الأفلام اللبنانية .. حرب وجنس وطوائف والممنوعات تتغير

TT

«المخرجون اللبنانيون مجانين يريدون صناعة افلام واقناع مجانين آخرين بدعمهم»! يقول المخرج اللبناني جان كلود قدسي. الكلام ورد بعد افتتاح المكتبة السينمائىة الوطنية في المبنى الزجاجي قرب قصر اليونسكو في بيروت وتجهيزها بمعدات حديثة لترميم الافلام وحفظها.

يتكرر السؤال عن هويّة السينما اللبنانية والدور الثقافي الذي تلعبه. فإذا انطلقنا من مبدأ ان السينما هي ذاكرة الشعوب، لانها تؤسس هدفاً فكرياً شاملاً، لا بد ان نتساءل عن وضع السينما اللبنانية وطبيعة الدعم الذي قُدّم لبعض المخرجين في 2001 ومستقبل مشروع صندوق السينما، اضافة الى الجمهور اللبناني وسبب وصول نسبة من الافلام اللبنانية الى العالمية.

كذلك لا بد من الاشارة الى ان النقلة النوعية في السينما اللبنانية اتت على يد مخرجين تخصصوا في الخارج وعادوا الى لبنان في مطلع السبعينات لطرح الاستفهامات عن دور السينما كأداة للتعبير عن المجتمع وقضاياه ورفض موجة الافلام التجارية الرائجة آنذاك، يطالعنا في هذا المجال سينمائيون امثال برهان علويّة وجان شمعون ورندا الشهال وجوسلين صعب ومارون بغدادي وغيرهم...

* صندوق دعم السينما

* بالرغم من اعتماد وزارة الثقافة في العام 2001 بنداً في موازنتها لدعم السينما اللبنانية على اسس مختلفة، الا ان صندوق الدعم ما زال غائباً. ويعلّق المخرج برهان علوية على هذا الصندوق اهمية كبرى، واصفاً اياه بالمحور المتكامل لقيام سينما في اي بلد من البلدان، ويشير الى ان دوره لا يقتصر على توزيع الاموال على الافلام، بل يتألف من لجنة ذات خبرات لدرس مشاريع سينمائىة من الالف الى الياء بدءاً من درس السيناريو والاخراج الى التمويل والتوزيع، معتبراً «ان وزارة الثقافة قد بدأت الاهتمام بالسينما بشكل حضاري». وقد آلت اجتماعات المخرجين اللبنانيين مع الوزارة الى صيغة قانونية للصندوق، الذي تتألف وارداته من الضريبة المفروضة على التذاكر والضريبة على الافلام الاجنبية المستوردة، كما من المساعدات والهبات والاعتمادات الملحوظة في الموازنة، الا ان تحرّك الوزارة «الايجابي» هذه السنة لم يستكمل بإنشاء الصندوق الذي يشكل الاداة لقيام سينما بالمعنى التام للكلمة. فالفن السابع ليس اولوية في لبنان ويمكن الحديث عن «صناعة سينمائية»، لان المخرجين هم محور الافلام اللبنانية ويقومون بالعمل في جميع مراحله من الاعداد الى التصوير فالبحث عن منتجين.

* الانتاج المشترك

* شكّل الانتاج المشترك الملجأ للعديد من السينمائيين العاجزين عن العمل في ظل ضعف الامكانيات والدعم شبه الغائب من قبل الدولة بالرغم من تحسّن ضئيل للاحوال بعد تسلّم الدكتور غسان سلامة وزارة الثقافة. وقد لعب هذا الانتاج المشترك دوراً ايجابياً في خلق نافذة لتوزيع الفيلم في دول عديدة. ويشير المخرج جان شمعون في هذا الصدد الى ان العديد من الافلام نجحت في الوصول الى بلدان عديدة جراء وجود منتجين من جنسيات مختلفة للتمويل، واستشهد بفيلمه «احلام معلّقة» الذي عُرض في 90 دولة، وهذا انجاز بحد ذاته، مضيفاً ان «طيف المدينة» سيُعرض قريباً في صالات كندية وفرنسية.

ولم يقتصر الاعتماد على الدول الاجنبية لانتاج الافلام اللبنانية على السبعينات فحسب، ذلك ان القاعدة لم تتغيّر بعد الحرب، بحيث شكّلت الافلام ذات الانتاج المشترك مع دول فرنكوفونية منذ التسعينات وحتى اليوم النسبة الاكبر من الافلام اللبنانية.

