وائل عواد: قوات صدام أمرت بإعدامنا وشيخ قبيلة عراقي هربنا متنكرين

فريق قناة «العربية» يروي لـ «الشرق الاوسط» قصة وقوعه في منطقة يديرها علي الكيماوي

TT

عندما اعلنت قناة «العربية» نبأ فقدان الاتصال بفريقها المكون من ثلاثة افراد (صحافي وفنيين) كان هؤلاء الثلاثة يتنقلون تائهين في مناطق الجنوب العراقي التي وصلوها من شمال الكويت مع بداية الحرب، يبحثون عن من يدلهم الى طريق امن، ولكنهم يتعثرون في الحصول على اجابة من كل من وجدوهم في طريقهم من عراقيين او من جنود قوات التحالف البريطانيين والاميركيين، ودخل فريق «العربية» المكون من د. وائل عواد مراسل القناة، وعلي صفا مهندس تقني وهو لبناني الجنسية والثالث طلال المصري هو مصور ولبناني الجنسية في مغامرة صحافية عندما وجدوا انفسهم بين ايدي القوات العراقية في منطقة يتولى ادارتها علي حسن المجيد ابن عم الرئيس العراقي صدام حسين، والذي يعرف باسم (علي الكيماوي)، فتحولت المهمة الصحافية من مغامرة الى مخاطرة، اذ وجد الفريق الصحافي نفسه دون ان يعلم في عرين الاسد.

عن هذه المحنة والتجربة التي مروا بها قال الدكتور وائل عواد وهو سوري الجنسية لـ «الشرق الاوسط»:

ـ دخلنا مع القوات الاميركية عن طريق الحدود الكويتية ـ العراقية وذلك لتغطية الاخبار وكنا ثلاثة واتجهنا من صفوان الى الزبير حيث نمر على أكثر من نقطة تفتيش عسكرية ونسألهم إن كان الطريق آمنا أم لا فيردون علينا بأنها آمنة او تحت سيطرة قوات التحالف، وبعد اجتيازنا منطقة الزبير باتجاه منطقة النرجسية مررنا على ثلاث نقاط تفتيش أميركية وبريطانية، وهم يؤكدون لنا خلو الطريق من أي قوات من المقاومة العراقية، بعدما يتحققون من شخصيتنا لانهم يمنعون المواطنين من المرور، وعند دخولنا الى المنطقة تعرضنا الى كمين عراقي، حيث بدأوا بإطلاق النار على سيارتنا لذا طلبنا من زميلنا علي صفا كونه كان يقود السيارة بأن نعود أدراجنا باتجاه الزبير وللاسف في هذه الاثناء لم تكن هناك أي قوات أميركية او بريطانية.. بحيث كانت هذه القوات تأتي وتحاصر المدن ولا تدخلها بشكل نظامي جدا، ولم تكن هناك مقاومة، فبقيت النيران تلاحقنا حتى التجأنا الى مجموعة من العراقيين وأبلغناهم بأننا صحافيون وعرب، فتبرع احدهم وذهب الى مصدر إطلاق النار وقال لهم بأننا عرب صحافيون فاتجهوا إلينا وهم من المليشيات التي تدير المقاومة وتهتف باسم الرئيس العراقي، فشرحنا لهم حالتنا فلم يقتنعوا بل وجدونا غنيمة حيث وضع النظام العراقي تسعيرة لمن يمسك بعربي يقاتل مع الاميركيين يحصل على 10 ملايين دينار بينما من يمسك بأميركي أو انجليزي فيحصل على 25 مليونا ومن يسقط طيارة يحصل على 20 مليونا وهكذا هي الاسعار.. لذا قرروا الاحتفاظ بنا واصطحبونا الى مقر الحزب وبدأ التحقيق هناك واتهمونا بأننا خونة لاننا ندخل مع الامريكان بدلا من الجهاد مع العراقيين وصادروا معداتنا وسيارتنا وكل حوائجنا الشخصية.. ووجدنا في الموقع اكثر من 10 الاف حزبي ومنهم جنود إلا أنهم جميعا يرتدون الزي المدني، فاحتجزونا في مدرسة تم تدميرها بعد خروجنا منها بنصف ساعة حيث نمنا فيها ليلة واحدة لانهم ابلغونا بأنهم في انتظار التعليمات وهذه المليشيات كانت تتميز بالعصبية وسوء المزاج. * وماذا حدث في اليوم الثاني؟

