صلاح السعدني: ليالي الحلمية عمل لن يتكرر مرة أخرى

أشهر عمدة في التلفزيون المصري يؤكد أنه لم يلتق عادل إمام في عمل فني رغم الصداقة التي تربطنا

TT

صلاح السعدني قدم العديد من الأدوار التي لا تنسى في ذاكرة المشاهد العربي إلا انه يعتبر مسلسله الأخير «كفر عسكر» من الأعمال المهمة في حياته مثله «الحلمية- حلم الجنوبي- ارابيسك».

يملك السعدني ثقافة عريضة حتى على المستوى السياسي وكثيرا ما يخط بقلمه عددا من المقالات الساخرة على غرار شقيقه محمود السعدني. له رؤية حيال ما يحدث في الأراضي المحتلة وله نظرة ثاقبة في الاعمال التي قدمها.

التقته «الشرق الأوسط» في حوار بدأه بالحديث عن آخر أعمال «كفر عسكر» فقال: على الرغم من أنني قدمت أعمالاً كثيرة جيدة الا ان كفر عسكر مسلسل يلعب على وتر يطرح حاليا على الساحة العربية، فإذا كنت أجسد كبير عائلة عوف أصحاب الأرض الحقيقيين في القرية، فإن فطوم التي تجسد شخصيتها دلال عبد العزيز، بمثابة اسرائيل في المنطقة والتي تسعى للسيطرة على الأرض وفرض نفوذها عليها وهذا العمل شديد الثراء والجودة لما يقدمه من احداث جديدة وغير مكررة أو متشابهة وأنا سعيد جدا بالمشاركة فيه واعتبره اضافة حقيقية لمشواري الفني.

* لكنك حتى الآن لم تقدم عملا في مستوى وشهرة ليالي الحلمية ؟

- أنا أعتبر الحلمية وأرابيسك وحلم الجنوبي والناس في كفر عسكر نوادر فنية وأنا اسعدني الحظ أن أكون عمدة الحلمية، كما أنني قدمت عملا في بدايتي الفنية يكاد يكون له قيمة الحلمية، لكن في وقت لم يكن في مصر كلها أكثر من عشرة آلاف جهاز تلفزيون، والعالم العربي لم يكن فيه أكثر من 4 محطات تلفزيونية، كان ذلك في نهاية الستينيات من خلال خماسية «الساقية» التي قدمناها في ثلاثة اجزاء هي «الضحية- الرحيل- والنصيب» وجمعت وقتها كل نجوم مصر منذ ايام هذا المسلسل حتى جاءت الحلمية، وأنا اعتقد أن الفنان عليه انتقاء أدواره التي من الممكن ان تحمل عملا واحدا يشتهر به الفنان مثال على ذلك الفنان محمود المليجي في فيلم «الأرض» في عام 1968 وحتى رحيله في عام 86 لم يقدم دورا مثل دور محمد أبو سويلم في «الأرض» والناس لم تقل له أنت لم تقدم أدوارك التالية مثل محمد أبو سويلم، ولهذا يظل دوري في «ليالي الحلمية» درة اعمالي التلفزيونية.

واضاف السعدني، حتى الكاتب نفسه، فمثلا نجيب محفوظ الذي قدم الثلاثية والتي شاركت في بطولتها، ليس مطالبا بأن يقدم ثلاثية أخرى وهذا لا يعيبه ولا يقلل من قيمته، وكل عمل له قيمته وظروفه ولا يمكن ان نقيس عملا على عمل آخر حتى لا نظلم الاعمال فهناك اعمال كثيرة وعلى مستوى جيد في رصيدي مثل ارابيسك وحلم الجنوبي والناس في كفر عسكر، اراها لا تقل بحال من الأحوال عن الحلمية، كما هناك اعمال أخرى في رصيد الأخرين كانت جيدة وعظيمة مثل رأفت الهجان والنوة والراية البيضاء وضمير أبلة حكمت وبوابة الحلواني والعائلة والليل وآخره كانت على مستوى جيد جدا.

