أطياف المدينة الفاضلة تطوف في معرض التشكيلي السوداني أحمد سيد أحمد الحسن

TT

اقيم في قاعة «الكوفة» وسط لندن اخيرا معرض الفنان التشكيلي السوداني المقيم في بريطانيا احمد سيد احمد الحسن.

تميز الافتتاح الذي حضره حشد كبير من الوجوه الثقافية السودانية بشكل خاص، بطريقة التقديم اللافتة لتجربة الفنان الحسن. قدم الفنان وتجربته الفنية المتميزة، فنان تشكيلي سوداني له باع طويل في مجال العمل الابداعي، ويعرف بانتشاره العالمي (يحتفظ متحف التيت جاليري الشهير في لندن باحدى لوحاته)، وهذا الفنان هو السيد ابراهيم الصلحي.

استمع الجمهور، الذي استمتع برؤية لوحات الحسن التي انتشلت قاعة الكوفة من سلسلة اختياراتها السيئة خلال العام الحالي، بشغف الى الكلمات العميقة، والدافئة للسيد الصلحي، وعرضه لتجربة الحسن البصرية، وكذلك لكلمات الحسن نفسه، وهو يصف بأسلوب شعري رؤيته الفنية، كقوله: «الحناء والقهوة، الوان صارخة بغناها، خطوط عميقة داكنة، تتحدر معلنة حداثتها، تترسخ محتلة مكانتها، بقع لونية صفراء، تشرئب بأعناقها، تنداح وتتلوى، وتستكين، خارجة من السودان، لترسم للعالم اطيافا قديمة، تبين ولا تبين».

وفي نص آخر، وُضع تحت انظار الجمهور، وضع الفنان اصبعه المدربة على خلط الالوان، وتمييز تدرجاتها (الصارخة) في تعددها، على النقاط الحساسة التي انطلق منها لرسم معالم تجربته (رؤياه)، كحديثه عن (الجذور، والاصالة، والتجديد) هذه المبادئ الثلاثة التي لا تكاد تخلو من لوحة سودانية معاصرة تجسدت بوضوح في اعمال الحسن ايضا، فبدت لوحاته اصيلة ومتجددة، وفي عين الوقت متجذرة في الروح السودانية ـ الافريقية، ومتلونة بطابعها المتميز المعروف.

درس الحسن الفنون التشكيلية، في كلية الفنون في الخرطوم، وتخرج فيها عام 1972، ومنذ ذلك التاريخ، يقول الحسن: «وانا مستغرق في حقل الفن، وفي التحصيل العلمي».

تابع الحسن دراسته الفنية في بريطانيا، فحصل على الدبلوم العالي، والماجستير في مجال تعليم الكبار، والتعليم ووسائل الاتصال الجماهيرية من جامعة مانشستر حيث لا يزال يقيم، ويعمل.

وعن اهمية الفن في الحياة، ودوره الحيوي، يقول الحسن: «ارى ان الفنون كلغة عالمية تملك قوة كبيرة لتخطي الحواجز بين البشر وبناء الجسور، وتطوير التعاون بين الناس من ذوي الخلفيات الثقافية المتعددة».

وعن المواد التي يستخدمها لتنفيذ اعماله، وطريقة عمله، يقول: «اجرب استخدام مواد وتقنيات مختلفة، فالوسائط التي استخدمها تشمل الصبغات الزيتية، والاكريل، والالوان المائية على سطوح متنوعة، كالكنفاس (قماشة اللوحة)، والالواح الخشبية، والورق بقياسات مختلفة. ويحتل الانسان وبيئته الاهمية القصوى في اعمالي التي تعنى بابراز المشاعر الانسانية، والافكار، وحركة التطور».

الانسان، وان غاب في بعض لوحات معرض الحسن الاخير لصالح تجريدات متناغمة، الا ان هذه اللوحات تشي ايضا بحضوره الروحي، فالانسان يحتل مركز الصدارة في اهتمام الفنان، وهو الذي اكسب لوحاته تلك اللمسة الحانية التي تجسدت في التأكيد على ظلال الالوان، وتدرجاتها المتداخلة في اظهار تفاصيل السطوح التصويرية.

وفي العموم عمد الفنان الى تجريد وحدات اللوحة من استقلاليتها المفرطة، باذابة حدودها الخارجية في المحيط الغنائي للوحة، فبدت لوحاته بهذه المعالجة اقرب الى بحيرات تتراقص على سطوحها الرقراقة الانوار والظلال المنعكسة من واقع ينبض بالحياة.

وكمشاهد احسست، وانا اتطلع الى اللوحات، وكأنها رسمت بأصابع روح طافت المدن والامصار، والتقطت بعينين عاشقتين مشاهد من مدينة فاضلة ترفل ربوعها بالحب والسلام، ويعيش ناسها مع محيطهم المتناغم افراحا روحانية رهيفة تقام طقوسها الراقصة في فضاءات ضوئية لا تنطفئ جذوتها ابدا. بنى الحسن انشاءات لوحاته داخل تربيعات تختلط في تركيبة الوانها اجراس ضوئية من الوان اخرى. تربيعات تصغر في لوحات لتظهر فيها تفاصيل عمائر تتنفس اللون، وتتخذ شكل مدينة معلقة في الضوء. التربيعات الاكبر اظهرت من خلال غلالات اللون الشفيفة العناصر الانسانية بتفاصيل اجسادها المذابة في اللون، والمتداخلة مع العناصر الاخرى بغنائية أخاذة.

وفي المقطع الاخير من قصيدته «اطياف قديمة» يؤكد الحسن انحيازه لحوار الحب والحرية، فيقول: «مشاهد الحب الدافئة/ على بساط الثقافات المتعانقة/ هي/ في الوقت ذاته صور لقطار يحمل افكار الفنان/ واحلامه السامقة/ لا تحد سيره الحدود/ لا تقيد خطاه الواثقة/ الاساليب والمناهج/ لا تحصره الاشياء / ينتحي احمد جانبا/ ويرسم بعقله ما يشاء».