مسلسل «يوم آخر» القطري نجح بكل جدارة في كشف عيوب الخليجيين

عبدالرزاق بنان فلالي*

TT

عرضت الفضائية القطرية، إلى جانب ثماني قنوات فضائية عربية أخرى البحرين وأبو ظبي ودبي وعُمان وmbc وLBC والمحور ودريم، مسلسلاً من إنتاج قطري تحت عنوان «يوم آخر»، نجح بكل جدارة في استقطاب جماهير عريضة في دول الخليج والمشرق العربي في غمرة المنافسة المحتدمة التي يشهدها شهر رمضان.

وحتى نتحرى الموضوعية في مقالنا هذا، فنجاح المسلسل يرجع بالأساس إلى تسليطه الضوء بجرأة غير معهودة في انتاجات خليجية سابقة على المشاكل العديدة التي تستشري في المجتمع الخليجي وتنخر كيانه، وليس إلى حجم ممثليه أو الميزانية المخصصة لإنتاجه. حديثي هنا عن المجتمع الخليجي ينبع من قناعتي بأن الكاتبة القطرية وداد عبد اللطيف الكواري تناولت في كتابتها المجتمع القطري كنموذج مصغر ومبسط للمجتمع الخليجي الكبير.

لست هنا بصدد تقييم هذا العمل التلفزيوني مهنياً، وإن كنت أمنح نفسي هذا الحق كمشاهد ومتفرج، فأقول إن نهاية الحبكة الدرامية لم تكن في مستوى المسلسل بحكم تركيبة وطبيعة شخصياته المعقدة ووتيرة أحداثه المتداخلة، لأنها أخذت منحى متسارعاً اعتمد على الصدف أكثر من اعتماده على الحلول الواقعية والمنطقية، زد على ذلك النبرة الحزينة التي طبعت الموسيقى التصويرية وعدم مواءمتها، بل وتناقضها في بعض الأحيان مع بعض المشاهد في المسلسل.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه بالقدر الذي نجح فيه المسلسل في اجتذاب جماهير عريضة، فقد فجر جدلاً واسعاً بين القطريين خاصة، والخليجيين عامة، لأنه بحسب المتشددين الذين يرفضون أن يروا الواقع بمنظار واقعي ومعايير موضوعية، قد شوه المجتمع القطري باختلاقه أحداثاً بعيدة كل البعد عن «الواقع» القطري وتقديمه شخصيات من نسج خيال الكاتبة ولا صلة لها بالواقع القطري، بل ذهب البعض منهم إلى المطالبة بضرورة وضع حد لما تتناوله وسائل الإعلام، وخاصة التلفزيونات، في المسلسلات الاجتماعية المحلية، وتطاولوا على كاتبة هذا العمل التلفزيوني واتهموها بتعمدها تشويه المجتمع القطري.

وحتى نفهم سبب هذا الجدل والضجة، فلا بد أن نعرج على القضايا والظواهر الاجتماعية التي طرحها المسلسل، والتي يمكن أن نرتبها على الشكل الآتي تبعاً لأهميتها في المسلسل:

ـ التمييز العنصري بين البيض والسود داخل المجتمع القطري من خلال شخصية سعيد، الذي عانى بسبب لون بشرته من حيف المجتمع، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هناك أكثر من شخصية في المسلسل رفضت أو احتقرت سعيد ورأت في مصاهرته تقليلاً من شأنها بل وإهانة وتطاولاً عليها، ومنها ناصر وأحمد زوج هالة والشخص الذي تقدم لطلب يد الجازي. وبذلك تكون الكاتبة وداد الكواري قد أظهرت أن التمييز العنصري واحتقار لون البشرة هو حالة عامة في المجتمع القطري، والخليجي عموماً، ولا يعكس حالات فردية.

ـ غياب دور الرجل في المجتمع القطري لحساب شخصية الأم المتسلطة والمتحكمة. هذا الغياب لمسناه في المسلسل من خلال عدة شخصيات، منها سعاد أم علي وأم سعيد.

والأكيد أن طرح الكاتبة لهذا الموضوع وبهذا التركيز هو ما فجر غضب القطريين، الذين رأوا في ذلك انتقاصاً من رجولتهم، الأمر الذي دفعهم إلى مهاجمة الكاتبة واتهامها بتعمدها التشويه. وعموماً فالمسلسل قد أبرز قوة شخصية المرأة القطرية، التي ترفض أن تكون تابعاً أو متاعاً للرجل، بل تُصر وتسعى إلى إثبات وجودها والاضطلاع بدور في اتخاذ القرارات.