* شهدنا مسلسلاتك الأخيرة أجزاء متعددة على غرار الحلمية مثل «رجل من زمن العولمة» و«أوراق مصرية». فهل سيكون لمسلسل «كفر عسكر» جزء ثان ؟

- الحلمية لها ظروفها وكتبت من البداية على شكل اجزاء. انما ليس كل عمل يصلح ليكون على اجزاء، لكن اذا الموضوع احتمل ان يكون على عدة اجزاء فهذا لاستكمال الوجبة الدرامية في اطار موضوع واحد ولكن اذا انتهى الموضوع في جزء واحد فهذا لا يعيبه وأنا لست من انصار المسلسلات المتعددة الاجزاء الا اذا كانت هناك حتمية للعمل نفسه، كما حدث في «رجل من زمن العولمة» و«أوراق مصرية» الذي نقوم بتصوير الجزء الثالث له حاليا لأن أحداثه ما زالت مستمرة لكن مسلسل «الناس في كفر عسكر» لن يكون له اجزاء.

* ما الذي يجذبك في العمل الفني لتقبل القيام به ؟

- عندما أقرأ أي مسلسل أضع في تقديري انه يجب ان يحمل الجديد للمواطن المصري والعربي ويحمل قيمة انسانية أو عاطفية أو تاريخية مهمة جدا ، فأنا لا أقدم مجرد دور ولكن انظر للعمل بشكل عام، وهو ما حدث في الاعمال التي قدمتها أخيرا، مثل سنوات الشقاء والحب جسر الخطر وسيرة سعيد الزواني وعمو عزيز وأوراق مصرية ورجل من زمن العولمة والحساب وكفر عسكر، وهي أعمال ذات مدلول سياسي واجتماعي ولها علاقة بالتاريخ.

فأنا أقدم في اعمالي المخزون الثقافي والسياسي الذي بداخلي والذي تكون مع زعماء مثل مصطفى كامل ومحمد فريد وسعد زغلول حتي جمال عبد الناصر، وهو ما يعطي أدوراي طعما وشكلا مميزا. كما ان هذه الاعمال تستطيع ان تسعد أجيال الشباب وتعلمهم تاريخهم وحاضرهم وبطريقة غير مباشرة، واعتقد ان الدراما التلفزيونية تقدم للجمهور القضايا الوطنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وتبسط تلك القضايا من خلال الاعمال الدرامية وهي بهذه الشكل تلعب دورا كبيرا ومهما ومؤثرا.

* ظهرت لك بعض الكتابات الساخرة على غرار شقيقك الكاتب الساخر محمود السعدني. فكيف ترى تجربته من وجهة نظرك ؟

- محمود السعدني من اعظم الكتاب الساخرين العرب بما له من اسلوب رشيق ولاذع وقوي وأنا مهما كتبت لن أصل الى 1% مما يكتبه السعدني الكبير، اطال الله عمره ومتعه بالصحة والعافية، كما انه لو كان ممثلا، لأصبح أفضل مني.

* قلت انك ستعود للمسرح بمسرحية من تأليفه ؟

- ان شاء الله وهي في مرحلة التحضير وسوف يتم افتتاح مسرح ميامي بالاسكندرية بها بعد تجديده نهائيا.

* وماذا عن ابنك أحمد السعدني وتقييمك لخطواته الأولى كممثل ؟

- أحمد شارك في بعض الأعمال معي كانت بدايتها في مسلسل «سنوات الشقاء والحب» وقد اختاره اشرف فهمي مخرج هذا المسلسل وشارك ايضا في بعض الأعمال مثل «عمو عزبز ورجل من زمن العولمة». وأحمد كان يمثل في المدرسة في مرحلة الهواية ولكن بعد تخرجه في كلية التجارة انجليزي احترف الفن بعد دراسته ايضا في المعهد العالي للفنون المسرحية، ومن خلال تجربته الصغيرة في التمثيل شعرت بأنه يتمتع بموهبة حقيقية واحساس كبير بالمشاهد التي يقدمها فضلا عن حضوره وقبوله وهذا شيء مهم جدا وهو شاب جميل، لكن المهم هو الاداء والمحك الرئيسي هو التجربة ولا بد أن يمر بعدة تجارب قوية لأن الحكم على حجم موهبته بشكل صائب لن يظهر من خلال تجارب قليلة، وقد تركت له حرية اتخاذ قرارات حياته ولا أفرض أي اتجاه عليه.

