنوات الأخيرة، ويبدو أن فكرتها تلبي رغبات شريحة واحدة من شرائح المجتمع وليس كلها، لأن باقي الشرائح لا ترحب بالخطوط الحمراء الكثيرة التي وضعوها بهذا الشأن». وتتابع: «المجتمع يتكون من شرائح واسعة ومتنوعة، بعضها يتبنى نظرة دينية متشددة وبعضها لا يهتم كثيرا بالتفاصيل الدينية، وبالتالي قد لا ترغب في ارتداء الحجاب وفقا للمعايير الإسلامية التي يجري تحديدها من قبل الفئة الأولى، الأمر الذي سيشجع على بقاء النشاطات غير الرسمية على حالها».

تعترف نكار بأن أحلامها أكبر بكثير من أن تتعاون مع شركات الموضة الإسلامية تقول: «فأنا أريد أن أكون عارضة أزياء عالمية، بينما هذا الأسلوب المحدد لا يحقق لي هذه الأحلام ولست متفائلة بأن يحقق المشروع ككل نجاحا مثل الذي حققته دول مثل تركيا أو ماليزيا».

* العروض الإسلامية تتلقى دعم المؤسسات الإيرانية ومباركة المرجعيات الدينية

* ولكن ماذا يعني مصطلح «الموضة الإسلامية» أو «عروض الأزياء الإسلامية»؟ وكيف تتمكن الحكومة من الانخراط في مجال يتولى القطاع الخاص تنظيمه والاهتمام به في كل أرجاء العالم؟

شريف رضوي، مدير شركة إيرانية تدعى «تطوير الأزياء» تعتزم التعاون مع الحكومة في قطاع الموضة، يقول إن تطوير الأزياء عبارة تستخدمها هذه الشركة بدلا من الموضة، ويستخدم أصحاب الشركة مصطلح «مطوري الأزياء» بدلا من العارضات والعارضين.

وشرح شريف رضوي في حوار مع «الشرق الأوسط» أن هذه الشركة هي أول مؤسسة تنشط في مجال عروض الأزياء الإسلامية بشكل رسمي في الجمهورية الإسلامية خلال السنوات الـ35 الماضية. ويرى شريف أن الموضة الإسلامية تشمل نمطا خاصا من الأزياء والماكياج والتصرف أو الحياة لا تتنافى مع الشريعة والمعتقدات والمعايير الأخلاقية الإسلامية.

وأضاف أن شركته تتمتع بالدعم الحكومي، مشيرا إلى أن القطاع الخاص بدوره يتولى الاهتمام بالموضة وعروض الأزياء، غير أن الحكومة في إيران ستساند القطاع الخاص في حال عدم توليه هذه المسؤولية بمفرده، بسبب المعارضة وسوء الفهم وعدم الوعي السائد حول طبيعة هذا العمل؛ لهذا فإن وزارة الإرشاد هي الجهة القانونية التي تصدر الإذن بانطلاق هذه الفعاليات.

يتحدث رضوي عن مشروع تطبيق «عروض الأزياء الإسلامية» موضحا أن شركة «تطوير الأزياء» ستدشن أول مركز لعروض الأزياء في إيران: «أما بالنسبة لقطاع عروض الأزياء النسائية فقمنا بتقديم مبادرة قابلة للتطبيق في إيران وفي الدول الإسلامية. وتمكنت هذه المبادرة من إقناع الجمهورية الإسلامية بالانخراط في قطاع عروض الأزياء الذي جرى حظره خلال الأعوام الـ53 الماضية».

وتابع رضوي أن الشركة ستقدم دورات تدريبية خاصة بعروض الأزياء للنساء وفقا لأساليب الشركة.

أما «الهدف من هذه الخطوة»، حسبما يقول، «فهو أن نهتم بالفحوى في قطاع الموضة في الإطار الإسلامي، وسنركز اهتمامنا على العروض المباشرة والتقاط الصور والأفلام».

ويقصد رضوي بالتقاط صور العارضات والعارضين للأزياء ما تؤكد عليه وزارة الإرشاد تحت عنوان «المركز المتخصص للمجلات التابعة للموضة». وتقول وزارة الإرشاد إن المركز تولى نشر 12 مجلة لمنتجي الملابس في إيران، بينما تعد باقي المجلات التي جرى توزيعها في الأسواق غير قانونية أو رسمية. وأضاف: «تستخدم مجلات الموضة في المركز صورا للعارضات والعارضين الذين يتمتعون بالمواصفات اللازمة وشاركوا في فترات التدريب».

