تغطية حرب العراق غير مسبوقة في التاريخ والقنوات التلفزيونية الأميركية تصارعت على خطف المشاهدين

حرب الخليج الثالثة أشعلت المنافسة بين المحررين في ميادين المعركة وتراجعت البرامج التلفزيونية في الاستديوهات

TT

مع انحسار الحرب التي حظيت بأفضل تغطية تلفزيونية في التاريخ، بات مديرو قنوات الأخبار التلفزيونية يتأملون جزئية مرعبة تتعلق بكيفية متابعة الجمهور لتلك التغطية: فالمشاهدون باتوا يتجاهلون برامج الأخبار المسائية التي تقدمها قنواتهم. خلال فترات سابقة من الاهتمام الشديد بالأخبار، كما حدث مؤخرا عقب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الارهابية، اعتاد المشاهدون على الاهتمام بأخبار قنوات التلفزيون، التي اعتقدوا انها تقدم لهم ما اعتبروها أفضل المعلومات، بل أفضل الطروحات والمضامين التي عرضها مقدمو البرامج والمحررون الصحافيون الذين كانوا يثقون بهم كليا. لكن خلال الأيام الـ16 الأولى لحرب العراق، لم يقتصر ما شاهدته قنوات التلفزة على تبخر انجازات الأيام الأولى، بل انها عانت من انخفاض أعداد المشاهدين الذين اعتادوا عليها خلال الأسابيع السابقة. فقد فقدت قناة «سي بي اس» و «اي بي سي» معا خلال تلك الفترة قرابة مليوني مشاهد، أو ما يعادل معا نسبة 10 بالمائة، كما جاء في دراسة لمعهد أبحاث نيلسون مانديلا.

قناة واحدة فقط هي «ان بي سي»، والتي على خلاف غيرها من القنوات تقدم أخبارها عبر الكيبل، سجلت ارتفاعا محدودا في عدد مشاهديها. انحسار أعداد مشاهدي برامج الأخبار المسائية، وقد حدث في نفس الوقت الذي حققت فيه ثلاث قنوات أخبار تستخدم الكيبل انجازا يفوق نسبة 300 في المائة، قد يكون مثل لحظة فاصلة متعلقة بحصول الأميركيين على الأخبار عبر شاشات التلفزيون.

وقد قال أندرو تايندال، مؤسس تقرير تايندال، الذي يراقب أداء برامج الأخبار المتلفزة: «بالعودة الى الأعوام الـ15 التي واصلت أبحاثي خلالها، حققت قنوات الأخبار زيادة في أعداد مشاهديها بنسبة 10 في المائة خلال فترات الأخبار الهامة. وما حدث مؤخرا يعد أمرا غير مسبوق».

بالتأكيد ان قنوات الكيبل تسعى لتصوير الأمر بهذا الشكل. وخلال الأيام الماضية، سجلت قناة «سي ان ان»، احدى مكونات شركة «اي أو ال تايم وورنر»، تراجعا في مستوى مشاهدي عناوين «الأخبار العاجلة» التي تظهر أسفل الشاشة طوال الوقت. على ان بعض المديرين التنفيذيين لقنوات الأخبار المتلفزة، حثوا على توخي الحذر قبل اصدار استنتاجات مبكرة استنادا الى ما حدث خلال بضعة أسابيع. حيث طرحوا ان طبيعة الحرب في العراق ـ التي دار معظم القتال فيها خلال ساعات الليل حسب توقيت الولايات المتحدة، الذي يفصله عن بداية برامج الأخبار المسائية ما يزيد عن نصف اليوم ـ لم تكن لصالح قنوات التلفزة. كما ان الميزات التقنية التي تحققت للتغطية، والتي سمحت بالنقل المباشر للمزيد من الأحداث الميدانية، وفر ميزة اضافية لقنوات الكيبل، التي بثت هذه المشاهد طوال ساعات اليوم. وقلل مديرو قناة «اي بي سي»، المتفرعة من شبكة ديزني، من أهمية انحسار أعداد المشاهدين باعتبارها مسألة غير هامة، اذ اعتبروا ان لا علاقة لها بالأمر على الاطلاق، طارحين ان انخفاضا محدودا خلال فترة وجيزة من الوقت لا يمكن تفسيره على انه اتجاه سائد. وبالفعل فان معدلات المشاهدة الخاصة بأخبار قنوات التلفزة، والتي بلغ اجماليها 28 مليون شخص تابعوا ثلاث قنوات، قلل من أهمية المعدل الاجمالي الذي بلغ 7.3 مليون مشاهد تابعوا قنوات فوكس الاخبارية، التابعة لنيوز كورب، «وسي ان ان»، و«ام اس ان بي سي»، التي تمتلكها مايكروسوفت وجنرال اليكتريك، الشركة الأم لقناة ان بي سي. وقد لاحظ مديرو قناة «اي بي سي» أيضا ان برامج القناة الاخبارية الأخرى، «صباح الخير يا أميركا» و«نايت لاين» المسائي، ساهما في زيادة أعداد المشاهدين، بما يشير الى أن اجمالي اقبال المشاهدين على أخبارها لم يتضاءل. أما في قناة «سي بي اس»، المتفرعة عن فياكوم، حيث كان انحسار المشاهدين الأبرز من نوعه، فقد أبدى المديرون استعدادهم للاعتراف بأن انخفاض أعداد المشاهدين كان حقيقة. ولم يفقد برنامج القناة الاخباري المسائي أكثر من 15 في المائة من مشاهديه فقط، بل عانى من ذلك برامج أخبارها الصباحية، مقارنة ببرنامج أخبار قناة فوكس المنافس، على الرغم من توفره في ما يزيد عن 20 مليون منزل اضافي. على ان مديري قناة «سي بي اس» يطرحون ان هذا التطور على الأرجح فريد بسبب هذه الحرب. وقال اندرو هيوارد، رئيس أخبار «سي بي اس»، ان سياسة ادارة بوش الجديدة المتعلقة بالسماح للصحافيين بمرافقة الوحدات العسكرية المشتركة في القتال، كان العامل الأهم في انحسار أعداد المشاهدين. فقد أدى لتقديم عنصر جديد في التغطية المباشرة، التي عادة ما تكون حيوية، كان له تأثيره الجلي على المشاهدين، كما أضاف بان انحسار أعداد مشاهدي برامج الأخبار المتلفزة تعارض تماما مع ما حدث خلال آخر فصول الخبر الذي أثار اهتمام المشاهد الأميركي. حيث قال هيوارد: «بعد الحادي عشر من سبتمبر، اعتمد المشاهدون على مقدمي البرامج ليساعدوا في لملمة نسيج الأمة معا مرة أخرى». لكن في هذه الحرب، كما قال، وبخلاف ذلك «كانت هذه حرب المحررين الصحافيين، لا حرب مقدمي البرامج، وهذا اشتمل على سلسلة من الروايات الفردية عظيمة الأهمية».وبينما وجد أولئك، الذين تابعوا بحذر التقارير الاخبارية من العراق، أنفسهم وقد جذبتهم مشاهد مؤثرة من تطورات الحرب الميدانية، قال هيوارد، انه بالنسبة لمجموعة أخرى من المشاهدين، خاصة بعض النساء «كانت طبيعة المشاهد غير المألوفة والمثيرة للحزن، ببساطة أمرا لا يطاق».

