نيكول تنوري: تجربتي في «إم بي سي» لا تقدر بثمن

المذيعة اللبنانية تخطط لمشاريعها بعناية ولن تخوض تجربة الإنتاج إلا بعد دراسة

TT

عندما انطلق بث قناة «ام بي سي» من لندن عام 1991 كان هناك لفيف من المذيعين العرب، عملوا وتفانوا في مهنتهم، كان همهم مواجهة التحدي الذي مثلته قناة «ام بي سي» كاول تلفزيون فضائي عربي يبث من اوروبا. حبهم واخلاصهم لمهنتهم جعلاهم يتغلبون على مرارة الغربة والابتعاد عن الاهل والاصدقاء. كانوا بمثابة الرعيل الاول الذي حمل على عاتقه ارادة نجاح التجربة.

نجاح «ام بي سي» حفز الكثير من الدول على تكرار التجربة، وتحولت القناة الفضائية العربية الاولى الى مدرسة رفدت القنوات الاخرى بالكوادر، حتى اصبح من الصعب ان تجد قناة عربية دون ان يكون احد كوادرها من خريجي مدرسة «ام بي سي»، بعضهم انتقل لمواجهة تحد وتجربة جديدين، وبعضهم استسلم لعرض مغر.

نيكول تنوري احدى المذيعات اللاتي صمدنا في وجه المغريات سواء المادية او الوظيفية، اعترفت في لقائها بـ«الشرق الاوسط» بانها لاتزال تتلقى العروض من قنوات عربية منافسة، ولكنها ترغب في مواصلة التحدي الذي بدأته مع «ام بي سي»، وحسب رأيها فانها لا تستطيع ان تترك ما اكتسبته من تجربة لندن التلفزيونية من اجل حفنة من المال.

* ما هي خلاصة التجربة التي قضيتها في MBC، وما مدى التعاون بينك وبين زملائك خصوصاً انكم تعيشون في الغربة؟

ـ انا فخورة بانضمامي منذ البداية الى محطة MBC الى هذه العائلة الاعلامية الغنية بمختلف الثقافات العربية: المصري واللبناني والسوداني والفلسطيني والمغربي والعراقي والليبي، ومع اختلاف كل هذه الثقافات هناك تجانس رائع وذلك نتيجة احترام بعضنا البعض وتقبله مهما كانت معتقداته وثقافته. وهذا يعود ايضاً الى وجودنا ببلد حضاري مثل بريطانيا، ساعد على ايجاد هذا التجانس وقبول الآخر. الحضارة والثقافة ليست بكم المعلومات التي نعرفها وانما بمدى الليونة لتقبل الآخر والانفتاح عليه.

* بقاؤك في المحطة لفترة طويلة هل ترجع اسبابه الى ولائك لها، ام انك لم تتلق عروضاً من محطات اخرى ومغريات مادية؟

ـ مع كثرة المحطات الفضائية كثرت مجالات العمل للصحافيين والمذيعين في كل مكان. ولكن المغريات المادية ليست كل شيء في الحياة. لكل انسان متطلبات تختلف عن الآخر ولكل منا اولويات. وجود MBC في لندن كان ثروة بالنسبة لي. فبعدما تركت لبنان في 1991 وعشت كل ايام الحرب فيه، خرجت من بلد تمزقه الحرب الاهلية والصراعات المختلفة الى بلد جديد بالنسبة لي يعيش فيه العربي والاسباني والفرنسي واللبناني والعراقي دون الاحساس بالفوارق. في هذا البلد نضجت واكتشفت نفسي اكثر واكثر. في هذا البلد عرفت ما معنى الحرية. بالنسبة لي الحرية هي الاقتناع بالامور والاعتدال بها وليس التطرف بالآراء والتصرفات. المتطرف هو الانسان الذي لا يملك حريته بعد لانه سجين آرائه المغلفة. وهذه الامور التي تعلمتها والتجربة التي خضتها لا تقدر بمال ولا بأي عرض مغر مهما كان.

* مع انك اكتسبت تجربة من خبرتك الطويلة في المحطة لماذا لم تقدمي برنامجاً خاصاً بك؟

ـ كل شيء بوقته حلو.

