الدراما التلفزيونية في الخليج.. هل تفوقت على الأعمال المصرية والسورية

«جرح الزمن» استطاع فرض نفسه في كل المحطات بما فيها المصرية * حياة الفهد: ظلت بعض الساحات العربية مميزة لكننا اليوم تجاوزنا تلك الحدود ووصلنا إلى القمة * غانم السليطي: فايز التوش تفوق على أبو الهنا بتمثيل الإنسان العربي

TT

خلال السنوات القليلة الماضية لاحظ المشاهد الخليجي أن الفضائيات العربية على وجه الخصوص حملت العديد من الأعمال التلفزيونية الدرامية الخليجية، وهي المرة الأولى التي تكاد القنوات الفضائية لا تتوقف عن عرض أعمال تلفزيونية خليجية طوال العام، فقد اعتدنا في السابق ان تنحصر الأعمال الخليجية فقط في دورة رمضان، حيث تنتج الشركات الخاصة والمؤسسات الحكومية مسلسلاتها وأعمالها الدرامية فقط في رمضان، باعتباره الشهر الأهم طوال شهور السنة، كما أنه المؤشر الحقيقي والمقياس الذي تعمل به المحطات الفضائية على صعيد التميز فيما بينها، والمراهنة على أعمالها لجذب المشاهد العربي.

في السابق كانت الدراما المصرية هي التي تتسيد الدراما العربية، وفيما بعد، برزت الدراما السورية لتدخل طرفا في المنافسة بل في أحيان كثيرة تفوقت هذه الأخيرة على الدراما المصرية. اليوم لم تعد الدراما الخليجية مكتوفة الايدي، خاصة ان المحطات الفضائية العربية، في الغالبية هي ملك للخليجيين، وهو ما يدعو ان تكون الاعمال الخليجية لها الاولوية، بيد أن هذه الاعمال كانت في السابق تخرج في رمضان، واحيانا في دورة أكتوبر لبعض المحطات، لذا كانت تضطر الفضائيات العربية ان تغطي الشهور المتبقية من السنة بالدراما العربية، وبالذات المصرية باعتبارها تملك نتاجا غزيرا يكفي لسد حاجة العشرات من الفضائيات، بالاضافة الى الاعمال الدرامية القديمة والتي لم تعرض من قبل ولها حالة معينة وهكذا.

اليوم الدراما الخليجية لا تتوقف في نتاجها على دورة رمضان وما يصاحبها من دورات، حيث تقوم هذه الدراما بالعمل طوال العام على قدم وساق.

* أعمال مميزة

* بل أنها لم تعد تتوقف على نتاج الكم بقدر ما هو التركيز على الكيف، فقد خرج في الآونة الأخيرة جيل تلفزيوني جديد مميز، فبالاضافة الى أنه جيل موهوب فهو أيضا جيل أكاديمي حيث جمع بين الاثنين، حرص على تقديم أعمال مميزة، خاصة أنه يراهن على مرحلته الحالية فهو بذلك لم يتفوق على الجيل القديم فقط، وإنما تفوق على ذاته وعلى محيطه المتخم بالعراقيل في أحيان كثيرة، خاصة إذا ما كان يعمل تحت مظلة المؤسسات الحكومية.