وكانت النتائج الأولية للبحوث المتعلقة بعادات مشاهدي الحرب، والتي أجرتها قناة سي بي اس، قد أشارت الى أن مشاهدي الأخبار غير الدائمين ظلوا يقبلون على برامج الأخبار بأعداد هائلة خلال الحرب، كما قال ديفيد بولتراك، نائب رئيس ادارة البحوث الخاصة بالشبكة الاخبارية. لكنه أضاف ان نسبة واسعة ممن وصفهم بـ«مشاهدي الأخبار المواظبين» شعروا بالالتزام تجاه متابعة أخبار الحرب طوال اليوم. واستطرد قائلا: «هذه المجموعة ليس لديها ما يدفعها للتحول لبرامج الأخبارمن أجل مشاهدة نفس الأخبار». على أن ذلك لم يضف شيئا لقدرة قناة «ان بي سي» على زيادة أعداد مشاهدي برامجها الاخبارية، في الوقت الذي كانت قنوات أخرى تفقدهم. فهذه القناة تتميز ببثها المتواصل عبر قناة «ام اس ان بي سي»، التي تبث أخبارها عبر الكيبل، والتي تمكنت من متابعة الأخبار طوال اليوم، في الوقت الذي ظلت تحث مشاهديها على متابعة برامج القناة الأخبارية كل مساء.

وقد قال نيل شابيرو، رئيس أخبار «ان بي سي»: «أعتقد ان السبب يكمن في اننا لدينا القدرة على نقل ما يحدث بواسطة قناتين مختلفتين. فنحن نعرف ان أولئك المهتمين بالأخبار يتابعون كل شيء. ولدينا ما يلبي رغباتهم في الموقعين. نحتفظ بمشاهدينا الرئيسيين على الهواء في الموقعين. وذلك جعلنا في موقف مريح يختلف عن موقف قناتي «اي بي سي» و«سي بي اس».

ويقبل هيوارد ان قناة «ان بي سي» تمتعت بميزة مؤكدة تمثلت في امتلاكها لعملية اخبارية تتم عبر البث المباشر وارسال الكيبل. وقد قال: «لقد طرحت على الدوام ان التمتع بخيار اضافي يتمثل في شبكة الكيبل، يعد شيئا قيما». ومن بين أسباب عدة، كما قال، هناك التوفير الناتج عن اقتسام نفقات التغطية الاخبارية. وكانت كل من قناتي «سي بي اس» و«اي بي سي»، اللتين تتبعان هيوارد، قد سعت في الماضي لتحقيق هذه الميزات، بتجميع الجهود مع قناة «سي ان ان». وتلك الصفقات لم تفلح. لكن حرب العراق وحتى الأن لم تؤد الى أستئناف جهود الشراكة. وقد أضاف بولتراك مدير «سي بي اس ان» قناة «ان بي سي» تتمتع بميزة أخرى. موضحا: «ان بي سي لديها أعلى معدل مشاهدة لبرامجها الاخبارية. ولديهم أهم برنامج صباحي، وذلك يمكنه أن يدفع المشاهدين لمتابعة برامجهم الأخرى طوال اليوم».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»