صقر قريش: ماراثون الأعمال الدرامية التاريخية

ملحمة درامية تجسد التباين بين دوافع العقيدة ونوازع الغنيمة

TT

على الرغم من ان مسيرته الأسطورية ماثلة في اذهاننا منذ ان قرأناها في كتب التاريخ أيام الدراسة، فان التشخيص المشهدي لمثل هذه السيرة يبدو وكأنه قراءة جديدة لها، لما في الحالتين من ايحاء متميز بين تباين او تطابق الصورتين.

ومن هنا، فان التصدي في الدراما للشخصيات التاريخية يحمل الكثير من المسؤولية تجاه وقائع وأحداث التاريخ.. نقول هذا بعد موجة انتاج عدد كبير من الأعمال التاريخية للشاشة الصغيرة، وفي موسم واحد، هو الموسم الرمضاني الأخير الذي قدمت لنا مؤسسات وشركات الانتاج فيه، الى جانب «صقر قريش»، الأعمال التالية: المتنبي ـ هولاكو ـ امرؤ القيس ـ زمان الوصل ـ عمر الخيام وغيرها.

وتبدو شخصية عبد الرحمن الداخل الذي عرف بـ«صقر قريش» ذات حضور بادٍ وتفرد مدهش بين شخصيات هذه الأعمال ـ وبينها ثلاثة شعراء كبار ـ لأنه مؤسس الدولة الأموية في الأندلس، ولعدة أسباب أهمها:

1 ـ هو من بين أبرز الشخصيات القيادية في التاريخ العربي ـ الاسلامي.

2 ـ هو حفيد هشام بن عبد الملك، آخر الخلفاء الأمويين العظام الأقوياء، وقد تربى في كنفه حيث تعهده بعد وفاة ابيه معاوية بن هشام.

3 ـ تتشابك سيرته مع ظروف تاريخية معقدة، وفي مرحلة خطيرة من التاريخ العربي الاسلامي.

4 ـ هو الأمير الأموي الوحيد الذي نجا من سيوف بني العباس بعد سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية.

5 ـ تتزامن صورته في الذهن مع حالة فراره من جند العباسيين وعبوره النهر سباحة ونجاته منهم.

6 ـ تشكل سيرة انتقاله سراً من الشام الى مصر، فالمغرب، فالأندلس ملحمة من المعاناة حافلة بالوقائع الدرامية والانسانية المؤثرة.

7 ـ حقق بدخوله الأندلس وامتلاكها نقلة مهمة حيث كانت مسرحاً لصراعات قبلية دموية مستمرة.

8 ـ استطاع ان يقضي على واقع الفتن والصراعات ويؤسس دولة اموية عظيمة في الغرب توازي الدولة العباسية في الشرق، اصبحت منارة للحضارة والفنون والآداب والعمارة على مدى عدة قرون.

9 ـ ألقت هذه الشخصية بظلالها على حقبة تاريخية تمتد بين عامي 136 ـ 172 هـ.. وحتى لقب «صقر قريش» فقد أطلقه عليه خصمه اللدود الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور.

* بين العقيدة.. والسلطة

* والسؤال الذي يجب ان يطرح في التصدي للكتابة عن مثل هذه الأعمال: هل يهدف انتاج مثل هذه القصص التاريخية الى تقديم «حدوتة» عن بطل تثير ذهن المشاهد الذي ينزع الى مشاهدة الشخصيات المتخيلة في ذهنه الى نموذج مشخص ولو في اهاب ممثل؟ ام ان الهدف ـ الى جانب هذا ـ هو تقديم حيادي لأحداث تاريخية معينة في حقبة زمنية محددة؟ أم ان الأمر ـ كما هو مؤمل ـ ان تقدم الدراما قراءة جديدة تقويمية لسالف التاريخ؟

لقد دلت الوقائع التي شهدناها مثلاً في هذا المسلسل، وفي المسلسلين التاريخيين الآخرين: «امرؤ القيس» و«زمان الوصل» على ان النوازع التي كانت تدير المعارك ترتبط اولاً بالقتال من أجل السلطة والجاه والمكاسب، بدليل قيم المقاتلة بين ابناء الأمة الواحدة والدين الواحد، في حين ان الجهاد كان في صدر الاسلام ينطلق في سبيل الله، ونصرة الدين والعقيدة، ونشر رسالة الحق، ومجابهة اعداء الأمة.

تقول الجهة المنتجة «سورية الدولية للانتاج الفني» ان هذا العمل يطرح عدداً من الأسئلة الانسانية والتاريخية المهمة التي تتصل بالتكوين التاريخي للدولة العربية الاسلامية في تلك العصور. مثل العلاقة المتنافرة بين الدولة والعصبيات القبلية، ومثل اشكالية التناقض بين دوافع العقيدة ونوازع الغنيمة في حركة الامتداد العربي الاسلامي، واشكالية العلاقة المعقدة بين ضرورات التمكين للدولة والقيم الأخلاقية الانسانية في التعامل بين الدولة والقوى الاجتماعية، بين الحاكم والمحكوم، اضافة الى السؤال الانساني عن قضية المصير ودور الفرد فيها من خلال الظروف المحيطة به، ومن هنا فان عبد الرحمن الداخل (صقر قريش) ـ في سياق تمكينه للدولة والقضاء على العصبيات المتقاتلة، وتعزيز السلطة وجد نفسه يتخلى عن كثير من مرجعياته الأخلاقية المبدئية ـ تماماً كما فعل العباسيون في الشرق ـ فلا يتوانى عن البطش بكل من يخشى تمرده عليه بلا هوادة، ويتحول الى حاكم دموي شديد القسوة في التعامل مع خصومه، فيربح الأندلس ولكنه يستوحش من الناس، ويتخلى عن اصدقائه، ليعيش مع نفسه وحدة قاسية، وغربة ينازعه عليها حنينه الى مسقط رأسه في الشام.

هذه واحدة من رؤى قد تختلف بين مشاهد وأخرى لمثل هذه المرحلة التاريخية الحافلة، هذه الشخصية التي كانت مطبوعة في الأذهان بملامحها العامة، وجاءت الدراما بكل تفاصيلها المتخيلة والموثقة لتضفي عليها ابعاداً جديدة في السلب والايجاب.

* بطاقة العمل

* مسلسل «صقر قريش» من تأليف الدكتور وليد سيف وانتاج سورية الدولية للانتاج الفني، واخراج حاتم علي.. اما الممثلون فهم جمال سليمان ـ امل عرفة ـ خالد تاجا ـ سلاف فواخرجي ـ سلمى المصري ـ رفيق سبيعي ـ غسان مسعود ـ باسم ياخور ـ ليلى جبر ـ شكران مرتضى ـ محمد مفتاح ـ زهير عبد الكريم ـ فايز ابو دان.