بين الحقيقة والمنطق

أنس زاهد

TT

الموسيقي الحقيقي هو الذي يرى العالم بأذنية، ويسمع من خلال عينينه، ويتعامل مع كل ما حوله باعتباره نفحة، وإن كانت غير مسموعةالا بالنسبة اليه وحده.

من يستمع الى السيمفونية السادسة ـ الريفية ـ لنتهوفن مثلا فسيدرك ماذا يعني ان يستعير البصر خصائص الحاسة السمعية. اللوحات البصرية التي يرسمها الربيع كانت تحتوي على نغمات ضمنية والحان غير ناطقة، لكن بتهوفن وحده استمع اليها ودونها لانه كان يملك بصرا سمعيا في غاية الرهافة والدقة. وكذلك فعل فيفالدي في كونشيرتو الكمان الشهير «الفصول الاربعة».

ومن يستمع الى جميع اعمال موتزارت فسيفهم ان هذا الرجل لم يكن ينظر الى الوجود والموجودات، الا باعتبارها نغمات مرئية، وكذلك هو الحال بالنسبة لسيد درويش، والاخوين رحباني وغيرهم من الكائنات السمعية الخالصة.

الصوت وليس الكلام هو الحقيقة والنغمة لا اللغة هي التي يمكن ان نتخطى بواسطتها الحد الفاصل بين البلادة والحكمة.

الصوت هو التجلي الاعظم للحقيقة واللغة هي احدى افرازات المنطق.. وبين الحقيقة والمنطق مسافة ألف سنة ضوئية.