ـ الإدمان وما يترتب عليه من نتائج تتلخص في اللامسؤولية والاستهتار من خلال شخصيتي الخال أبوخالد وصديقه الشاب حمدي. والوقع أن الكاتبة قد نجحت في رسم شخصية الخال أبوخالد وتسليط الضوء على آثار إدمانه على محيطه. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الكاتبة ركزت بشكل كبير على شخصية الخال على حساب صديقه الشاب، وربما لها أسبابها في ذلك، وإن كنا نعتقد أنه كان حريا بها أن تسلط الضوء كذلك على آثار الإدمان على الشاب حمدي وعلى محيطه، علماً بأن الإدمان على المخدرات والكحول قد استشرى بين الشباب الخليجيين، لدرجة بات معها من الضروري دق أجراسالخطر.

ـ العلاقات غير الشرعية: قدمت لنا الكاتبة من خلال شخصيتي ريم وشمس جانباً من المجتمع الخليجي قلما تم التطرق إليه من قبل في الأعمال الدرامية الخليجية. ريم وشمس شابتان في مقتبل العمر، لكل منهما ظروفها الخاصة ومطامعها الشخصية، وإن كانتا تسعيان إلى نفس الهدف، البحث عن زوج أو شريك يوفر لهما رغد العيش ويُغدق عليهما العطايا والهدايا دون الاهتمام بعمره أو بحالته الاجتماعية. ولعل الكاتبة رمت من وراء طرح هذا الموضوع لفت الانتباه إلى تنامي ظاهرة العلاقات غير الشرعية داخله، بل واستفحالها بين بعض الشرائح منه.

ـ الاستعمال السيئ للتكنولوجيا، وبالتحديد الانترنت من خلال شخصية العم سالم وكل من ريم وشمس. وهنا لا بد من التنويه بتطرق الكاتبة وداد الكواري لهذه الظاهرة المستجدة، خاصة بعد الانتشار الواسع للانترنت في المنطقة، والذي مكن الشباب من الجنسين من استغلال جهل آبائهم بالتكنولوجيا الحديثة لتفادي مراقبتهم والقيام ببعض الممارسات اللاأخلاقية وربط علاقات غير شرعية (شخصيتي ريم وشمس)، بل والإقدام على الأنكى من ذلك. المسلسل سلط الضوء كذلك على شيوع الاستعمال السلبي للموبايل (الهاتف المحمول) بين كل فئات المجتمع، وخاصة الفتيات والمراهقين.

ـ المراهقة المتأخرة من خلال شخصية العم سالم أبوعلي، الذي يصور واقع في «مريضة» داخل المجتمع.

ـ ظاهرة الواسطة والمحاباة والتي نجحت الكاتبة في الإشارة إليها باعتبارها ظاهرة راسخة في المجتمع القطري، بل والأدهى من ذلك قبول القطريين وتكيفهم معها.

فهذه الظاهرة كانت حاضرة في كل المشاهد التي صورت عمل الإدارات العمومية وكذا في حوارات الشخصيات بخصوص عمل الدوائر الحكومية.

ـ البيروقراطية وبطء الإجراءات الإدارية حتى في بعض الحالات التي لا تحتمل التأخير، (حين لجأت مريم إلى طلب الرعاية الاجتماعية).

ـ التفكك العائلي ومحدودية التواصل بين أعضاء العائلة الواحدة. وهو ما بدا واضحا من خلال تصوير المسلسل لواقع عائلة العم سالم.

ـ الزواج من غير القطريات وما يطرح من مشاكل، وإن كانت الكاتبة لم تعط هذا الموضوع قدره من الأهمية على الرغم من حضوره الكبير في المجتمع القطري. فلا أحد يجادل في المشاكل العديدة المترتبة عن تنامي هذه الظاهرة داخل المجتمع القطري.

ـ الرشوة من خلال شخصية ناصر، هذه الشخصية التي يمكن نعتها بأنها ضعيفة ومهتزة، وربما ذلك راجع إلى التربية والوسط الذي ترعرع في كنفه.

وفي ختام تحليلنا لهذا المسلسل، يمكننا القول إن مسلسل «يوم آخر» قدم لمشاهديه مرآة واقعية شخصت بنجاح كبير عيوب وتشوهات المجتمع القطري، والخليجي عموماً، لا رغبة في التشويه من أجل التشويه أو انتقاصاً من قدره، وإنما ليكون دعوة صريحة إلى إعادة النظر في جملة من العادات والممارسات والمفاهيم غير المستقيمة رغبة في إصلاحها وتجاوزها إلى غير رجعة.

* صحافي ومترجم ـ الدوحة ـ قطـر