الفنان اللبناني خالد الهبر: لست مطرباً... وأغنياتنا سابقة لعصرها

اسطوانة «أكثر من أي زمان» تصدر في أكتوبر ب22 أغنية قديمة وجديدة

TT

انطلق الفنان اللبناني خالد الهبر في زمن الغليان الثقافي والسياسي محملاً بأحلام ما لبثت ان انكسرت. فالسنديانة الحمراء، التي غناها، تجاوزت خريفها، ولم يعد اولاد «البسطة» في غرب بيروت و«البرج» في وسطها يتظاهرون ولو لرغيف الخبز. والوعي السياسي الذي منعه فيما مضى من مغازلة حبيبته انحدر شيئاً فشيئاً.

لكن الصورة تبقى لافتة. فالجماهير العريضة التي حملت هذه الاحلام لم تندثر رغم التحولات التي شهدتها البلاد. والحفلات التي احياها اخيراً دليل على الحاجة لهذه الانماط الموسيقية.

«الشرق الاوسط» التقت الهبر على هامش تحضيراته لاسطوانته الجديدة «اكثر من أي زمان» واجرت معه الحوار التالي:

* لاحظنا اطلالة خجولة للاغنية السياسية بعد انتهاء الحرب الاهلية اللبنانية. هل هذا يعود الى الاوضاع السياسية الراهنة او الى الذائقة الفنية؟

ـ طالما ان الصراع قائم، هناك حاجة لهذه الاغنية. على كل حال، انا لا اوافق على تسمية «الاغنية السياسية». فهذه الاغنية مختلفة، متمردة وهناك حاجة ثقافية لها اكثر منها سياسية، خصوصاً ان لبنان لم يكن مرة طائفياً وبلا سيادة وبلا حرية، كما هو حالياً. ولم نواجه وضعاً اقتصادياً متردياً بقدر اليوم. لكن المعوقات التقنية لتنفيذ هذه الاغنية باتت اكثر. هناك معوقات مرتبطة برجال السياسة الطائفيين الذين يتحكمون في وسائل الاعلام ويخضعون الى خطوط حمراء. ونحن غير مستعدين لتقديم اي تنازل في هذه الاغنية. اضافة الى انه على الجهاز الاعلامي الانتقاء بين الاستهلاك والانتاجات المختلفة. وبالطبع لا يوجد من يبدي استعداداً لدعم انتاج مختلف في ظل زحمة الانتاجات الفنية.

* أغنياتك لاقت صدى في بقعة جغرافية معينة اثناء الحرب. هل حققت مصالحة تامة مع الجمهور اللبناني على اختلاف تلاوينه؟

ـ استطعت ان اتصالح مع جمهور واسع حتى اثناء الحرب. ومعلوم ان الاسطوانات التي اصدرتها آنذاك كانت «تهرّب» من شطر الى آخر في المناطق اللبنانية. فالاغنية التي أؤديها موجهة الى جمهور عريض يرتبط فيما بينه في فقره والحالة السياسية المفروضة عليه. نحن نعاني من انقسام عمودي وليس من انقسام افقي. والمشكلة كانت سابقاً في الاتصال. بعد ان حصل التلاقي واقمت حفلة في مجمع «بيروت هول» انتجتها «المؤسسة اللبنانية للارسال» في العام 1999 لم افاجأ بالحماسة التي استقبل بها الجمهور الاغنيات التي تحملها نخبة. والنخب موجودة في شرائح الشعب اللبناني كافة. لكن المشكلة الاساسية هي في ايصالها والتحدي هو في الاضطرار لتقديم تنازلات للمرور عبر الاعلام. وهذا ما أرفضه.

* هل هذا هو سبب المصالحة مع «المؤسسة اللبنانية للارسال» بعد هذه «القطيعة»؟

ـ هي ليست «قطيعة». كان هناك عدم معرفة بيننا. وحين الغيت الحواجز بين المناطق، حصل هذا الاتصال وانتجت الـ«ال. بي. سي» حفلة «بيروت هول» وروجت بعض الاغاني التي لاقت نجاحاً لافتاً. كان تعاون على حفلة ونجح.

* هل انت من الفنانين غير المرغوب بهم في الاعلام؟

ـ لي صديق يقول، ان الاغنية السياسية تأتي وتحمل معها الاعداء (يضحك). هي تحمل معنى سياسياً مباشراً، وبالطبع بعض وسائل الاعلام لا يهمها امرها والبعض الآخر يتلافاها ويخاف منها سياسياً. لا اريد ان احمل احداً مسؤولية الامر.