* الحرب اللبنانية

* بالرغم من توقف المدافع في التسعينات واعلان نهاية الحرب الاهلية الا ان خمسة عشر عاماً من الاقتتال ووصول لبنان الى مرحلة الانهيار والتقسيم وما ترتب عن هذه المرحلة لم يمح من ذاكرة السينمائيين فظلّت عبارة «كي لا ننسى» محور معظم الافلام. فقد عالج برهان علوية في فيلم «بيروت اللقاء» حال الانقسام والتقسيم المناطقي عبر قصة لقاء يستحيل تحققه بين شاب مسلم يعيش في الشطر الغربي من بيروت وفتاة مسيحية تقطن في «الشرقية». وابرز «طيف المدينة» لجان شمعون قصّة رامي الذي تهجّر من قريته في 1974، وعاد بعد 16 عاماً ليتذكر هذا التاريخ. فالحرب دمرت المباني والمدن وايضاً الانسان. «فالميليشياويون» الذين اشتركوا في الحرب لم يقوموا بالنقد الذاتي ويُظهرهم الفيلم انهم استغلوا الشعب خلال الحرب وتحولوا اليوم الى ادوات في ايدي قوى اقليمية يبتزون هذا الشعب من خلال الاقتصاد: فالحرب لم تنته وما زال الضعفاء يدفعون الثمن.

اما «الاعصار» لسمير حبشي الذي شكّل اول فيلم لبناني يُباع الى التلفزيون الاميركي ويتناول قصّة شاب يقرّر العودة الى لبنان بعد رؤية سيّارة ملغومة على شاشة التلفزيون، الا انه سرعان ما يرى نفسه متورّطاً في تلك الحرب حين قتل ميليشيوياً انتقاماً لصديقه. ولا يقتصر الامر على الافلام الروائية فمشاريع طلاّب السينما و«السمع والبصر» تدور بمعظمها حول ثالوث: الحرب، الجنس والطوائف.

وهنا لا بدّ من الاشارة الى الافلام الوثائقية التي لم تعرض في الصالات التجارية، لكنها استفادت من دعم دول عديدة وحصلت جوائز عالمية. ولا يبرّر المخرجون قيامها الى ضعف الامكانيات فحسب، بل هي ذاكرة حيّة للناس وتأريخ لواقع معاش. وتُطالعنا السينما اللبنانية على عدد كبير من هذه الافلام نذكر منها تل الزعتر لجان شمعون.

* الرقابة: مقص لا يرحم

* يصطدم مقص الرقيب مع المخرجين اللبنانيين. وبالرغم ان الفن والمساءلة يتفقان الا ان تاريخ الرقابة وصل الى نواح «صدامية» مع بعض الافلام. ولا نجد مثالاً صارخاً عن هذا الواقع اكثر من فيلم «متحضرات» للمخرجة رندا الشهال، والذي تعرض الى حذف 47 دقيقة في العام 1999 اي ما يزيد عن نصف الفيلم. وكانت النتيجة ان الفيلم لم يعرض في مهرجان بيروت السينمائي بالرغم من اطلاقه في فرنسا في 26 نيسان 2000. كذلك لم يسلم «الاعصار» لسمير حبشي من يدي الامن العام الذي الغى مشهدين من الفيلم. وقد كررت الرقابة «نشاطها» في اقتطاع مشاهد تعالج الاعمار بعد الحرب في فيلم جان شمعون «احلام معلّقة» حين عرضته احدى شاشات التلفزيون المحلية.

وما يثير الدهشة «ان الممنوعات في لبنان تتغيّر وفقاً للعهود ولا تقوم على معايير موضوعيّة. فالرقيب يقرر، يحذف ويلغي دون اية خلفيّة سينمائية او ادراك جدّي للقيمة الفنيّة لبعض الاعمال. فالمواضيع المحرّمة عديدة تشمل الجنس والسياسة والدين يليها العنف الظاهر. ومن هنا يعتبر المخرج علوية ان البلاد العربية ليست سوقاً للفيلم لان الرقابة تمنع الانتاج حتى التجاري». متسائلاً: «من يجرؤ على جذب 300 او 400 الف متفرج في لبنان والعالم بأسره غير السينما».