تغطية الحرب.. مدهشة كانت أم ناقصة؟

التقارير الخاصة باكتشاف كميات من الأسلحة الكيماوية كانت مزيفة * القنوات العربية خصصت للضحايا المدنيين وقتا أطول من المحطات الأميركية

TT

حظيت حرب العراق بتغطية تلفزيونية لم تشهدها حرب من قبل. لكن كيف سيتذكر التاريخ الدور الذي لعبه التلفزيون في هذه الحرب؟

بعد أكثر من اسبوع على متابعة الملايين لمشهد سقوط بغداد، ماتزال الآراء منقسمة بشأن الدور الذي لعبه التلفزيون ـ كحلقة رئيسية في تغطية العمليات ـ خلال هذه الحرب.

فبعض خبراء الأخبار والمحللين قالوا إن التلفزيون حقق نجاحا مدهشا في العراق، حيت تمكن من نقل مشاهد الحرب مباشرة إلى غرف معيشة الناس. لكن آخرين يتساءلون حول المدى الحقيقي لوضوح واكتمال تلك التغطية، ويرون أن الرأي العام لم يتمكن من الإطلاع على الصورة الكاملة لما حدث، كما أنه لم يتعرف على مجمل التفاصيل المتعلقة بالعديد من المسائل المهمة، ومن بينها إجمالي الضحايا المدنيين، ومدى الشراسة التي بلغها القتال، وحقيقة ومدى الضرر الذي لحق ببغداد.

يقول البعض إن التغطية كانت محدودة في إطار الحرب وفي طبيعة أداء التلفزيون بحد ذاته ويشيرون إلى المزج غير الدقيق بين المشاهد والكلمات.. فقد تمت الاستعانة بمشاهد ما لمواقع محددة من ساحة القتال التي لم تكن ذات أهمية قصوى، واستخدامها في تقرير آخر يبثه مراسل حربي أو مقدم برامج. وكما قال ويليام باورس، المحرر الإعلامي في مجلة «ذي ناشيونال جورنال»: أعتقد أن الحرب أثبتت إنها أكبر من أن يتسنى للتلفزيون نقلها عبر شاشاته الصغيرة». وأضاف باورس في الوقت نفسه «لقد قام التلفزيون بتغطية مكثفة إلى الحد الذي جعل البعض يشعرون بعدم قدرتهم على المتابعة».

ويتفق المراقبون في أن المعلومة تجاوزت السياق، فقد بدأت حرب التلفزيون بالمشاهد البرتقالية التي صورت قصف سماء بغداد الداكنة، ومشاهد زحف الدبابات في الصحراء بدون مقاومة.

لكن خلال خمسة أيام، تباطأ زخم التقدم إلى الأمام، وفجأة شهدت الساحة قتالا شرسا من الموالين لصدام حسين.

وأعرب بعض مسؤولي الإدارة الأميركية عن تذمرهم من أن مشاهد المعارك تقلل من مصداقية التصريحات الرسمية المتعلقة بأن التقدم العسكري لهذه الحرب كان الأسرع من نوعه في تاريخ الحروب. وقالوا إن التقارير السلبية تجاوزت في أثرها الروايات المتعلقة بالتقدم. وقال مسؤولو وزارة الدفاع إن تناقضا حدث بين مشاهد المعارك والمعلومات التي كانت قد أشارت إلى تقدم القوات بشكل لم يكن متوقعا، وذلك تسبب في شيء من الإرتباك. وكما قال باول سلافين، منتج برنامج «أخبار العالم هذا المساء» الذي تبثه قناة إي بي سي «كان لدينا أولئك الذين يبعثون لنا بمشاهد عن ما يحدث ميدانيا، وفي الوقت نفسه، كان علينا أن نسمع المتحدث باسم القيادة المركزية وهو يقول: لا علم لنا بما يحدث». وقد حصلت محطات التلفزيون الأميركية في الغالب على مشاهد طائرات أميركية تم اسقاطها، قبل أن تؤكد القيادة المركزية فقدان أية طائرة، فما بالكم تعرضها لنيران عراقية أو لخلل فني.. وفي هذا الإطار، حققت أخبار التلفزيون، التي تتخللها برامج متنوعة، ميزة عن أخبار قنوات الكيبل، التي تبث أخبارا متواصلة طوال الوقت، فالأولى تسنى لها الانتظار لكي تتضح الرؤية ويتم وضع الأحداث في السياق المطلوب. على إن أشد المواجهات ضراوة بين المحررين الموجودين في الميدان والروايات الرسمية من واشنطن، تمثلت في بعض التعليقات التي أصدرها بعض القادة الميدانيين بشأن ضراوة المقاومة العراقية خلال الاسبوع الثاني للقتال.