يذكر أن إيران لم تشهد لحد الآن إقامة عروض أزياء مباشرة سواء للرجال والنساء، بسبب المعارضة الشديدة لها في السابق. وهي الآن تختار العارضين والعارضات حسب المعايير الدولية، إذ يجب أن يبلغ طول الرجال 185 سم ووزنهم 75 كيلوغراما، وأن يكون طول العارضات 175 سم على أقل تقدير، على أن يتراوح الوزن بين 60 إلى 65 كيلوغراما. ويتراوح قياس الجسم بين 36 إلى 40 على أبعد تقدير. ولا شك أن إقامة العروض المباشرة للأزياء بشكل قانوني يشبه الحلم أو الخيال بسبب المعايير والشروط التي تستلزمها.

يقول رضوي: «أقمنا عرض أزياء رجاليا أخيرا ولأول مرة في تاريخ الجمهورية الإسلامية، وتميز باختلافه في الأسلوب عن عروض الأزياء العالمية».

الأسلوب الفريد الذي يتحدث عنه رضوي مقتبس من الأحاديث والروايات الإسلامية حول النساء وطريقة مشيهن من دون أن يتمايلن في الحركة. تتميز هذه الطريقة بالمشي على المنصة دون إصدار صوت الأحذية أو من دون حركات الجسم الخاصة وتركز على النظرة المباشرة إلى الأمام من دون التطلع في عيون الحاضرين في الصالة.

ويقول رضوي إن عددا من الدول الإسلامية اقترحت على إيران أن تقوم بتدريبها مجانا على أسلوب عرض الأزياء الإسلامي. وأكد على أن هذا النمط جرت صياغته من قبل عدد من أساتذة جامعيين.

وردا على سؤال عما إذا كانت إيران تؤيد عروض الأزياء الإسلامية المباشرة التي تقيمها دول مثل تركيا وماليزيا سنويا، قال رضوي: «قد لا نؤيد أجزاء منها، لهذا قمنا بتعديلات بسيطة عليها، مما يمهد لتقديمها في الدول الإسلامية وحتى غير الإسلامية».

وقد لا يريد رضوي أن يضع علامات استفهام على عروض الأزياء التي تقام في الغرب، لهذا يقول: «تطابق عروض الأزياء الغربية ثقافة تلك الدول، لهذا ابتكرنا نمطا محليا يناسبنا ويمكن للدول الإسلامية استخدامه».

يقول شريف رضوي عن إقامة أسبوع الموضة العالمي في طهران في شهر نوفمبر من هذا العام، إن المشكلة الرئيسية التي تعانيها صناعة الموضة وعروض الأزياء في إيران هي «غياب الثقة بهذه المهنة، إذ يعتقد الكثير من الناس أن مهنة عرض الأزياء تشابه نسختها الغربية، ولكننا نسعى لتغيير هذه الصورة النمطية وإظهار عروض الأزياء على أنها مهمة تحمل طابعا اجتماعيا. لقد اقترحنا عنوان (تطوير الأزياء) بدلا من عرض الأزياء على الذين يمارسون هذه المهنة لإعطائها صبغة ثقافية واجتماعية».

ويشرح رضوي الاختلاف بين تسمية «عرض الأزياء» و«تطوير الأزياء» بقوله: «يتلقى العارضون وعارضات الأزياء مجموعة من التدريبات، علما بأننا لا نركز على جمال الوجه والجسد، وهذا بحد ذاته يميز تطوير الأزياء عن عرض الأزياء. وبينما لا تهتم عروض الأزياء بالمعايير الأخلاقية، فإن مهنة تطوير الأزياء تركز على هذا الجانب بشكل كبير؛ فنحن نهدف إلى تغيير نظرة الناس إلى الموضة وعروض الأزياء في المجتمع، بما في ذلك ما تحمله صناعة الموضة وعروض الأزياء من طابع تجاري».

لكي يتحقق الحلم وتصبح هذه العروض حقيقة، كان لا بد من الحصول على تأييد المرجعيات الدينية، لهذا توجه أعضاء الشركة الإيرانية المختصة بالموضة الإسلامية إلى مدينة قم، وحصلوا فعلا على تأييد المرجعيات الدينية للفكرة طالما تقوم بترويج ثقافة ارتداء الأزياء التي تطابق المعايير الإسلامية.