لماذا يتعامل المغاربة بعقدة نقص مع اللغة العربية في أعمالهم التلفزيونية؟

ممثلون لا يستطيعون التخلص من لكنتهم فيصبح أداؤهم مضحكا

TT

يشكل موضوع تسويق الاعمال التلفزيونية المغربية احد المواضيع الاساسية التي يثيرها مشكل الانتاج الدرامي المغربي الذي لم يتخط بعد حاجز المحلية. وتعد اللغة العربية الفصحي احد العناصر الضرورية لضمان هذا التسويق طالما ان المتلقي العربي «يتحجج» بتعذر فهمه لمفردات العامية المغربية. الا ان السؤال المشروع هل ننتج اعمالا تخاطب الآخر بلغة يفهمها الطرفان في الوقت الذي لم يتمكن فيه الانتاج المغربي عموما من كسب رضى المشاهد المغربي الذي هو في حاجة الى اعمال تخاطبه بلهجته، الاقدر في رأيه على نقل واقعه اليومي ببساطة ودون «تكلف»؟ ام انه اصبح من الاولويات كذلك البحث عن مساحة لبث الاعمال المغربية على القنوات العربية؟

ويلاحظ من خلال بعض التجارب ان قليلا من الممثلين المغاربة لديهم القدرة على تشخيص ادوارهم بلغة عربية سليمة والاغلبية تطغى على ادائهم اللكنة المغربية فيبدو أداؤهم «متصنعا» واحيانا «مضحكا». فهل تشكل العربية الفصحى عقدة نقص للمغاربة؟ «الشرق الأوسط» سألت بعض المخرجين والممثلين عن رأيهم في هذا الموضوع وجاءت وجهات نظرهم كالتالي:

يقول المخرج شكيب بنعمر: «انا مع استعمال العربية الفصحى في الاعمال التلفزيونية المغربية، واعتقد ان الممثلين الشباب خريجي معاهد التمثيل قادرون على تشخيص ادوارهم بالعربية الفصحى وهم في حاجة فقط الى التمرس». واضاف انه لا ينبغي ان تكون احكامنا قاسية على التجارب الاولى ولا بأس في رأيه من تجاوز بعض الاخطاء اللغوية اذا ما حصلت، لأن اللغة ليست هدفا في حد ذاتها بل وسيلة للتواصل. وحتى لا تصبح اللغة عائقا عن تحقيق التواصل مع المتلقي المغربي لا بد من التعبير بلغة بسيطة قريبة من احساس المشاهد العادي الذي يمثل نسبة عالية من مستهلكي المنتوج السمعي البصري. واذا اخدنا في الاعتبار ارتفاع نسبة الامية في المغرب فمن غير المعقول ان نقدم جل اعمالنا بالفصحى بل اقترح، كما قال، ان نخصص نسبة 20 % مثلا بالفصحى والنسبة المتبقية بالعامية المغربية واللهجات الامازيغية المعروفة.

وفي رأي الممثل والمخرج المسرحي زكريا لحلو ان الفصحى عامل مساعد لتحقيق الانتشار للاعمال المغربية، فبواسطتها بامكاننا كسب 200 مليون مشاهد عربي، فالفصحى على سبيل المثال حققت للاعمال الاجنبية عن طريق الدبلجة، جمهورا عربيا واسعا من مختلف الاعمار والمستويات الثقافية ولم تكن عائقا امام التواصل، لذلك، يقول لحلو، يجب ان لا يتعامل المغاربة مع الفصحى بعقدة نقص المطلوب النطق السليم والابتعاد عن التقليد.

الممثل المغربي محمد مفتاح الذي اسند له المخرج السوري حاتم علي احد الادوار الرئيسية في مسلسل «صلاح الدين الايوبي» الذي عرض في شهر رمضان الماضي ومسلسله الجديد «صقر قريش» المقرر عرضه في رمضان الحالي، يقول انه وجد صعوبة كبيرة في تشخيص دوره باللغة العربية الفصحى مع بدء تصوير المشاهد الاولى، والملاحظة التي كانت توجه له هي انه لم يستطع التخلص من اللكنة المغربية، وبالتالي كان اداؤه غير منسجم الى حد كبير مع باقي الممثلين، لكنه استطاع بعد مدة قصيرة، كما قال، التخلص من لكنته والتأقلم مع الدور بشكل جيد اشاد به الجميع. وقال مفتاح ان الممثل المغربي لديه طاقات كبيرة في مجال التمثيل ولا تنقصة سوى التجربة التي يمكن اكتسابها على سبيل المثال من خلال المشاركة في اعمال ذات مستوى جيد.

من جهته قال الممثل سعد التسولي ان بعض الاعمال الدرامية التي عرضها التلفزيون المغربي، بينت ان اغلب الممثلين ليس بمقدورهم التخلص من اللكنة المغربية اثناء اداء ادوارهم بالفصحي وبالتالي ينعكس ذلك بشكل سلبي على العمل ككل ولا يتقبله المشاهد المغربي بشكل جيد. وتساءل: كيف نتمكن بمثل هذه الاعمال ان نخاطب الجمهورالعربي؟ واضاف: يوجد ممثلون لديهم قدرة كبيرة على اداء ادوارهم بالفصحى مثل محمد مفتاح ومحمد حسن الجندي ومحمد التسولي وغيرهم، ولا يمكن ان ننتقص من شأن الممثلين الآخرين كما لأن واقع الانتاج الدرامي في المغرب مازال يعاني من عدة مشاكل تعرقل تطوره في ظل غياب شروط مهنية ترقى به الى مستوى جيد يمكننا من الحديث بعد ذلك عن امكانية تسويقه عربيا سواء بلهجتنا المغربية او باللغة العربية الفصحي.

المخرجة الشابة فاطمة بوبكدي قدمت اخيرا تجربة درامية متميزة من خلال شريط عرض مقسما الى اربعة اجزاء بعنوان «تيغالين»، لم تنف تأثرها بتجربة المخرج السوري اسماعيل نجدت انزور ولذلك جاء هذا العمل الذي خلف ردود فعل متباينة، مشابها الى حد ما للأجواء التي يصور فيها هذا النوع من الاعمال. وأكدت بوبكدي ان «تيغالين» اثبت وبنوع من التحدي ان الدراما المغربية يمكن ان ترقى الى مستوى الانتاجات العربية كما ان «لدينا ممثلين وممثلات قادرين على اداء ادوارهم بلغة عربية فصيحة وهي لغة ليست ملكا للسوريين او الاردنيين»، ولم تنف بوبكدي ايضا ان العمل تخللته اخطاء لغوية سيتم تفاديها في الاعمال المقبلة من خلال حضور مراقب لغوي اثناء التصوير. وقال الممثل هشام بهلول الذي شارك بدور رئيسي في شريط «تيغالين» ان من بين الاهداف التي سطرت على هذا العمل هي اقتحام الساحة العربية وتحقيق التواصل مع المتلقي العربي اذ «لا يمكننا تحقيق ذلك الا من خلال اعمال تلفزيونية تتحدث باللغة العربية الفصحي كمرحلة اولى لمنح الفرصة للمشاهد العربي للاستئناس بالوجوه التلفزيونية المغربية». واشار الى ان اللغة العربية لغة القرآن ولغة الاحاسيس والشعر ايضا ولها مصداقية ورنة خاصة في اذن المتلقي، وهي في رأيه توفر نسبة خمسين في المائة من صدق الاداء وانجاح التواصل مع المشاهد.