موسيقى تتشبع بسحر الأندلس والسامبا في مهرجان الجاز على الشاطئ البيروتي

TT

وكأنما في غفلة من الزمن سرقت موسيقى الجاز جمهورها لثلاث ليال متتاليات خلال نشاط مميز أشبه بالعيد حول شاطئ المارينا في وسط بيروت عبر مهرجان خلاب.

ففي اجواء تشهدها العاصمة للمرة الاولى، انطلقت فعاليات المهرجان الدولي للجاز 2004 الذي نظمته ودعت اليه شركة «سوليدير»، وشاركت فيها اربع فرق عالمية وثماني فرق محلية على مسرحين منفصلين، في مساحة تسهل الانتقال وحرية الاختيار للساهرين الذين تمكنوا من التمتع بصدى الأنغام وايقاع تكسر الموج في آن واحد.

عابد كازاريه كان ضيف المهرجانات ونجمها المتألق، أطرب الجمهور في اليوم الاول مع فرقته المؤلفة من 15 عازفاً على القانون والغيتار والكمان بأحجام متفاوتة والاكورديون وآلات الايقاع، فقدم 10 وصلات غنائية بمشاركة مطربة اسبانية، مازجاً الشرق بالغرب موسيقياً، وكأنه بذلك يكسر اي صراع للحضارات، التي يمكن ان تتلاقى وتتحاور بتجانس وحميمية مع النصوص الشعرية والتراث الأندلسي الصوفي والوجداني والانماط الغنائية، القادرة على اختراق الزمان والمكان بأصالتها التي لا تشوهها حداثة فنية راقية مبنية على قواعد العلم الموسيقي وليس عشوائيته وتجاريته الرخيصة الطاغية على الغناء الحالي.

لذا لم يكن يمكن التفريق في ليلة المهرجان الاولى مع كازاريه بين جنسيات الحضور التي شكلت امماً متحدة راقصة ومترنحة من الطرب في وسط بيروت. ولم يحل دون اكتمال المتعة بالموسيقى اي عائق لوجستي في التنظيم الذي حوّل المرسى البحري وببراعة مشهودة الى مكان للحلم مع اليخوت الراسية وأضواء قوس قزح ليلية وينابيع اللون الطالع من الألعاب النارية.

وعدا كازاريه وصوته الدافئ، شهدت الامسيات ليلة برازيلية صاخبة مع عشاق الموسيقى اللاتينية حيث قدمت العازفة البرازيلية تانيا ماريا بمشاركة ثلاثة عازفين مقطوعات زاوجت الجاز بالسامبا والبوستانوفا.

وتانياماريا الواحدة من قلة عازفات يعملن من تأليف الموسيقى اضفت بأناملها ومرحها الفطري بهجة على جمهور المرسى البيروتي.

اما البريطاني جون ماكلوفلن وعازف الطبلة الهندية زكير حسين فقدما وجهاً آخر من وجوه الإبداع الفني الذي تنبض بإيقاعاته وانغامه موسيقى الجاز. والمدهش ان الاثنين مع الفرقة قدما لحظات صافية، مرتجلة في اسلوب اعتمد اخراج النغم والنبرة في الصوت والعزف والايقاع والغناء مع الغيتار والطبلة، وكأنهما بذلك كانا ينشدان القيام بانقلاب جمالي على كلاسيكية «الجاز» ومفاهيمه المألوفة، ليربح الجمهور ايضاً نوعاً موسيقياً جديداً لن يكون عابراً بالتأكيد، وانما سيترسخ مع مزيد من الارتجال والاجتهاد ليتحول بمرور الزمن الى عمل كلاسيكي، يحفظ في المكتبات الموسيقية العالمية.

ولا يمكن ان نظلم الفرق المحلية الباقية التي احيت المهرجان، فقد تركت اللبنانية رندة غصوب بصمتها كذلك مع فرق الجاز والبلوز، اذ وجدت مسرحها وجمهورها من الشباب الباحث عن فن حديث يشبع الروح رغم المعايير الدولية للفرق العالمية التي يصعب منافستها.