ـ يظهر أن التعليمات قد وصلتهم فأخذونا الى فرع الحزب، وهناك حققوا معنا مرة أخرى ثم اعادونا الى الموقع نفسه أي المدرسة، وفي الطريق شاهدنا اشتباكات بين المعارضة من الشعب وبين المليشيات البعثية وكانت فوضى عارمة في المكان، وبعدما وصلنا ابلغونا بأنهم سينقلوننا الى مكان آخر أكثر أمنا لان المنطقة بدأت تتعرض للقصف، وبالفعل قصفت المدرسة مباشرة بعد مغادرتنا لها بأقل من نصف ساعة وقد دمرت بالكامل.. وهكذا أخذوا ينقلوننا من مكان الى آخر بسبب القصف الشديد ونحن معصوبو الاعين، وفي آخر مرة أخذونا لشيخ عشيرة وهو عضو في الحزب والقيادة وقد عاملنا معاملة طيبة جدا بعدما تأكد تماما بأننا فعلا صحافيون واعطانا الامان وقال لنا «اللي يصير على أولادي يصير عليكم» وقد حضر افراد مليشيات لنا أكثر من مرة وكان يرفض تسليمنا لهم لاننا في حمايته، وقد وضعوا البيت الذي نسكن به عند شيخ العشيرة تحت مراقبة المخابرات العراقية على مدار الساعة كي لا نهرب.. وفي اليوم الاخير دخلت القوات البريطانية الى المنطقة التي كنا بها فعمت الفوضى وتوزعت المليشيات وفدائيو صدام والحزبيون وتقسموا الى مجموعات صغيرة وتركوا سياراتهم فانخفض مستوى الرقابة علينا لانشغالهم بالقصف والضرب والمواجهة مع قوات التحالف. وكان كل ذلك بانتظار التعليمات من مسؤول المنطقة الجنوبية علي المجيد (علي كيمياوي) عما سيفعلونه بنا ولا أحد يجرؤ على التصرف دون الرجوع اليه فعيونه تتلصص في كل مكان.. وفي هذه الاثناء حضرت التعليمات للشيخ بأنهم في الطريق الينا لاخذنا حيث سيتم تنفيذ حكم الاعدام بنا. فهنا طمأننا الشيخ حيث أحضر لنا شقيقين ومعهم ملابس ريفية عبارة عن دشاديش وشماغات لتمويهنا على اساس أننا مزارعون فخرجنا من بيت الشيخ متنكرين ومررنا من امام المليشيات المتمركزة في بعض المواقع متجهين الى الزبير، وعند اول نقطة تفتيش شرحنا الوضع لهم فسمح لنا بالمرور لاننا عرب وليس عراقيين الى أن تم تسليمنا الى نقطة بريطانية كي تسلمنا الى الصليب الاحمر بعدما عرفوا أننا الثلاثة المراسلون المفقودون..

* ماذا قال الشيخ لكم؟

ـ في لحظة الوداع قال لنا لاتخافوا بإذن لله ستصلون سالمين وسلموا على اخواننا في الكويت..

* وماذا تقول بعد هذه التجربة؟

ـ للاسف يفتقد الصحافيون في مواقع القتال الى مواقع قيادية اعلامية لشرح التعليمات للصحافيين، ولهذا يضطر الصحافي للذهاب بنفسه الى موقع الحدث مما يعرض نفسه للقتل والفقدان.. وعموما كانت تجربة مريرة لكنها ممتعة بالنسبة لرجل اعلام مثلي وقد سبق أن عملت مراسلا في حروب عدة في سيريلانكا وحرب كشمير وفي افغانستان، فكل تجربة تختلف عن غيرها لانها تحمل جديدا.. لذا سأعود مرة أخرى للعراق كي أقوم بعملي، ولا أنسى أبدا شيخ القبيلة ووالدته التي كانت تبكي على حالنا بل كانت السند لنا وتشد من أزرنا وتصبرنا على محنتنا وجعلتنا بكلامها نتحمل ونقف بوجه الصعاب، فكم كانوا معنا رائعين حيث كنا نصلي معا ونأكل معنا ونشرب الشاي العراقي معا.. فأدعو الله أن يصبرهم على محنتهم التي ابتلوا بها، فهم وجدوا القهر من رئيسهم وكذلك وجدوا الظلم والقهر من التحالف لانهم يريدون تقسيم العراق كما يقولون، للاسف بأفعال قوات التحالف التي كشرت عن أنيابها الان بقتل العديد من الابرياء مسحت كل ماكان متوقع من قبل الشعب العراقي أن يقف معها، حيث عقد الشيخ مقارنة مابين ظلم رئيسه وما يراه من قوات معتدية غازية، فقرر أن يقف بجانب ظلم رئيسه لانه يعرفه ويبقى هو من بلده وليس غريبا جاء يقسم العراق ويستبيح الثروات له.. ويلوم شيخ القبيلة النظام على أنه لم يعطهم التسليح الجيد كي يدافعوا عن وطنهم وأرضهم.