* معظم زميلاتك، مثل لينا صوان ورانيا برغوت دخلن في مجال الانتاج هل تفكرين بذلك ايضاً؟

ـ بالنسبة للانتاج تعتبر خطوة نوعية في مرحلة العمل ولكنها خطوة خطيرة جداً ولذا يجب ان تدرس. احب ان تكون خطواتي مدروسة.

* ما هي فكرة البرامج التي تجذبك؟

ـ منذ عملي كصحافية جذبتني تغطية الاحداث الانسانية والحروب. مثل مجزرة قانا 1996، وكوسوفو خلال الحرب ومن ثم لبنان ثانية، هذه السنة عند تحرير جنوبه من الاحتلال الاسرائيلي. المواضيع الانسانية تجذبني كثيراً حيث الانسان هو المحور الاساسي. ولكن البرنامج المفضل لدي سيكون يجمع بين الثقافة والسياسة والاجتماع.

* لماذا لا تقدمين على البرامج المنوعة؟

ـ هل تقصد برامج المنوعات الغنائية والترفيهية، احب ان اتابعها في بعض الاحيان ولكن لا اظن ان شخصيتي تتلاءم مع هذا النوع من البرامج. مع العلم بان هذه البرامج مهمة في حياتنا خاصة في خضم ضغط العمل والحياة السريعة. لكني أفضل البرامج الثقافية والسياسية والوثائقية بحيث لا تأخذ مكان البرامج الترفيهية فالحياة هي مزيج بين الثقافة والجد والاستجمام.

* هل تعتقدين بأن المذيعة العربية استطاعت ان تملأ مركزها كمقدمة للبرامج السياسية وليس مذيعة نشرات الاخبار؟

ـ هناك كفاءات نسائية عندما تعطى الفرص تعبر عن نفسها بشكل جيد وكلما ضاقت الفرص بوجهها حجمت هذه الكفاءات واندثرت. وبما اننا ما زلنا نعيش في عالم يهيمن عليه الرجال فالفرص التي تعطى للرجال هي اكثر من التي تعطى للمرأة. هناك اعلاميات عربيات اذا ما اعطين الفرصة اللازمة يبرعن اكثر من غيرهن. لانهن يتمتعن بتناقضات جذابة ودبلوماسية خارقة. الحزم والرقة والصرامة والسلاسة. وفي السياسة عنصر مهم جداً الخبث المستساغ.

* هل انت مقتنعة بالبرامج السياسية التي تقدمها MBC ؟

ـ العمل الاعلامي مثل اي عمل خلاق آخر خاضع للاجتهاد والاجماع فيه شبه مستحيل وغاية لا يمكن الوصول اليها. ما يقدم من برامج ضمن ما هو متاح جيد جداً خاصة في اطار التوجه الاعلامي.

* ما دمت تحدثت عن التوجه الاعلامي، هل التوازن في «ام بي سي» هو من سياسة المحطة او خوفا من تجاوز قانون الاعلام في بريطانيا؟

ـ في الاعلام هنالك مدارس تؤمن كل واحدة بتوزيع الخبر والتحقيق والمقابلة حسب رؤيتها لمنطق الاحداث. الـ MBC التزمت الموضوعية منذ البداية. فنحن نتوجه الى جمهور عريض بالخبر اليقين، وطبعاً انتم مؤسسة اعلامية موجودة في لندن وتعرفون القوانين التي يجب مراعاتها من اجل عدم الخروج عن الموضوعية والتوازن في المعلومة. وعند الخروج عن قانون ITC نكون قد خرجنا عن الموضوعية، وهذا ما حصل لاحدى المؤسسات الاعلامية فوجهت لها ملاحظات لانها تجاوزت القوانين المرسومة بالنسبة للخبر المتوازن.

* كيف ترين تغطية الفضائيات لحدث الساعة الآن انتفاضة الاقصى مقارنة مع الـ MBC؟

ـ حسب بعض الخبراء الاعلاميين والسياسيين تتمتع الـ MBC بنضج اعلامي مميز بين الفضائيات يتجلى من خلال سياستها المحافظة، الـ MBC تتفاعل مع نبض الشارع ولا تنفعل معه. فهي تسعى لنقل الخبر وليس التركيز على التناقضات ووضع الزيت على النار. والحلول لمشاكلنا العربية لا تؤخذ جرعة واحدة بل بطريقة مدروسة حسب استراتيجية اعلامية سياسية ايضاً مدروسة.