وبالنظر الى الدراما الخليجية، فهي أيضا لها حسابات أخرى. ففي السابق كانت الدراما الخليجية تعني بالضرورة الدراما الكويتية، أما اليوم فلم تعد وحدها التي تتسيد الشاشة الصغيرة وتجذب المشاهد الخليجي والعربي، وخلال السنوات الخمس الأخيرة، وجدنا ان الدراما القطرية والسعودية والإماراتية، بدأت تظهر وتبرز بشكل أكثر من مميز بعد الاستعانة بكوادر قديرة لها تاريخها الفني في الدراما العربية والخليجية، كما أنه في ظل الفضائيات العربية، باتت أغلب الأعمال تمثل الدراما الخليجية لا البلد نفسه، فهناك عمل يصور في الكويت مثلا لكن 60 في المائة من الممثلين هم من السعودية والامارات وقطر والبحرين وعمان، فهل هذا عمل كويتي خالص؟؟، وكذا الحال مع الدراما الأخرى، ومن خلال الفضائيات أصبح التعاون الفني مطلبا رئيسيا وهدفا فرضه نمط الاعمال الخليجية، ويرى الكثير من النقاد أن العمل إن كان يحمل اللغة الخليجية بعيدا عن المحلية الصرفة، فإنه بالضرورة سينافس الاعمال المصرية والسورية، خاصة على صعيد الأعمال الدرامية الاجتماعية، وخير مثال على ذلك أن مسلسل «جرح الزمن» الكويتي الإنتاج، لأول مرة يستطيع ان يقتحم الفضائية المصرية، وهو ما لم يحدث طوال السنوات التي ظهرت فيها الفضائية المصرية، بل وجرت العادة أن لا تقبل المحطة المصرية حتى الاعمال المجانية، باعتبار ان لديها فائضا في الاعمال المصرية نفسها، ولذلك لا يمكن ان توافق على أي عمل عربي سواء من الشام او من المغرب العربي او من الخليج العربي، لكن جرح الزمن أمر مغاير، وهو يدل ان العمل استطاع خلال دورة رمضان الماضية ان يسحب البساط من جميع الأعمال العربية الدرامية الاجتماعية، وهو ليس رأيا شخصيا إنما جاء خلال دراسة بحث حول الاعمال المميزة التي تابعها الجمهور العربي.

* إنتاج كويتي ونجوم الخليج

* «جرح الزمن» مثلما قلنا صحيح انه إنتاج كويتي، لكنه من إخراج سعودي (عامر الحمود) كما اشترك به عدد من ممثلي الخليج، أولهم النجم القطري عبدالعزيز جاسم والنجمة البحرينية لطيفة المجرن وغيرهما، بالاضافة الى نجوم الكويت منهم حياة الفهد وابراهيم الصلال، وزهرة الخرجي وغيرهم الكثير، تقول حياة الفهد بهذا الصدد: لقد كان «جرح الزمن» قفزة درامية خليجية نحو العربية بل نحو المنافسة على أفضل الأعمال العربية، فالأعمال الخليجية يحمل بعضها تميزا لا يمكن ان نجده في الدراما العربية الأخرى.

وتضيف في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»: صحيح ان الاعمال المصرية ظلت سنوات طويلة متفوقة، ثم خرجت الاعمال السورية، لكن هذا لا يمنع من ان الوقت الحالي هو للدراما الخليجية للتفوق، بل ظهرت أعمال عديدة في الآونة الاخيرة تستحق ان تحصد الجوائز، في العديد من المهرجانات التلفزيونية. وتؤكد حياة الفهد أن الدراما الخليجية سواء الاعمال الاجتماعية او التاريخية او الأعمال الدينية وغيرها من السهرات، راحت تنافس أكثر من أي وقت مضى، وأرجعت هذا التميز والمنافسة الى وعي المسؤولين في الخليج بأهمية الدراما الخليجية ودفعهم مسيرة الفنانين، بالاضافة الى خروج عدد كبير من الجيل الشايب الذي أذهلني حقيقة العمل معه، فهو جيل أكاديمي موهوب، يحاول أن يتغلب على نفسه كثيرا، حتى يؤكد أحقيته، موضحة أن ابناء هذا الجيل في أكثر من حديث لها معهم يؤكدون أن أهم طموحاتهم هو الوصول الى اللغة العربية والى الوطن العربي، وفرض هيمنة على الدراما العربية.

ورغم أن حياة الفهد تعترف بأن الدراما التاريخية السورية أفضل من الخليجية حتى الآن لكنها تقول: ومع ذلك فإن الدراما الخليجية في السنوات الأخيرة بدأت تنتج أعمالا ضخمة، وان استعانت بكوادر عربية، لكن هذا لا يمنع لأن كوادرنا بحاجة الى الاحتكاك والعمل المتواصل، ومتأكدة أننا سنتفوق عليهم، خاصة اذا ما عرفت اننا نمتلك أكثر منهم الامكانات بيد أنهم يمتلكون أماكن التصوير والمدن التي يحتاجون للتصوير فيها.

