جمهور متسامح جدا

أنس زاهد

TT

الجمهور العربي الذي عمل السياسيون والمثقفون والفنانون على ترويضه، هو جمهور طيب جدا ومتسامح للغاية، لا يثير الاعتراضات ويتقبل كل شيء على علاته.

بالأمس كنت أتابع مشهدا من فيلم «أبي فوق الشجرة» للمخرج الراحل حسين كمال الذي قدم الراحل عبد الحليم حافظ في دور فتى جامعي. الفيلم مر أيامها من دون أن يثير أية اعتراضات أو تساؤلات، والأجيال الجديدة التي شاهدت الفيلم مرارا، لم تعترض هي الأخرى، وتقبلت ظهور عبد الحليم حافظ الذي كان وقتها على مشارف الخمسينات، في ثياب البحر مع مجموعة من زملائه الشباب الذين لم يبلغ أي واحد منهم الخامسة والعشرين! هذا الجمهور المسكين الذي تدرب واعتاد على أن يقصر نشاطه على التلقي السلبي، هو صنيعة الخطاب السياسي والإعلامي والثقافي والفني الذي ساد العالم العربي في ما بعد مرحلة الاستقلال، والذي تعامل مع الفرد بوصفه رقما في الخطة الخمسية وبندقية في المعركة المقدسة! ولو دققت النظر جيدا لما وجدت أي فارق يذكر بين الجمهور الذي أعجب بعبد الحليم وهو يرتدي المايوه في رحلته الجامعية برفقة زملائه طلبة كلية الهندسة، وبين الجمهور الذي صدق أن جيش عبد الناصر هو أقوى قوة ضاربة في الشرق الأوسط، ثم الجمهور الذي صدق بأن جيش صدام حسين سيهزم الأمريكيين في الحربين الأخيرتين.

العقل العربي لم يعد قادرا على أداء وظيفة النقد. إنها إحدى ثمار الأدلجة.