MBC تتحلى بروح المسؤولية. على اجهزة الاعلام ان تصوب مشاعر الرأي العام، لا ان تثير النعرات العربية العربية. هناك عناصر اساسية تأخذها الـ MBC بعين الاعتبار، الانتماء القومي، الشعور الانساني والواجبات المهنية.

* كيف استثمرت هذه العوامل في موضوع الانتفاضة في الشعور الانساني؟

ـ لا يحتاج المرء ان يكون عربياً كي تتحرك مشاعره استجابة لصور الضحايا والاطفال الشهداء وهم يسقطون. واستخدام اثقل انواع الاسلحة من قبل المحتل الاسرائيلي ضد مدنيين ابرياء عزل. اذا المزايدة على الصورة لا معنى لها.

في الانتماء القومي من الصعب جداً ان يعزل الانسان نفسه، ولدنا وتربينا على القضية الفلسطينية وكذلك اهلنا. واليوم نشهد صحوة في الشارع الفلسطيني والعربي للدفاع عن احد اهم المقدسات، القدس والمسجد الاقصى، في هذه الحالة يتشبث بنا الشعور القومي وربما يطغى على اي شعور آخر ولكن العنصر المهني يلعب دوره هنا كصحافي مهني يجب ان احكم العقل والمنطق.

اعرف ان العقلانية صارت هذه الايام تهمة في العالم العربي كما قال احد الكتاب ولكن الذي نعرفه ايضاً كمهنيين انه من اجل القضية يجب على العقل العربي الا يستقيل ويترك كل شيء للعواطف لان ذلك يؤدي الى اسوأ العواقب.

لقد عذبني ان الانتفاضة الاخيرة كانت مناسبة للبعض من سياسيين واعلاميين وغيرهم لتحقيق مكاسب صغيرة على الساحة العربية باسم «دماء الشهداء» و«محاربة العدو» وكانت كل هذه العنتريات حبراً على ورق او صراخاً فارغاً في الاثير وعبر شاشات الفضائيات.

الاحداث الاخيرة اثبتت احتياجنا لاستراتيجية اعلامية واضحة وعقلانية تبدأ من القمة ويكون لها هدف محدد وخطة مدروسة اما تأجيج المشاعر دون حسابات دقيقة فمخاطره اعظم من الاخطار التي تأتي من مغتصب الارض والحقوق.

وما تخشاه الـ MBC وتحاول تجنبه ان تتحول المعركة من دفاع واع وعقلاني ومدروس عن الحقوق العربية الى مجرد معارك صغيرة بين فئات عربية لتحقيق مكاسب آنية محلية تحت شعارات كبيرة تلقى استحساناً من الرأي العام.

مثلاً انتقدت كثيراً قرارات القمة العربية التي عقدت استثنائياً من اجل انتفاضة الاقصى. وكان ذلك واضحاً عبر مؤسسات اعلامية كثيرة. ولكن اصحاب الشأن اعربوا عن رغبتهم وارتياحهم لهذه القرارات وطلبوا عدم المزايدة على قضيتهم. اخشى كثيراً من ان يؤدي شحن الشارع العربي من دون خطوات مدروسة الى زيادة الاحباط.

* اين الخبر الذي قدمته الـ MBC بطريقة عقلانية في حين استخدم في محطات اخرى للتحريض؟

ـ اذا ذكرنا موضوع التظاهرة التي تمت الاسبوع الماضي في الاردن، تظاهرة العودة شارك فيها آلاف، واطلقت الشرطة النار فأصيب عشرات المتظاهرين بجروح، قنوات فضائية كثيرة تجاهلت رواية الشرطة للحادث، وقدمت الخبر بشكل يحرض على السلطات الاردنية ويظهرها بمظهر عدو «العودة» و«عدو الفلسطينيين» لكن مراسل MBC حرص على تغطية الخبر بشكل متوازن اتاح للشرطة الاردنية ان تقول انها اضطرت لاطلاق النار على المتظاهرين لتحذيرهم من الدخول في حقل الغام على الحدود.

=