أغنية التخدير

أنس زاهد

TT

الجمهور الذي فلقته الاغنية الطويلة في العالم العربي، هو جمهور سلبي ليس لديه مانع في ان يمارس عليه المطرب سلطته ويجلسه حبيس الكرسي الذي يجلس عليه، ليعيد ويردد على مسامعه الكلمة الواحدة عشرات المرات.

الاغنية الطويلة هي محاولة لترويض احاسيس ووعي المستمع على الصبر والخضوع للمطرب الذي يمثل السلطة على المسرح.

انها حالة شبيهة بحالة التنويم المغناطيسي التي يمارسها الحواة والسحرة والبارعون في استخدام الحيل النفسية التي تقع حواس الضحية فيها تحت سيطرة المنوم تماما، ويفقد الوعي فيها اية فرصة أو قدرة على الحركة.

الاغنية الطويلة هي احد افرازات ثقافة السيطرة والتخدير، والعجيب ان عشاق الاغنية الطويلة يصابون بأعراض الادمان، والادمان هو محاولة للهرب من ضغط الواقع الى منطقة يتم تحييد الوعي فيها تحييدا شبه كامل.

قد يقول قائل ان الموسيقى ايا كان نوعها يمكن ان تساهم في احداث تأثيرات مشابهة للتي ذكرتها، لكنني اعتقد ان الموسيقى العظيمة قد توصلنا الى مرحلة الانفصال عن الواقع لكنها تغذي فينا رغباتنا واستعداداتنا لخلق واقع جديد اكثر سمواً ونبلاً.. بينما تقف الاغنية الطويلة عند حدود الانفصال عن الواقع من دون ان تتخطاها الى مكان اكثر بعدا.. وهي تشبه في ذلك كل ما يمكن ان يعطل العقل ويخدر الحواس ليغرق الانسان في حالة من البلادة والاستلاب والاستغراق المرضي. الاغنية التخديرية هي محاولة لاعداد الانسان الى اعلان حالة الاستسلام.