أما المخرج السعودي محمد دحام، والذي تصدى لأكثر من ثلاثة أعمال درامية كويتية في الآونة الاخيرة، يقول: لم تعد هنالك دراما متفوقة واخرى هابطة، فحين تقول ان الدراما المصرية متفوقة فإنك تظلم الدراما الأخرى، اليوم بات الوضع مختلفا. يوجد عمل درامي مميز في ظل الفضائيات، خاصة أن 90 في المائة من القنوات الفضائية، تعرض الدراما بكل أنواعها، فتجد أحيانا ان العمل الكويتي يتفوق على جميع الأعمال المعروضة في نفس التوقيت وأحيانا العكس ، ولهذا نستطيع ان نقول بأن الأعمال الخليجية على وجه الخصوص، كل عمل لم يعد ينتمي الى جنسية باعتبار أن العمل الواحد العربي، يحمل ما لا يقل عن خمس الى ست جنسيات مختلفة عربية.

* مشروع ضخم

* وحول حلمه المقبل، أشار دحام لـ«الشرق الأوسط» الى أنه بدأ التحضير لمشروع ضخم، وهو عمل اجتماعي خليجي سيجمع فيه العديد من النجوم الخليجيين، لكنه لا يود أن يفصح عن المشروع الا في الوقت المناسب.

أما النجم القطري غانم السليطي، فيرى أن الدراما الخليجية منذ زمن طويل وهي خير منافس لأعمال عربية، مؤكدا ان الاعمال الخليجية لا تعني أنها أعمال أجنبية لأنها أيضا أعمال عربية، لكن ما اعتدنا عليه هو أن نطلق على الاعمال المصرية والسورية على وجه الخصوص أعمالا عربية، اما نحن فنطلق على أنفسنا أعمالا خليجية، بحيث أننا في السابق لم نستطع الخروج خارج الحدود الخليجية بينما اليوم، هل تعتقد أن المسلسل الخليجي لا يصل الى كل البلدان العربية في ظل القنوات الفضائية.

وحول مسلسله الذي استطاع ان يخرجه من الثوب القطري اكد السليطي خلال اتصال هاتفي معه في الدوحة لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الأمر كان هاجسا خاصة وان مسلسل فايز التوش لا يطرح قضايا قطرية بقدر ما يطرق قضايا عربية تهم المواطن العربي السحيق بشكل عام، ولذلك فقد رأى ان يجعل عمله الأخير خليجي الشكل عربي المضمون والحكايات، وقد تناولنا في كل حلقة معاناة الانسان العربي وهمومه لا الانسان الخليجي، ولذلك فإني أرى أننا استطعنا كسر القيود الخليجية والتسميات التي فرضت علينا سابقا.

* فايز التوش

* وعن مسلسله الاجتماعي الساخر فايز التوش قال السليطي، ان «فايز التوش يمثل حالة الإنسان الخليجي وأحيانا كثيرة الانسان العربي، فمثلما قدم دريد لحام غوار الطوشة ثم ابو الهنا وغيره من النجوم، فإنني احرص على فايز التوش، رغم أنه برأيي (التوش) الأكثر جرأة في الطرح، وهو مؤهل بأن يمثل الانسان العربي دراميا».

وفي ظل الدراما الخليجية الأخيرة نكتشف أنه ما عادت هذه الدراما تتوقف على مشكلة العنصر النسائي كما كانت في السابق، حيث كانت الدراما الخليجية متوقفة على فنانات لا يتجاوزن عدد أصابع اليدين، بينما اليوم فإن العنصر النسائي، يكاد يكون أكثر من العنصر الرجالي، المشكلة اليوم هو على الجودة، حيث باتت الكثير من المحطات ترفض أعمالا كثيرة لانها دون المستوى وهو ما جعل الدراما الخليجية ترتكز على النوعية في الطرح، وباتت لا تقدم الا المميز، حتى المحطات نفسها، رأينا انها توقف أكثر من عمل درامي لأنه كان دون المستوى وضعيف، ولم تعد تجامل فقط لأن العمل خليجي، لذلك، فإن الاعمال الأخيرة الخليجية التي طرحت جاءت قوية ومنافسة للدراما العربية.