وقد يبدو الآن أن تلك التصريحات كانت وقتية، الا أن منتجي الأخبار والمحررين الذين أدلوا بتصريحات مؤخرا لم يتجاهلوا شكاوى وزير الدفاع دونالد رامسفيلد من أطروحاتهم المتشائمة، فقال ستيف كابوس منتج برنامج «أخبار المساء» الذي تقدمه قناة «إن بي سي» لقد كان لدينا أكثر من مبرر لطرح التساؤلات. لكننا وجدنا وزارة الدفاع تهاجم وسائل الإعلام وتقول إنه من غير الوطنية أن يطرح البعض أسئلتهم. أنا شخصيا أعتبر نفسي وطنيا، لكن عندما يتطلب الأمر طرح أسئلة ما سأطرحها.

لكن، وبالرغم من كل ذلك الانتقاد الذي وجهه التلفزيون بخصوص الصعوبات في ساحة القتال، فإن هناك من يذهب إلى أن تلك الانتقادات قللت من مخاطر الحرب، وأحيانا بالغت في تصوير التقدم الذي حققته القوات الأميركية. وعلى سبيل المثال سارعت بعض قنوات التلفزيون في الاستعانة بالتقارير الخاصة باكتشاف كميات من الأسلحة الكيماوية، التي تبين في ما بعد أنها كانت مزيفة. وقال برايان ويتمان، المتحدث بإسم وزارة الدفاع إنه مع أعتبارالإطاحة بأول تماثيل صدام في بغداد حدثا رمزيا هاما، الا أن قنوات التلفزة غطته بشكل يفوق أهميته «ففي تلك اللحظة»، كما قال ويتمان «لم يكن ذلك هو حال بغداد، وبالتأكيد لم يكن حال العراق بأسره». فقد كان علينا أن نذكر الناس بالفعل بأن بغداد لم تكن بعد آمنة وأن القتال كان مستمرا في بعض المواقع.

وفي الوقت نفسه، خصصت قنوات التلفزيون الأميركية وقتا بسيطا مقارنة بمحطات التلفزيون العربية، للتقارير الخاصة بالضحايا المدنيين، فالمحطات العربية كانت مشحونة بمشاهد معاناة الأبرياء، أما المحطات الأميركية فلم تفعل ذلك. وقد افترض المراقبون أن آلاف الجنود العراقيين لقوا مصرعهم، لكن القلة منهم شوهدوا في برامج الأخبار الأميركية. قال جون أر ماك أرثر، ناشر مجلة «هاربر» ومؤلف كتاب «الجبهة الثانية» (سكند فرونت) ـ باللغة الإنجليزية ـ الذي تناول التغطية الإعلامية لحرب الخليج عام 1991 «لقد بثوا مرارا مشاهد لأولئك الذين شحنوا المدفعيات بالقذائف، وللقوافل المدرعة، ومشاهد لجنود شعروا بالملل لعدم خوضهم معارك حقيقية أو إطلاقهم للرصاص، ولأعمال العنف. لكن ما يرغب فيه المرء عندما يتعلق الأمر بتغطية الحرب هو وصف فعلي لما يحدث، للعنف الشديد وللعدد المتزايد من الجرحى ولأولئك الذين فقدوا أرواحهم». وهذه المسألة جعلت عددا من مسؤولي قنوات التلفزيون الأميركية يعترفون بأنهم لم يمنحوا القتال وسقوط المدنيين حقه الكامل في التغطية. * خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»