منى غندور تطل على شاشة «إيه إن بي» مع برنامج للمرأة

الإعلامية اللبنانية لـ «الشرق الأوسط»: أنا إنسانة منهوبة وعملي يرافقني إلى سريري

TT

يلتبس تعريف اللبنانية منى غندور او تأطيرها في صيغة متعارف عليها، رغم انها تحمل سيرة مهنية جوالة بين السينما والكتابة والاعلام المسموع والجانح باتجاه المرئي.

ومنى معروفة مغمورة، ساكنة زوايا الذاكرة مع عشرة اعوام في اذاعة «مونت كارلو» وستة اعوام مسؤولة عن المكتب الاعلامي لشركة افلام مصر العربية (يوسف شاهين وشركاه) في مصر وخارجها. وهي حاضرة لتسطع ما ان تطل، كما حصل عندما قدمت حلقة وحيدة من برنامج »نورت الدار« على شاشة المؤسسة اللبنانية للارسال. كذلك هي اليفة قريبة الى وجه المشاهدين الذين توقفوا عند عمق معلوماتها المتعلقة بالراحل عبد الحليم حافظ في حلقة من برنامج الاغنية رقم (1) الذي، اعدته صحافياً على شاشة تلفزيون »المستقبل». وهي اليوم بصدد تقديم برنامج عن المحظور والمحرم في امور المرأة العربية على الشاشة الجديدة ANB، ويفترض ان توقع كتابها الصادر عن دار رياض الريس (رائدات المشهد الاول)، وفيه تستعرض سير فنانات من مطلع القرن الماضي، كن رائدات الانتاج في السينما المصرية.

لكن الالتباس لا يقتصر على معادلة الحضور والغياب، بل يتجاوزه الى كون منى غندور تعانيه في اناها ودواخلها، حيث تختلط لديها الانسانة بالكاتبة والناقدة بالمحاورة والممثلة المكامنة والمحتملة بالباحثة.

خليط صاخب ودائري، يصعّب الامساك بطرف يستهدى من خلاله الى مفاتيح الاسئلة والاجوبة. لذا كان الحوار معها اشبه برحلة مبعثرة في قطار الزمن، لا سيما وانها رفيقة طفولة، اخذتها دروب الحياة الى مطارح غنية. وقد جعلتها هذه المطارح حكواتية ذاتها، حريصة على «تاريخها الصغير» كما تقول لـ «الشرق الاوسط»، مضيفة: «لذا ارفض ان أتاجر بصورتي، فالنجومية بمفهومها الحالي لا تعنيني، عشت نجومية فكرية واجتماعية راقية، عندما كنت نجمة احلام شباب الحي ومن ثم مثقفي المقاهي وعندما تفتحت على الدنيا مسكونة بالفكر اليساري والصراعات الدائرة بين تيارات الادب والشعر مطلع السبعينات مع مدارس اسسها ادونيس وسعيد عقل ويوسف الخال وصلاح جاهين ويوسف حداد».

ومشكلة منى كانت اثبات وجودها على مستوى الكلمة، تعتبر انها «ابنة روحية» لكل من انسي الحاج وصلاح جاهين، ومن هنا اثارت في خطواتها الاولى كصحافية زوبعة اثر مقابلة لها لم تكتمل مع الشاعر الراحل نزار قباني نهاية السبعينات. وتحكي هذه الزوبعة فتقول: «لم اكن احب الصورة التي رسمها نزار قباني للمرأة، ورغم صغر سني انذاك كنت احس انه يحتقرها، ومع يقيني ان قيمته الشعرية كبيرة لكن ليس مع المرأة، كذلك ليس مع المعتقد السياسي كما هي حال محمود درويش او بابلو تيرودا. لذا حضرت اسئلتي من هذه الزاوية وذهبت اليه، ولقلة تجربتي طلب الاسئلة سلفاً، وافقت عوضاً عن طرحها، وتسجيل اجوبته، كما هي حال المقابلات وعندما وقع على سؤال عن تجاربه النسائية باسلوب يبدو وكأنه تعويض عن احباط في الحياة لان العاشق الحقيقي لا يبوح بمغامراته، كذلك سؤال عن قصائده السياسية التي ترتبط بالمناسبات وليست قصائد مواقف ثابتة من قضايا قومية وانسانية نعيشها، غضب وتهجم علي واتهمني اني مدسوسة واسعى الى الافتراء عليه، وتعامل معي بعنف مبالغ، حملت حصيلتي الى مجلة «الحسناء» حيث كنت اعمل، رفضت الادارة آنذاك نشر المقابلة، لولا تدخل بول شاوول ونزيه خاطر وآخرين، ضغطوا على الادارة لتنشر. بعد ذلك قامت الدنيا ولم تقعد هاجمتني الصحافيات، اعتبرن اني احاول تسلق مجد نزار قباني، كذلك هاجمني الراحل محيي الدين صبحي، فكتب عني اني رحت اصطاد نزار فاصطادني. وبالطبع صنفت ساقطة، وانصفني نزيه خاطر بمقال عن اهمية «الشرف العاقر حيال العهر المبدع» وتعلمت من هذه التجربة القسوة التي سأواجهها كلما مشيت بعكس التيار».

