معادلة تجمع الجغرافيا والاقتصاد في حرب شائعات: «سوبر ستار 2» بين أصالة الصوت وأكثرية الأصوات

TT

يبدو ان بوصلة «سوبر ستار 2» على شاشة «المستقبل» تتوجه الى أماكن لا ترتبط فقط بأصالة الطرب والتطريب كما كان واقع الحال في «سوبر ستار 1» وذلك لمصلحة حلاوة المظهر وخفة الظل والوسامة والطلة المودرن على حساب الاهات والليالي الطالعة من الحناجر الذهبية.

ولا يعني هذا التوجه ان الاصوات الثلاثة الباقية لكل من الليبي ايمن الاعتر والسوري هادي اسود والفلسطيني عمار حسن بعد خروج المصري رنيم قطيط، هذا الاسبوع، لا تحمل في طياتها عذوبة وقدرات تفوق معظم ما نشهد من عمليات «تفقيس» المطربين والمطربات الذين يتمتع معظمهم بمواهب عدة، ليس الصوت أهمها. والمراقب لمراحل التصفيات في البرنامج يعرف تماماً ان للتصويت ونتائجه، قراءة تعزل تقييم الغناء بتجرد، لتقترب من مقولة «الجمهور عاوز كده».

و«كده» في مقام «سوبر ستار» تبدأ مع نجومية الشارع، ثم تنساق الى عوامل متعددة وفق مستويات تتجاوز الموضوع الفني في المنافسة المشروعة الى مسائل تتعلق بالجغرافيا والاقتصاد، وسط اجواء عن شائعات فتح رسمي ومجاني في دول المشاركين لخطوط الاتصال عبر الهواتف والإنترنت، لان كل مشارك هو ممثل لوطنه، والاجدى من باب الوطنية المفرطة في حميتها ان يحظى المشارك بتأييد شعبي يترجم عبر التصويت. حتى كثرت التكهنات بفوز المصري رنيم قطيط انطلاقاً من مقولة عن فتح خطوط ووسائل اتصال مجانية للمصريين وحثهم على التصويت لابن بلدهم، وكثرة عددهم سترجح الكفة. واستشهد اصحاب هذه المقولة بتجربة محمد عطية نجم «ستار اكاديمي» الذي عرض على شاشة المؤسسة اللبنانية للارسال العام الماضي.

لكن الشائعات سقطت مع خروج رنيم هذا الاسبوع، لتحل محلها شائعات اخرى عن «مؤامرة» تعرض لها المشارك المصري من المغرب العربي ومشرقه، فالمغرب دعم الليبي ايمن الاعتر، على ذمة الشائعات، والمشرق، وتحديداً الخليج، حرم رنيم من اصواته حتى لا تتكرر تجربة محمد عطية، على حساب الكويتي بشار الشطي.

ويتوغل القائلون بالمؤامرة في تحليلاتهم، الى درجة تجاهل ان الامر ليس اكثر من مسابقة لهواة الغناء، كما ان معظم المتحمسين لمثل هذه البرامج من المشاهدين، ينتمون الى فئة الشباب، او الى الشرائح الاجتماعية التي لا تجد غير التلفزيون وسيلة للثقافة والتسلية، لذا تهتم وتتعصب لمشارك من دون آخر، وكأن المسألة تتعلق بمصير المجتمع وتطوره.

والقراءة تفرض ايضاً البحث في مضمون ما يحكى عن الامكانات المتوفرة لبلد من دون آخر، فما يستطيعه ابن الكويت لمشارك كويتي من كثافة في التصويت، لا يستطيعه ابن فلسطين او سورية او موريتانيا، اذا ما شارك مطرب موريتاني في المسابقة. لكن هذه المقولة ايضاً تسقط مع النتائج الاسبوعية، التي اسفرت عن خروج السعودي والكويتي والاماراتي.

اذن المسألة ليست مسألة جغرافيا او اقتصاد، مما يبقي الذوق الفني، بمعزل عن المحلية والوطنية والاقليمية، مقياساً لخروج المشارك او استمراره. ولان الشيء بالشيء يذكر، يجذبنا الفضول الى السؤال عن تفاوت شاسع بين جمهور «سوبر ستار 1» وجمهور «سوبر ستار 2» مع ان الفارق الزمني الذي لم يتجاوز العام الواحد، يستحيل ان ينتج جيلين لا علاقة للواحد منهما بالآخر، كما نشهد مع تطور البرنامج باتجاه التصفية الاخيرة. فجمهور «سوبر ستار 1» انحاز الى الصوت على حساب الشكل، وبعد انتهاء البرنامج لم يحظ الصوت باستمرارية لنجوميته بالقدر المتوقع له.

اما اليوم فالامر مختلف مع «سوبر ستار 2» وكأن جمهور العام الماضي اقتلع لصالح جمهور آخر مع انقلاب جذري للذائقة الفنية وتغيير في اتجاه البوصلة بلغ 180 درجة. وهكذا رأينا كيف ان من دعم الطرب سابقاً، استغنى عنه لاحقاً وخرج واحد تلو الآخر، مشاركون برعوا في الطرب الاصيل مثل حسام مدنية وعبير نعمة ووعد البحري ومهند مشلح وغيرهم.

وقد يقودنا هذا الفضول الى اسئلة لا تصح اجوبتها من دون براهين ملموسة، حتى لا تبقى في اطار التحليل بعيداً عن المعلومات، وذلك تجنباً لترويج نظرية «المؤامرة» التي تجد فوراً من يتبناها يذود عن حماها، مع ان المسألة ليس اكثر من مغنى ومزاج.

لكن استدرار الاسئلة يحول البرنامج الى قضية قومية ويروج له، وهو على ما يبدو كان يحتاج مثل هذا الترويج وغيره، حتى يمكن توضيح وقوعه في فخ الـ Real TV مع ملاحقة وهوامش ومنها مسابقة المشارك الاخف ظلاً او (الاكثر سخافة واثارة للسخرية) بمعنى ادق و«سوبر ستار اكسترا».

ويمكن تبيان الفخ من خلال الاصرار على نغمة «الصداقة» عنواناً لعلاقة المتنافسين على اللقب، مما يلغي احياناً قانون الطبيعة وصيغة «الانا» الفطرية للنفس البشرية، وكأن المحبة يمكن ان تفرض بالقوة على الهواء، فيما تختلج النفوس بمشاعر باطنية مبنية على الكيمياء التي تجمع البشر او تفرقهم.

لكنه الوفاق على الطريقة العربية، الذي يبقى «من بره هلا هلا ومن جوه يعلم الله». وكأنه لا يكفينا ان نستورد نماذج لاشكال نجومنا من شأنها ان تغير خريطة الموروثات والجينات لشعوب الشرق الاوسط، حتى نرى مع مثل هذه البرامج التنافسية فرضا لسلوكيات مستوردة في «الصداقة» والتعامل واستنساخ الاقوال والافعال، اضافة الى عمليات استنساخ الازياء والتسريحات. ليصبح كل من يحظى بنعمة المشاركة في برامج المسابقات الفنية «ستار» و«سوبر» و«اكسترا» رغم انوف النقاد والذواقة.