سعد الدين بقدونس .. شيخ الفنانين السوريين: الشاشة الصغيرة سرقت أجيال الفنانين

TT

ستون عاماً من العطاء المتواصل، وبهذا فهو يجسّد التاريخ الحديث للفن السوري منذ الأربعينات حتى اليوم. رافق مايكروفون الإذاعة السورية منذ بداياتها في الأربعينات، وعمل على خشبة المسرح نصف قرن من الزمن من دون انقطاع، قبل أن ينتقل إلى العمل على الشاشتين الكبيرة والصغيرة.

من هنا، فإن الحوار مع سعد الدين بقدونس، حول هذه المسيرة الحافلة، فرصة مهمة، أرادها أن تكون نوعا من التقويم لا سرداً للذكريات.

ريادة الإذاعة السورية

* نبدأ من الإذاعة السورية، إذاعة دمشق ودورها كجهاز إعلامي حديث ومتقدم في فترة أربعينات القرن العشرين، ماذا تحدثنا عن هذا الدور؟

ـ هو دور ريادي بلا شك، فمنذ أن بدأت الإذاعة السورية بث برامجها، كانت (إذاعة قومية)، كانت مفتوحة لجميع الكتّاب والفنانين والملحنين والشعراء العرب، والجميع يعترفون بهذا الدور، ومنهم فنانو لبنان وسورية ومصر، حتى الرحبانيون وفيروز انطلقوا من إذاعة دمشق.

وأحب أن أشير إلى ظاهرة مهمة رافقت إذاعة دمشق بصورة مبكرة، ولا تزال، وهي تحقيق ما يسمى بـ (الدراما الإذاعية)، إذ كانت تقدم المسلسلات والتمثيليات والبرامج الدرامية بصورة متواصلة، حتى أصبح أرشيفها من هذه الأعمال نوعاً من التراث الدرامي المعاصر، الذي تضمّه آلاف الأشرطة المحفوظة في مكتبة الأشرطة بالإذاعة. ومن هنا، فإن الفنانين السوريين، عندما انطلقوا في الدراما التلفزيونية، كانوا يستندون إلى أرضية صلبة وإلى إرث أصيل من هذا الفن المتميز.

الولادة الثانية للمسرح

* أنت مسرحي مخضرم، عشت على خشبة المسرح نصف قرن من الزمن، ماذا عن هذه التجربة أيضاً؟

ـ كان للمسرح السوري أيضا دور الريادة بين المسارح العربية، من خلال الإرهاصات التي بدأت مع مارون النقاش، والولادة الحقيقية للمسرح العربي، التي بدأت مع تجربة أبي خليل القباني في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين في سورية، ثم في مصر.

وعلى الرغم من المراحل المتقطعة في مسيرة هذا المسرح، خاصة في فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية وما تلاهما، فإن الفنانين الروّاد الأوائل كانوا يصرّون على تقديم العروض المسرحية من خلال الفرق الخاصة في أصعب الظروف، خاصة بين الأربعينات والستينات، حيث شاركتُ مع الفنان الرائد عبد اللطيف فتحي في تقديم عروض مسرحية مستمرة، في دمشق والمحافظات، حتى قامت الوحدة بين القطرين الشقيقين مصر وسورية في نهاية الخمسينات. وكانت هناك ولادة جديدة للمسرح السوري في بداية الستينات مع تأسيس المسرح القومي والمسارح الأخرى الرديفة، مثل المسرح الشعبي، والمسرح الجوال، والمسرح التجريبي، ومسرح العرائس، والمسرح الجامعي، والمسرح المدرسي، ومسارح الهواة، ومسارح المنظمات كالشبيبة والعمال، وتحققت بهذا نهضة مسرحية جديدة في سورية.

* بعض الفنانين لهم رأي آخر معاكس، حول هذه الولادة الجديدة للمسرح، إذ يدّعون انها قضت على فرق القطاع الخاص؟

ـ فرق القطاع الخاص، وكنت أعمل فيها، كان لها دور مهم في كفالة استمرارية العروض المسرحية، لكنها كانت تعمل في ظروف صعبة جدا. كنا نعمل على مسارح متواضعة في دمشق والمحافظات، هي في الأصل دور سينما نحوّلها مساء إلى صالة مسرح، وكنا نعمل بإمكانات مادية متواضعة، وكثيراً ما نعجز عن دفع إيجار الصالة. ولم يكن من الطبيعي أن تستمر هذه الحالة، التي تعتمد ـ فقط ـ على حماسة وتضحيات بعض الفنانين، ولم يكن المجتمع ينظر إلى الفنان نظرة التقدير والإعجاب، التي يحظى بها اليوم. ثم ان وجود المسارح الرسمية ومسارح المنظمات لم يمنع ـ كما هو الواقع الآن ـ من قيام واستمرار فرق مسرحية خاصة.

سحر الفضائيات

* وماذا عن التجربة الأخيرة في السينما والتلفزيون؟

ـ فرص العمل في السينما السورية قليلة وشبه معدومة بعد توقف إنتاج القطاع الخاص لأسباب يعرفها الجميع ونشرتها الصحف بإسهاب وبعد تعثر الإنتاج في السنوات الأخيرة في المؤسسة العامة للسينما، التي تمثل القطاع العام.

أما التلفزيون فهو المسيطر على الساحة الفنية اليوم، وقد استقطبنا جميعا الشيوخ والمخضرمين والشباب، بعد أن أصبح للدراما السورية هذا الحضور الواسع على الفضائيات العربية، التي تجتذب ملايين المشاهدين.

كانت أدواري في السينما تقتصر على خمسة أفلام فقط، أما في التلفزيون، فقد فرغت نفسي له ولعبت على شاشته أدوارا كثيرة متباينة. لعبت دور الشرير، والطيب، والملك، والقاتل، وكانت الأدوار التاريخية الأحب إلى قلبي. ومن الأدوار التي اعتز بها أدواري في مسلسلات (عودة الزيبق) و(المماليك) و(الأميرة الشماء) و(يوميات مدير عام).. علماً انني لعبت الأدوار الكوميدية على مدى سنوات طوال.