* بدأت مع الكلمة المكتوبة، لكنك لم تتابعي لتنصرفي الى الاذاعة وبعض محاولات السينما، لماذا؟

ـ لاني احب الشغل في السينما، ولان الصحافة المكتوبة لا تعطي مردوداً مالياً يكفيني لانجاز الابحاث التي احلم بها عن تاريخ السينما، مع الاقرار ان ائتماني الحقيقي هو للكلمة والشعر والادب، ولا تنسي ان الدنيا تأخذنا الى فرص وآفاق قد لا تكون في البال، واليوم توصلت الى ان اكتب عن السينما كأديبة.

* واين الاذاعة في مسيرتك؟

ـ بعد خبرة حوالي 15 عاماً، استطيع ان اقول ان الاذاعة هي اعظم تجربة، فالراديو صديق سري للمذيع وللمستمع، اذ تؤسس لعلاقة حميمة، لا يملكها التلفزيون، وتعطي بعداً وجدانياً ودرامياً، ولا اقنعة فيها فالصوت الكاذب يكتشفه المستمع بعد دقائق، ولا تأخذ الصورة منه شيئاً كما هي الحال في التلفزيون.

* ماذا قدمت في الاذاعة؟

ـ تجربتي كانت مع راديو مونت كارلو حيث قدمت حوالي ثمانية برامج على امتداد عشرة اعوام، منها برنامج Rendez-vous الذي يؤرخ سيرة المبدعين العرب من شعراء وكتاب ومخرجين وفنانين، ومنها برنامج Carte postal الذي كان يجمع معلومات عن مدينة عربية ما، من مدونات التاريخ وفي رسائل المستعمين، كذلك «توابل» الرمضاني الذي استضفت خلاله نجوم الفن وطلبت اليهم اعداد اطباق طعام يجيدونها على الهواء مباشرة. كذلك في رمضان الماضي قدمت على اذاعة »الشرق« برنامج »اهل المغنى« الذي كان اشبه بفيلم اذاعي غنائي مدته 20 دقيقة، استرجعت خلاله تاريخ السينما الاستعراضية عبر الصوت والاذن. و»مرسال الهوى« و»نساء شهيرات« و»فتافيت السكر« وغيرها من برامج، اعيد نسخها او استعيرت عناوينها من دون اذن او اشارة الي، كوني صاحبة الفكرة. على كل انا انسانة منهوبة، لطالما تكلمت عن فكرة اعمل على تنفيذها لافاجأ بأن احدهم لطشها. كما حصل مع فكرة كتابي رائدات «المشهد الاول» والذي سرق مني في مكتب يوسف شاهين.