* ماذا عن اسطوانتك الجديدة «اكثر من أي زمان»؟

ـ تحمل الاسطوانة مجموعة اغان قديمة وجديدة وعددها 22. واقمت حفلتين في الجامعة الاميركية في بيروت وفي قصر اليونسكو لترويج الاغاني قبل تسجيلها تخفيفاً لاعباء الانتاج. والاسطوانة هي عبارة عن حفلة حية.

* الاغنية السياسية هي عبارة عن لحن محمل بكلمات تهدف لايصال رسالة معينة. لكن الا تلاحظ ان اصوات الذين يؤدون هذه الاغاني لم تخدمها؟

ـ الاغنية هي نص سياسي بامتياز، لا يمكن ايصاله إلا بطريقة اداء معينة. والاداء هو جزء لا يتجزأ من الاغنية. انا لست مطرباً لكنني استطيع ايصالها بافضل اداء ممكن وهذا الامر غير ممكن على من يتمتع بخامة صوتية معينة. نحن لم نفرض انفسنا على أننا مطربون ولم نرغب في ان تؤدي اسماء لامعة هذه الاغنية.

* هل اطلعت على الفرق الموسيقية الجديدة التي تؤدي هذه الانماط بصورة عصرية؟

ـ أتمنى ان يحمل الجيل الجديد هذه الاغنية، فانا حاولت بكل امكانياتي المساعدة. اثناء الحرب كانت الحركة الوطنية تدعمنا، بينما اليوم لا احد مستعد لتقديم المساعدة الى هذه الفرق. ومن غير المعقول ان يبقى البلد حكراً على شركات انتاج وبرامج تقرر هوية المطربين الجدد.

* بعد ثلاثين عاماً من الغناء، الا تلاحظ ان انتاجك ضئيل من ناحية الكم؟

ـ ما معنى الغزارة في الاغنيات؟ بصراحة اعتبر ان من يقدم عشر اغنيات في السنة هو «قبضاي». انا لا استطيع. هدفي ليس النجومية والبقاء تحت الاضواء، بل اداء رسالة بافضل صورة لها.

* هل تغيّر الكثير من مضمون الاغاني من العام 1970 حتى اليوم؟

ـ تغيّرت المعطيات. كان الصراع مسلحاً. وهو اليوم موجود ولا ينقصه سوى السلاح. وعملنا اثناء الحرب على الاغنية بمعناها الانساني والبعض اطلق عليها تجاوزاً اسم اغنية الحرب. لكن الحرب كانت ايضاً خزاناً للافكار.

* هل تغير شكل الظلم؟

ـ كان الظلم اثناء الحرب محدداً ومحدودا. الآن، بات متفرعاً، وتزايدت المواضيع التي يمكن الكتابة عنها بحرية اكثر من ايام الميليشيات. فيما قبل كنا محكومين بمناطقية معينة وبموقف سياسي. اشعر اليوم انني غير ملزم سوى تجاه جمهوري.

* ما كان شعورك حين غنت السيدة فيروز اغنية «صديقي صبحي الجيز»؟

ـ هذا شرف لي. تكلم معي زياد الرحباني وهو صاحب الاغنية بهذا الصدد وشعرت بفرح عارم.

* الا تشعر انك تغرّد خارج السرب؟

ـ منذ بدأنا بهذه الاغنية اعتبر الناس أننا كذلك. البعض بحجة التراث والبعض الاخر بحجة السياسة. هذا جيد للاغنية. وحين تكون في السرب، سيأتي يوم يمر السرب وترحل معه. والدليل على هذا الامر هو ارقام مبيعات اسطواناتنا التي تعود الى السبعينات. وعندما تعيش اغنياتنا هذا يعني انها سابقة عصرها تحاكي جماهير من مختلف الاعمار.

* يحكى عن خلافات بينك وبين سامي حوّاط وزياد الرحباني؟

ـ اسمع بهذا الامر. نحن اصدقاء وننتمي الى مدرسة سياسية وفكرية واحدة. والفرق بيننا هو في الانماط الموسيقية التي نؤديها.

* هل استمعت الى اسطوانة الفنان سامي حوّاط الاخيرة؟

ـ كلا.

* تأخرت؟

ـ انا منشغل ببعض الاعمال.

* هل تعتبر انك عشت في حلم وانكسر؟

ـ اكيد. احلام الناس انكسرت. لكن لن نظل نبكي على الاطلال. احاول احلاماً جديدة والعمل عليها ولو في غير مساعدة احد، على الاقل وفاءً للجمهور.