التلفزيون يهدد صناعة السينما المصرية

TT

أثارت ندوة نظمتها دار الكتب والوثائق المصرية اخيرا «حول مستقبل السينما المصرية» عدداً من الأسئلة والرؤى الهامة خاصة ما يتعلق بدور التلفزيون المصري في تدهور صناعة السينما في مصر، وانحسار الاقبال عليها، وعدم الرغبة في بناء دور عرض جديدة، وهو ما أشار إليه في الندوة الناقد السينمائي مصطفى درويش حيث يرى ان الأثر السلبي للتلفزيون أدى الى إقبال الناس على افلامه وبرامجه المجانية، ولزموا منازلهم حتى لا يكلفوا أنفسهم عناء الخروج لمشاهدة الأفلام في دور العرض، الى جانب ما يدفعونه من أموال ثمناً لتذكرة السينما ومشاهدة فيلم قد لا يكون جيداً، من هنا راحت دور العرض تتقلص والانتاج السينمائي في مصر يتدهور.

وقال درويش ان توقعات الممثل انور احمد حول مستقبل السينما المصرية عام 2000 التي كتبها في مجلة الهلال عام 1950 خابت جميعها فقد تنبأ بانحسار الرقابة وتحللها وها هي تزداد قوة، وتخنق آفاق الابداع لدى العاملين في الفيلم المصري، كما ذكر ان الانتاج المصري من الافلام سوف يتزايد ليغطي مساحات من اوروبا واميركا الى جانب الدول العربية والافريقية كما ستتلقف السينما في هوليوود الممثلين المصريين، وقد خاب هذا التوقع أيضاً بعد ان قل عدد الافلام حتى وصل الى خمسة أو ستة أفلام في العام، الى جانب اجتياح الافلام الاميركية لدور العرض، وعدم قدرة الفيلم المصري على المنافسة بسبب تدهور صناعته.

وذكر درويش ان الرقابة ولدت مع السينما في مصر حيث قامت بمنع فيلم «الزهور المميتة» عام 1918، كما ان تاريخ بدء صناعة السينما المصرية لم يكن متزامناً مع بدايتها في اوروبا، والحق انها بدأت عام 1936 بفضل طلعت حرب واستديو مصر، وقد كانت قبل ذلك اقرب الى الهواية، وكانت فترة ازدهارها قصيرة حيث تقلص نشاطها اوائل الستينات وبدأت في التدهور مع قرار تأميمها.

وأشار الرقيب الأسبق الى ان عدد دور العرض لا بد ان يتناسب مع عدد سكان مصر التي تحتاج الى اكثر من 1500 سينما تستوعب انتاجاً ضخماً يواجه حاجات السوق المصري والعربي والافريقي.

وحذر درويش من انفراد التلفزيون بالانتاج السينمائي والدليل على ذلك ما يقدم حالياً من افلام جميعها مقتبسة وعقيمة ولا ابداع فيها لانها تلجأ الى الاستسهال، حيث نرى فيلم «فرقة بنات وبس» مقتبسا من فيلم «البعض يفضلونها ساخنة»، كما ان فيلم «الوردة الحمراء» مقتبس من فيلم لريتا هيوارت تشابه فيه دورها مع دور الفنانة يسرا في كل شيء حتى الفستان الاسود الذي ارتدته في الفيلم والاغنيات الثلاث التي غنتها.

وشدد درويش على ضرورة النهوض ببنية السينما التحتية من معدات واستديوهات وشركات انتاج وزيادة عددها، كما حذر من خطورة اللجوء الى الانتاج المشترك الذي لا يراعي الاجواء المصرية وخصوصيتها، وقال ان قوانين الرقابة التي تحكم السينما المصرية قديمة وقد صدرت عن وزارة الشؤون عام 47، وبعد ان كانت 64 مانعاً رقابياً زادها جمال العطيفي وزير الثقافة والاعلام عام 87 الى 220 مانعاً منها ما هو مضحك مثل منع ظهور العربات الكارو في الافلام وعدم تقديم أعمال تدفع الناس الى اليأس وجاء هذا في القانون عام 1992.

وأضاف مصطفى درويش ان هذا يدل على ضحالة المستوى الثقافي الذي وصلت إليه السينما، وعدم مواكبتها للسينما العالمية وقرر انها تحتاج الى نظم ديمقراطية كي تنهض وتتطور.

وقد رأى السيناريست فيصل ندا ان السينما المصرية ليست لديها فكرة فيلم تخوض بها مسابقات عالمية، واستدرك بقوله «لكننا لا يمكن ان ننكر دور الدولة في دعم الفيلم المصري وتطويره فقد انتجت افلاماً مهمة في الستينات لكبار الأدباء جعلت الأفكار السينمائية تتعدد وتتزايد».

وقال الفنان هشام عبد الحميد لا يمكن ان نقول ان الصورة سوداء الى هذا الحد، فالسينما المصرية بخير والانتاج عناصره موجودة، والمشكلة الحقيقية تنحصر في التمويل حيث يجب اعادة النظر في الهيكل الاقتصادي الذي يتولى الانتاج لأنه من المدهش والغريب ان تتحكم شركات قليلة في الانتاج السينمائي المصري، كما ان ماضي السينما المصري كان مزدهراً والدليل على ذلك وصول عمر الشريف الى العالمية واشتراك يوسف وهبي في لجان تحكيم مهرجان هوليوود.

وذكر الناقد مختار السويفي ان السينما المصرية تعرضت لانحدار كبير بعد الستينات لا قبلها، وقد كانت الافلام في تلك الفترة تحافظ على قيم المجتمع وتقاليده، أما الافلام الحالية فهي تؤثر بالسلب على وجدان الشعب المصري وقد تؤدي الى تدميره.

وأشارت عطيات الابنودي الى ضرورة الاهتمام بالسينما التسجيلية وفرض عرضها في دور السينما مع الافلام الروائية وان تكون هناك حصة لتمويلها من تذكرة السينما.

وتحدث الفنان عمر الحريري عن ضرورة وجود استراتيجية تحكم الانتاج السينمائي في مصر، وقال ان الفكر الفردي الذي يتحكم في الانتاج غير مفيد لانه يقصر العمل في الفيلم على المنتج ومعارفه وقد يتجه الممثل الى الانتاج حتى يقوم بدور البطولة في الفيلم، وقد كان هذا النظام غير موجود فترة الستينات حيث كان العمل في الافلام متاحاً للجميع الى ان قامت الدولة ببيع الاصول السينمائية، وصار دورها فقط اقامة المهرجانات.