* الا تشعرين انك تحملين اكثر من بطيخة لذا يسهل نهبك؟

ـ ربما. ولكن هذا لا يسمح للآخرين الحاق الاذى بي. مع الاشارة الى اني لا اجد عيباً في توزيع اهتماماتي ما دمت قادرة على الالتزام بها بجدية. فأنا آخذ عملي معي الى السرير. وخلال تحضير كتابي عن رائدات السينما فقدت تسعة كيلوغرام من وزني احسست ان من اكتب عنهن اوقعن بي، فقد كنت اسعى الى انجاز اول كتاب توثيقي عن كل من آسيا داغر وماري كويني وعزيزة امير وبهيجة حافظ وفاطمة رشدي وامينة محمد. وحرصت على التأريخ لحياتهن المهنية والتراثية وواجهت صعوبات في الحصول على الوثائق والمراجع الحقيقية، فاكتشفت ان الارشيف السينمائي المصري يقتصر الى الدقة ولا تتوفر الوثائق المدونة والمدعومة، لولا مساعدة كل من محمد كامل الايوبي واحمد الحضري وعلى ابو شادي وسمير فريد، لما تمكنت من انجاز هذا الكتاب، الذي يسلط الضوء على عزيمة وصلابة الرائدات اللواتي وجدن في السينما مرآة لهن، وسيرة البعض منهن مذهلة. وقد استغرقني هذا العمل ست سنوات واكلتني شخصياتي، الا ان هذا الكتاب كان عملية انتقام نبيل بحق من سرقني، وقد ناضلت لاسترجع هذا الحق.

* لنعد الى التلفزيون، تردد اسمك اكثر من مرة خلال العام الماضي، كمعدة ومقدمة برامج على «المستقبل» و«LBC» ولم نشهد إطلالة لك لماذا؟

ـ صادفني سوء حظ مع برنامج «نورت الدار»، الذي قدمت منه حلقة وحيدة ناجحة، فقد تزامن مع انسحاب المعدة جنان ملاط منLBCI، كذلك تزامن مع اندلاع حرب العراق واهتمام المحطة بالتغطية، مما صرف النظر عن انتاجه على حسابها لتكاليفه الباهظة. بعد ذلك تعاونت مع «المستقبل» في برنامج «الاغنية رقم واحد» وكان ناجحاً واليوم انا بصدد تقديم برنامج يهتم بشؤون المرأة من خلال طرح مواضيع ممنوعة في عالمنا العربي، تعده رانيا منصور واتوقع له النجاح.

* وماذا عن برنامج «يوميات» الذي حمل اسمك في الاعلان عنه، ثم تولت تقديمه على «المستقبل» ريتا خوري؟

ـ اعترف ان قراري رفض البرنامج كن جنباً من قبلي، كنت في معمعة الكتاب، وكان يفترض التفرغ كلياً للبرنامج الذي يعرض خمس مرات اسبوعياً. خفت من الطلة التلفزيونية ولم ارغب بالمراهنة على مسيرتي المهنية مقابل فشل محتمل. ولكني اليوم اعتذر من ايهاب حمود مدير الانتاج في «المستقبل»، لأنه كان مقتنعاً ان لدي ما يحول من دون الفشل ولم اصدقه. على كل انا اعتبر ان «المستقبل» بيتي، وبابها مفتوح دائماً امامي.

* وماذا تحمل منى غندور في جعبتها ايضاً؟

ـ احمل مشروع كتاب عن علاقة الابداع بالزمن خلال سيرة ثلاث مطربات وثلاث راقصات هن منيرة المهدية وام كلثوم واسمهان وبديعة مصابني وتحية كاريوكا وفيفي عبده.

* لك تجربة في التمثيل واكثر من رفض على هذا الصعيد، مع انك شغوفة بالسينما لماذا؟

ـ ربما لاني رافقت ممثلين وممثلات حصلوا على نصيب هائل من الشهرة، واحسست بمعاناتهم بعد ابتعاد الاضواء عنهم، لا سيما الراحلة سعاد حسني، فخفت ان اخوض التجربة ذاتها. لذا رفضت التمثيل مع محمد خان، واكتفيت بمشاركته في فيلم برهان علوية (في الليلة الظلماء يفتقد البدر) وفضلت العمل خلق الكاميرا وليس امامها، فقدمت فكرة وسيناريو فيلم «العوالم» عن تاريخ الرقص الشرقي لجوسلين صعب وكنت مساعدة المخرج وقد عرض على Cannal + الفرنسية، وكنت مساعدة انتاج ومنسقة فنية لفيلم السد العالي ايضاً لبرهان علوية. ومع رندة الشهال كنت مساعدة اخراج لفيلم فرنسي في القاهرة وسيناريست «زمن لورا» لماريان خوري، وغرامي للسينما يعود الى فيلم «الارض» ليوسف شاهين، كنت بالكاد يافعة حين حضرته واحسست آنذاك ان السينما الجادة والكبيرة تملك مفاهيم التغيير، فقررت ان اغازل السينما من بوابة الادب، واليوم اكتب عن السينما كأديبة.