* ماذ عن الاحفاد في حياة صلاح السعدني ؟

- العمر يجري وأصبحت جدا وكما يقول المثل «أعز الولد ولد الولد» ولهذا فاحفادي لهم معزة خاصة جدا في حياتي.

* أعرف مدى صداقتك للفنان عادل امام. فلماذا لم تثمر هذه الصداقة اعمالا مشتركة بينكما ؟

- نحن اصدقاء ولكن كل منا ناجح في عمله وفي مجال الذي يعشقه، وأنا اعتز بصداقتي للفنان عادل امام ولا يكاد يخلو يوم من اتصال بيننا، لكن أنا لا أحب الذهاب الى مجال فني لا احصل من خلاله على قيمتي الفنية الحقيقية، فكما ان عادل له صولات وجولات في السينما والمسرح، أنا كذلك ولكن في التليفزيون.

* وما رأيك فيما يتردد ان سورية سحبت بساط الريادة من الدراما المصرية في التليفزيون ؟

- أقول ان هناك اعمالاً شديدة الجمال في سورية وبعض الدول العربية الأخرى وقد شاهدتها واعجبت بها وصفقت لها ولكن تبقى مثل هذه الاعمال مسائل فردية، انما القاعدة العامة والريادة سوف تظل وتبقى لصالح الدراما المصرية دائما، لما لها من قواعد وأسس حقيقية وتاريخ طويل وآلاف من المؤلفين والممثلين والمخرجين والمصورين ومهندسي الدكيور، وغيرهم من المشرفين على العمل الدرامي، وهذا لا يمنع وجود بعض المبدعين في دول عربية أخرى، كما كانت فيروز ووديع الصافي ومحمد عبده في الغناء.

* هل تقبل مقولة ان صلاح السعدني فنان تلفزيوني لم تستفد من امكانياته السينما المصرية التي ظلمته كثيرا ؟

- السينما لم تظلمني ولكن انا كنت مبتعدا عنها برغبتي، فطالما أنا فارس من فرسان التلفزيون فكيف أذهب لمجال لا يضعني في الاطار الصحيح الذي اتمناه لنفسي والذي احقق من خلاله طموحي الفني وعندما عرضت علي اعمال سينمائية جيدة رحبت بها وقبلتها وصورتها مثل: «لعدم كفاية الأدلة- الشيطان داخل انسان- اللص والكلاب- الأرض- كراكيب - المراكبي- احلام صغيرة- شحاذون ونبلاء- كونشرتو درب سعادة».

وقد كانت لدي مشروعات واحلام سينمائية في الفترة الأخيرة ولكنها توقفت بسبب الموجة السائدة حاليا من افلام الكوميديا وهي بالتأكيد لا تناسبني.

* بعيدا عن الفن أسألك عن موقفك تجاه ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة على يد جيش الاحتلال الاسرائيلي خاصة بعد اغتيال الشيخ أحمد ياسين الذي قلت له من قبل كم كنت تتمنى أن تلتقي به ؟

- الشيخ أحمد ياسين رمز من الرموز الوطنية في الكفاح الفلسطيني واغتياله بهذه الصورة الوحشية يعود الى أننا كعرب لم تأخذ موقفا قويا تجاه ما يحدث في فلسطين منذ سنوات وتركنا ابناء هذا الشعب الشقيق يكافح بمفرده من أجل استرداد حقوقه المغتصبة وطالما تهاون موقفنا العربي الى هذه الدرجة فإن اسرائيل تفعل ما تريد من بطش وسفك دماء وتدمير وهدم منازل وتجريف أراض زراعية وبناء السور العازل من دون ان يستطيع أحد ان يقول لها توقفي والزمي حدودك، خاصة انها تفعل ذلك بمساندة شرطي المنطقة في الفترة الأخيرة وهي الولايات المتحدة التي لا تصوت على أي قرار يدين اسرائيل في مجلس الأمن، ومعروف عن اسرائيل انها دولة مارقة وخارجة عن الشرعية الدولية.

وبالفعل كنت اتمنى لقاء الشيخ أحمد ياسين الذي يمثل صمود الفلسطيني وأشد على يديه، فهذا الرجل القعيد الذي سجنته اسرائيل طويلا ثم اغتالته بعد خروجه من صلاة الفجر يعتبر رمزا وطنيا يدعو للفخر والاعتزاز.