بل أن هنالك أعمالا خليجية إستطاعت ان تتجاوز أعمالا كبيرة، (فطاش ما طاش)، كعمل درامي خليجي كوميدي، تميز على العمل الاخير لدريد لحام (ابو الهنا)، وفايز التوش تفوق، أما جرح الزمن فتفوق على جميع الدراما العربية، وحصد كل الجوائز وكذلك مع الاعمال الدرامية الأخرى، ولو نظرنا الى الأعمال المصرية نجد ان عائلة الحاج متولي، ومسلسل جابر نصار ليحيى الفخراني هما الوحيدان اللذان حصدا النجاح. في حين ان سورية نجحت على صعيد الاعمال التاريخية، بينما الاعمال الخليجية نجحت في الكثير من الأعمال.

* ممثلون مظلومون

* لكن تظل هنالك بعض المشاكل التي تواجه الفنان الخليجي. فالنجوم الاماراتيون يظلون بلا هوية كما يؤكد الفنان بلال عبدالله حيث يؤكد لـ«الشرق الأوسط» ان الكثير من الاعمال الدرامية الاماراتية منذ الوهلة الاولى تعتقد انها اعمال سورية او مصرية او لبنانية من كثرة المشاركين، بينما الفنان الاماراتي لا يجد فرصته، فالدراما الإماراتية تعتمد على العناصر الخارجية، وتظل تعيش أزمة ثقة بكوادرها المحلية التي دائما ما نجدها تلجأ الى الاعمال الخليجية، بينما الدراما الكويتية نجدها الاكثر غزارة وتميزا في ذات الوقت، ففي رمضان الفائت قدمت أكثر من 7 أعمال درامية دفعة واحدة للمشاهد العربي، رغم أن هذه الاعمال استقطبت الكثير من نجوم الخليج، لكن هذا لا يعيب العمل بقدر ما يضيف له، خاصة إذا ما عرفنا ان الدراما الخليجية تتشابه فيما بينها، أما السعودية فلو تجاوزنا طاش ما طاش، فإن الاعمال الدرامية الاخرى تكاد تكون مغرقة في المحلية التي تخاطب المشاهد السعودي، وكأنها اعمال لا تريد ان تخرج خارج هذا الاطار المحلي، بينما الأعمال الدرامية أيضا لها مشكلة لكنها مستقلة بذاتها، حيث تعتمد هذه الدراما على نفسها دون الاستعانة بأحد، واستقطاب حتى كوادر خليجية لإيمانها بأنها تملك نجوما مميزين في هذا المجال، لكنهم حتى الان لم يستطيعوا تجاوز خط المحلي من خلال التعاون الفني، وهو الامر ذاته مع البحرين، لكن مع ذلك تظل البحرين أفضل حالا كما يقول الممثل البحريني عبدالله يوسف والذي يرى أن اعمالهم الاخيرة استطاعت أن تشد انتباه الجمهور الخليجي، وتتعاون مع الكوادر الخليجية، لكي تتجاوز المرحلة التي تعيشها، في حين أن قطر، تحاول أن تقدم الشيء المميز ولا يهم ان تعاونت مع النجوم الكبار أم لا لأن المؤسسات الحكومية تهتم بدفع مسيرة الدراما القطرية. وخلال هذه الكوكبة من الأعمال فإن هنالك المزيد من الأعمال الخاصة والتي تتبع قطاعات خاصة، ليس لها علاقة مع المؤسسات الحكومية ولا مع المحطات، تنتج لها ثم تبحث عن المحطة التي تعرض هذه النوعية من الاعمال، بيد أن الاهم هو ان الدراما الخليجية باتت غزيرة بل وتحاول أن تقدم فقط الافضل.

ويبقى ان نقول أن الدراما الخليجية وإن لم تحقق المركز الأول بين الدراما العربية الاخرى، لكنها في كثير من الاحيان تتفوق على كل المنافسين، وترغم الاخرين على احترامها وبث أعمالها، بل أن نتاجاتها لم تعد متوقفة على رمضان وما نتابع هذه الايام في المحطاتت الفضائية، لهو خير دليل على إنتاج الكوادر الخليجية طوال العام ولم تعد تؤمن ان الدراما لرمضان او لأكتوبر فقط، فالمشاهد الخليجي والعربي، يستطيع ان يستوعب كل هذه الاعمال بل يجد نفسه هو الكاسب والمستفيد الاول والاخير.